الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب القصص القرآني للسيد محمد باقر الحكيم: مباراة موسى مع السحرة: وقد أشار قوم فرعون وخاصته عليه بأن يواجه موسى بالسحرة من بلاده فيجمعهم في يوم يشهده الناس جميعا ليتباروا، وسوف يغلبونه وهم كثيرون فيفتضح أمره ويترك دعوته، وعمل فرعون بهذه النصيحة فطلب من موسى وأخيه أن يعطياه مهلة إلى وقت معين لمواجهته بالسحرة. وجمع فرعون كيده وحشد جميع السحرة من بلادهم وعرض عليهم الموقف وطلب منهم أن يحرجوا موسى ويغلبوه، وجمع الناس لهذه المباراة ظنا منه أنه سوف ينتصر، وقد شجعه على ذلك تأكيد السحرة أنهم سوف يغلبون موسى وما طلبه منه السحرة من أجر وأعطيات إذا كانوا هم الغالبين. وحين اجتمع موسى بالسحرة خيروه بين أن يلقي قبلهم أو يكونوا هم الملقين قبله، فاختار أن يكونوا هم الملقين، فألقى السحرة "حبالهم وعصيهم" (طه 66) وإذا بها تبدو لاعين الناس - من سحرهم - كأنها تسعى كالحيات، وعندئذ أوجس موسى "في نفسه خيفة" (طه 67) إذ لم يكن ينتظر أن يواجه بالأسلوب الذي اتبعه في معجزته مع فرعون، فأوحى الله سبحانه له أن لا تخف فإنك أنت الذي سوف تنتصر عليهم، وانما عليك ان تلقي عصاك وحينئذ تتحول إلى حية تلقف جميع ما صنعوا، لان ما صنعوه ليس إلا "كيد ساحر ولا يفلح الساحر" (طه 69). وعندما رأى السحرة هذا الصنع من موسى انكشفت لهم الحقيقة التي ارسل بها، وأن هذا العمل ليس عمل ساحر وانما هو معجزة الهية، فآمنوا وقالوا: "آمنا برب هارون وموسى" (طه 70). وأمام هذا الموقف الرائع من السحرة في هذا المشهد العظيم من الناس وجد فرعون نفسه في وضع مخز ومحرج، الامر الذي اضطره لان يلجأ إلى الانذار والوعيد والتهديد باستخدام أساليب القمع والارهاب، فقال للسحرة: "آمنتم له قبل أن آذن لكم انه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى" (طه 71)، ولم يكن موقف السحرة بعد أن انكشفت لهم الحقيقة وهداهم الله إليها إلا ليزداد صلابة وثباتا واستسلاما لله رجاء مغفرته ورحمته.
جاء في كتاب القصص القرآني للسيد محمد باقر الحكيم: موسى مع بني إسرائيل: وتتوالى بعد ذلك الاحداث على موسى وإذا به يواجه المشاكل الداخلية منفردا مع قومه بني إسرائيل، فيسمع طلبهم وهم يمرون على قوم يعبدون الأصنام بأن يتخذ لهم أصناما يعبدونها كما أن لهؤلاء أصناما، ثم بعد ذلك يتفضل الله سبحانه على بني إسرائيل عندما استسقوا موسى، فيأمره بضرب الحجر فتتفجر منه العيون كما ينزل عليهم المن والسلوى ويبدلهم عنه ببعض المآكل الأخرى، ويواجه موسى ردة من بني إسرائيل عند ذهابه لميقات ربه لتلقي الشريعة في ألواح التوراة، فيخبره الله تعالى بعبادتهم للعجل الذي صنعه السامري، فيرجع "إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا" (طه 86) ويعتب بقسوة على أخيه هارون، حيث كان قد استخلفه عليهم مدة ذهابه، ويطرد السامري ويفرض عليه عقوبة المقاطعة، ويحرق العجل وينسفه، ثم يتوب الله على بني إسرائيل بعد أن فرض عليهم عقابا صارما. وعلى هذا المنوال يذكر لنا القرآن الكريم أحداثا مختلفة عن حياة موسى مع بني إسرائيل، كقضية البقرة ونتق الجبل والدعوة للدخول إلى الأرض المقدسة وذهابهم للمواعدة عندما طلبوا رؤية الله جهرة، وقصة قارون وتآمره مع المنافقين على موسى، وفي بعض هذه الاحداث لا نجد القرآن الكريم يحدد المتقدم منها على الاحداث الأخرى بشكل واضح.
