الدكتور فاضل حسن شريف
وروي عن أبي الأسود قال: بعثني وعمران بن حصين عثمان بن حنيف إلى عائشة، فقلنا: يا أم المؤمنين أخبرينا عن مسيرك هذا، أعهد عهده رسول الله صلى الله عليه وآله أم رأي رأيته، قالت: بل رأي رأيته حين قتل عثمان إنا نقمنا عليه ضربة السوط، وموقع المسحاة المحماة، وامرة سعيد والوليد، فعدوتم عليه، فاستحللتم منه الحرم الثلاث حرمة البلد وحرمة الخلافة وحرمة الشهر الحرام، بعد ان مصناه كما يماص الاناء فاستبقيناه. فركبتم منه هذه ظالمين، وغضبنا لكم من سوط عثمان، ولا نغضب لعثمان من سيفكم؟ قلت: (ما أنت وسيفنا وسوط عثمان وأنت حبيس رسول الله صلى الله عليه وآله، أمرك أن تقري في بيتك، فجئت تضربين الناس بعضهم ببعض). قالت: (وهل أحد يقاتلني، أو يقول غير هذا؟). قلت: (نعم). قالت: من يفعل ذلك؟ أزنيم بني عامر؟ وقال ابن قتيبة: لما انتهوا إلى البصرة، خرج إليهم عثمان بن حنيف عامل علي عليها، وتقابلوا في المربد، فخطبت أم المؤمنين وقالت: (إن أمير المؤمنين عثمان كان قد غير وبدل، ثم لم يزل يغسل ذلك بالتوبة حتى قتل مظلوما تائبا، وإنما نقموا عليه ضربة بالسوط، وتأميره الشبان، وحمايته موضع الغمامة، فقتلوه محرما في الشهر الحرام وحرمة البلد ذبحا كما يذبح الجمل، ألا وإن قريشا رمت غرضها بنبالها، وأدمت أفواهها بأيديها، وما نالت بقتلها إياه شيئا، ولا سلكت به سبيلا قاصدا. أما والله ليرونها بلايا عقيمة، تنبه النائم وتقيم الجالس، وليسلطن عليهم قوم لا يرحمونهم يسومونهم سوء العذاب. أيها الناس إنه ما بلغ من ذنب عثمان ما يستحل دمه، مصتموه كما يماص الثوب الرحيض، ثم عدوتم عليه، فقتلتموه بعد توبته وخروجه من ذنبه وبايعتم ابن أبي طالب من غير مشورة من الجماعة: ابتزازا وغصبا. ترونني أغضب لكم من سوط عثمان ولسانه ولا أغضب لعثمان من سيوفكم؟ ألا إن عثمان قتل مظلوما فاطلبوا قتلته، فإذا ظفرتم بهم فاقتلوهم، ثم اجعلوا الامر شورى بين الرهط الذين اختارهم أمير المؤمنين عمر، ولا يدخل فيهم من شرك في دم عثمان). المسحاة المحماة: موضع لسرف كان عثمان قد حماه لخليه وخيل بني أمية وكان عمر قد حماه لخيل المسلمين، و الموص: الغسل اللين والدلك باليد. والمربد: كان به سوق للإبل قديما، ثم سكنها الناس، وأصبحت محلة عظيمة يجتمع فيها الأدباء ويتبارون فيها. و الرحيض: المغسول.
