الدكتور فاضل حسن شريف
وعن علي أمير المؤمنين والمتخلفون عن بيعته بعد موت عثمان يقول السيد مرتضى العسكري في كتابه أحاديث أم المؤمنين عائشة:: وتخلف عن البيعة عبد الله بن عمر، ومحمد بن مسلمة، وأسامة بن زيد، وحسان بن ثابت، وسعد بن أبي وقاص، فجاء عمار والأشتر إلى علي فقال عمار: يا أمير المؤمنين قد بايعك الناس كافة إلا هؤلاء النفر فلو دعوتهم إلى البيعة كي لا يتخلفوا في ذلك عن المهاجرين والأنصار. فقال: يا عمار لا حاجة لنا في من لا يرغب فينا. فقال الأشتر: إن هؤلاء وإن كانوا سبقوا بعضنا إلى رسول الله غير أن هذا الامر يجب أن يجمعوا عليه ويرغبوا فيه. فقال علي: يا مالك إني أعرف بالناس منك، ودع هؤلاء يعملوا برأيهم. فجاء سعد إلى علي وقال: والله يا أمير المؤمنين لا ريب لي في أنك أحق الناس بالخلافة وأنك أمين على الدين والدنيا غير أنه سينازعك على هذا الامر أناس، فلو رغبت في بيعتي لك أعطني سيفا له لسان، يقول لي: خذ هذا، ودع هذا. فقال علي: أترى أحدا خالف القرآن في القول أو العمل؟ لقد بايعني المهاجرون والأنصار على أن أعمل فيهم بكتاب الله وسنة نبيه فإن رغبت بايعت وإلا جلست في دارك فإني لست مكرهك عليه. أما من تخلف من بني أمية فقد ذكروا عن بيعتهم ما قاله اليعقوبي في تاريخه حيث قال: إن مروان بن الحكم وسعيد بن العاص والوليد بن عقبة حضروا عند علي، فقال الوليد وكان لسان القوم: يا هذا إنك قد وترتنا جميعا، أما أنا، فقد قتلت أبي صبرا يوم بدر، وأما سعيد، فقد قتلت أباه يوم بدر، وكان أبوه ثور قريش، وأما مروان فقد شتمت أباه وعبت على عثمان حين ضمه إليه، وإنا نبايعك على أن تضع عنا ما أصبنا وتعفي لنا عما في أيدينا وتقتل قتلة صاحبنا، فغضب علي وقال: (أما ما ذكرت من وتري إياكم فالحق وتركم، وأما وضعي عنكم عما في أيديكم مما كان لله وللمسلمين فالعد يسعكم، وأما قتلي قتلة عثمان فلو لزمني قتلهم اليوم لزمني قتالهم غدا، ولكن لكم أن أحملكم على كتاب الله، وسنة نبيه. فمن ضاق الحق عليه، فالباطل عليه أضيق. وإن شئتم فالحقوا بملاحقكم). فقال مروان: (بل نبايعك، ونقيم معك. فترى ونرى).
وبين السيد مرتضى العسكري عن غرضه في عرض احداث الخليفة عثمان قائلا: غايتنا من عرض هذه الحوادث: لا يهمنا من عرض هذه الحوادث ما يهم الكتاب العقائديين المتكلمين من هجوم ودفاع، أو مدح وذم، ولا نبحث بحث الفقيه عن حكم قتل الخليفة وقاتله في الشريعة الاسلامية. وصواب اجتهاد أم المؤمنين أو خطأه، ولسنا بصدد صرد الوقائع التاريخية لنلم بها من جميع نواحيها. ليس كل ذلك ما يهمنا، وإنما يهمنا من هذا العرض ما يكون سبيلا ممهدا لفهم أحاديث أم المؤمنين من حيث دراسة شخصيتها كما ذكرنا ذلك غير مرة، ولذلك فقد تركنا ذكر حوادث لا تتصل بموضوع بحثنا كاللاتي نقم فيها على عثمان مما لم يكن لام المؤمنين فيها دور مذكور، وأوجزنا ذكر غيرها مما لا يتصل ببحثنا اتصالا مباشرا كواقعة الدار، وبيعة علي إلى نظائرها السابقة الذكر أو الآتية، مما ذكرناها لاتصالها ببعض الأبحاث التي نروم بحثها، ولما فيها من مواقف لافراد من أسرة أم المؤمنين كأخيها محمد وابن عمها طلحة، مما نريد أن نعرف منها مدى