عن المجتمع الانساني في القرآن الكريم للشهيد السيد محمد باقر الحكيم قدس سره: الإنسان والمجتمع الإنساني هدف أساسي في القرآن الكريم لما حظي به الكائن البشري من كرامة عند الله، ومكانة في الكون، وقدرة على الخلافة. وسور القرآن الكريم تتناول جوانب شتى مما يرتبط بالإنسان والمجموعة البشرية في إطار عقائدي تارة واجتماعي وتاريخي وأخلاقي تارة أخرى. والأستاذ الباحث بدأ الحلقة الأولى بمباحث تمهيدية ثم يتناول في هذه الحلقة موضوع استخلاف الإنسان في الأرض. وقضية الاستخلاف هذه تشتمل على جانبين وفصلين: الفصل الأول: يتناول معنى الاستخلاف، والحكمة، والعلة فيه ومبرراته، وهذا الجانب من قصة آدم يشير إليه القرآن الكريم في عدة مواضع، ولكن أكثرها تفصيلاً ووضوحاً الآيات الأربع الأولى من هذا المقطع الشريف، وذلك لأن جميع آيات الاستخلاف تتحدث عن هذا الموضوع، أيضاً إلا أنها تتحدث عن استخلاف الإنسان عموماً. وسوف نلاحظ أن هذه الآيات الكريمة الأخرى تكمل الصورة في فهم هذه الخلافة ومبرراتها، التي لا تختص بشخص آدم. والفصل الثاني: يتناول مسيرة الخلافة من الخلق إلى الأرض، والعملية التي تم بها إنجاز هذا الاستخلاف خارجاً. قال الله تعالى "وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ (116) فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۚ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ (122) قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (123)" (طه 115-123)، وغيرها من الآيات، ولابد من دراستها بشكل عام.
جاء في كتاب علوم القرآن عن مفاهيم حول الاستخلاف للسيد محمد باقر الحكيم: مفاهيم حول الاستخلاف: خطيئة آدم: والسؤال الاخر هو عن خطيئة آدم وغوايته وعصيانه: "وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى" (طه 121). حيث دلت بعض الروايات على أن آدم كان نبيا، وان لم يذكر ذلك في القرآن الكريم، والأنبياء معصومون من الذنب والزلل والغواية منذ بداية حياتهم. ومع غض النظر عن الشك والمناقشة في صحة هذه الفرضيات فرضية أن يكون آدم نبيا و فرضية أن يكون الأنبياء معصومين من الذنب منذ بداية حياتهم، يمكن أن نفسر جدية هذه المخالفة والعصيان على أساس اتجاهين: الاتجاه الأول: أن يكون النهي الإلهي هنا هو نهي ارشادي أريد منه الارشاد إلى المفاسد الموجودة في أكل الشجرة وليس نهيا مولويا يراد منه التحريك والطلب الجدية والمعصية المستحيلة على الأنبياء والتي توجب العقاب هي في الأوامر المولوية وليست الارشادية. الاتجاه الثاني: أن يكون النهي الإلهي هنا نهيا مولويا كما هو الظاهر وحينئذ فيفترض بأن الأنبياء معصومون من الذنوب المتعلقة بالأوامر والنواهي التي يشتركون فيها مع الناس، وأما الأوامر والنواهي الخاصة بهم فلا يمتنع عليهم صدور الذنب بعصيانها وليسوا معصومين تجاهها، وهذا النهي الذي صدر لادم انما هو خاص به، ولذا لم يحرم على ذريته من بعده أكل الشجرة.
https://telegram.me/buratha