وفي رواية الزهري قام طلحة والزبير خطيبين، فقالا: يا أهل البصرة توبة بحوبة، إنما أردنا أن يستعتب أمير المؤمنين عثمان، ولم نرد قتله، فغلب سفهاء الناس الحلماء حتى قتلوه، فقال الناس لطلحة: يا أبا محمد قد كانت كتبك تأتينا بغير هذا، فقال الزبير: فهل جاءكم مني كتاب في شأنه؟ ثم ذكر قتل عثمان رضي الله عنه وما أتي إليه وأظهر عيب علي، فقام إليه رجل من عبد القيس، فقال: أيها الرجل أنصت حتى نتكلم فقال عبد الله بن الزبير: ومالك والكلام. فقال العبدي: يا معشر المهاجرين! أنتم أول من أجاب رسول الله صلى الله عليه وآله فكان لكم بذلك فضل، ثم دخل الناس في الاسلام كما دخلتم، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله بايعتم رجلا منكم، والله ما استأمرتمونا في شئ من ذلك، فرضينا واتبعناكم، فجعل الله عز وجل للمسلمين في إمارته بركة، ثم مات رضي الله عنه، واستخلف عليكم رجلا منكم، فلم تشاورونا في ذلك، فرضينا وسلمنا، فلما توفي الأمير جعل الامر إلى ستة نفر، فاخترتم عثمان، وبايعتموه عن غير مشورة منا، ثم أنكرتم من ذلك الرجل شيئا فقتلتموه عن غير مشهورة منا، ثم بايعتم عليا من غير مشورة منا، فما الذي نقمتم عليه فنقاتله؟ هل استأثر بفئ أو عمل بغير الحق أو عمل شيئا تنكرونه فنكون معكم عليه وإلا فما هذا؟ فهموا بقتل ذلك الرجل، فقام من دونه عشيرته، فلما كان الغد وثبوا عليه وعلى من كان معه، فقتلوا سبعين رجلا.
وأخرج الطبري عن نصر بن مزاحم، قال: وأقبل جارية بن قدامة السعدي، فقال: يا أم المؤمنين والله لقتل عثمان بن عفان أهون من خروجك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح، إنه قد كان لك من الله ستر وحرمة، فهتكت سترك وأبحت حرمتك، إنه من رأى قتالك فإنه يرى قتلك، إن كنت أتيتنا طائعة فارجعي إلى منزلك، وإن كنت أتيتنا مستكرهة فاستعيني بالناس، قال: فخرج غلام شاب من بني سعد إلى طلحة والزبير فقال: أما أنت يا زبير! فحواري رسول الله صلى الله عليه وآله وأما أنت يا طلحة: فوقيت رسول الله صلى الله عليه وآله بيدك وأرى أمكما معكما، فهل جئتما بنسائكما؟ قالا: لا، قال: فما أنا منكما في شئ. واعتزل، وقال السعدي في ذلك: صنتم حلائلكم وقدتم أمكم * هذا لعمرك قلة الانصاف أمرت بجر ذيولها في بيتها * فهوت تشق البيد بالايجاف غرضا يقاتل دونها أبناؤها * بالنبل والخطي والأسياف هتكت بطلحة والزبير ستورها * هذا المخبر عنهم والكافي وأقبل غلام من جهينة على محمد بن طلحة، وكان محمد رجلا عابدا، فقال: أخبرني عن قتلة عثمان فقال: نعم، دم عثمان ثلاثة أثلاث ثلث على صاحبة الهودج يعني عائشة وثلث على صاحب الجمل الأحمر يعني طلحة وثلث على علي بن أبي طالب، فضحك الغلام وقال: لا أراني على ضلال، ولحق بعلي. وقال الطبري: فقدموا البصرة وعليها عثمان بن حنيف، فقال لهم عثمان: ما نقمتم على صاحبكم؟ فقالوا: لم نره أولى بها منا وقد صنع ما صنع. قال: فإن الرجل أمرني فأكتب إليه فأعلمه ما جئتم له على أن أصلي بالناس حتى يأتينا كتابه، فوقفوا عليه، وكتب فلم يلبث إلا يومين حتى وثبوا عليه فقاتلوه بالزابوقة عند مدينة الرزق فظهروا، وأخذوا عثمان فأرادوا قتله، ثم خشوا غضب الأنصار فنالوه في شعره وجسده.
https://telegram.me/buratha