مقدرة أم المؤمنين السياسية، وعظم نفوذها في الناس، وخبرتها بما يؤثر في النفوس، وكيف أنها استطاعت أن تزعزع كيان خليفتين من الراشدين، فأفتت بقتل خليفة فقتل، وأنه لولاها لما تعدى الامر حصره إلى قتله، ولم يجرؤ أحدى على إراقة دم الخليفة، وهتك حرمة الخلافة، وكيف انقلبت من مفتية بقتله إلى طالبة بثأره بعد فشلها في خطتها المدبرة بتأمير ابن عمها طلحة، وكيف استطاعت أن تبرئ القاتل وتجعله مطالبا بثأر القتيل ومن أذب الناس عنه، وكيف استطاعت أن تجمع بين القاتلين والموتورين في جيش واحد، وكيف استطاعت أن تتهم عليا بقتل عثمان وكان أنصح الناس له وأجداهم نفعا في الدفاع عنه، وكيف استطاعت أن تثور المسلمين على علي مع سوابقه الشهيرة. هذه المقدرة السياسية الفذة في التاريخ امتازت بها أم المؤمنين على غيرها. ولم يعن إلى اليوم بدراستها دراسة موضوعية صحيحة فنسأل الله أن يوفقنا للسير في هذا الطريق وإكماله.
وعن بواعث حرب الجمل يقول السيد العسكري: اضطر طلحة والزبير تحت ضغط الرأي العام أن يقطعا أملهما في الخلافة، ويبادرا إلى بيعة علي قبل غيرهما ليمنا بذلك عليه، ويكون لهما السهم الأوفر في عهده، غير أنه لم يميز بينهما وبين الآخرين من أفراد المسلمين، فخاب فألهما، وضاع أملهما في علي، وكانا يراجعانه في ما كانا يبغيان من الحظوة بالامرة على ما ذكره اليعقوبي في تاريخه وقال: أتاه طلحة والزبير، فقالا: إنه قد نالتنا بعد رسول الله جفوة فأشركنا في أمرك، فقال: (أنتما شريكاي في القوة والاستقامة وعوناي على العجز والاود). وروى بعضهم: أنه ولى طلحة اليمن والزبير اليمامة والبحرين، فلما دفع إليهما عهديهما، قالا له: وصلتك رحم، قال: (وإنما وصلتكما بولاية أمور المسلمين) واسترد العهدين منهما، فعتبا من ذلك وقالا: (آثرت علينا) فقال: (ولولا ما ظهر من حرصكما فقد كان لي فيكما رأي). وفي الطبري: وسأل طلحة والزبير ان يؤمرهما على الكوفة والبصرة فقال: تكونان عندي فأتجمل بكما فإني وحش لفراقكما. وقد أورد ابن أبي الحديد في شرح النهج تفصيل ما دار بينهما وبين ابن أبي طالب وكيف تلقيا مساواة علي بين المسلمين في العطاء عندما وزع بيت المال على المسلمين فأعطى لكل واحد منهم ثلاثة دنانير سواء المولى والعربي خلافا لما كان عليه الامر في عهد الخليفة عمر، وما دار من كلام واحتجاج حول ذلك. وروى الطبري ان طلحة قال: ما لنا من هذا الامر إلا كلحسة الكلب أنفه. بقي طلحة والزبير في المدينة أربعة أشهر يراقبان عليا من قريب، حتى إذا أيسا منه وبلغهما موقف أم المؤمنين بمكة عزما على الخروج من المدينة، فأتيا عليا، فقالا: إنا نريد العمرة، فأذن لنا في الخروج، فقال علي لبعض أصحابه: (والله ما أرادوا العمرة، ولكنهما أرادا الغدرة) فأذن لهما في الخروج بعد أن جددا له البيعة فخرجا من المدينة، والتحقا بركب أم المؤمنين عائشة. كما التحق بركبها بنو أمية، فإنهم كانوا يتربصون في المدينة، فلما بلغهم مجاهرة أم المؤمنين بالخلاف على علي، غادروا المدينة إلى مكة، والتحق بها أيضا ولاة عثمان الذين عزلهم علي عن الأمصار، وهم يحملون معهم من أموال المسلمين ما يحملون.
https://telegram.me/buratha