الدكتور فاضل حسن شريف
ذكر اليعقوبي في تاريخه والمسعودي في مروجه وابن عبد البر بترجمة حكيم ابن جبلة من الاستيعاب واللفظ للأخير: إن عثمان بن حنيف لما كتب الكتاب بالصلح بينه وبين الزبير وطلحة وعائشة على أن يكفوا عن الحرب ويبقى هو في دار الامارة خليفة لعلي على حاله حتى يقدم علي رضي الله عنه فيرون رأيهم، قال عثمان بن حنيف لأصحابه: ارجعوا وضعوا سلاحكم. فلما كان بعد أيام جاء عبد الله بن الزبير في ليلة ذات ريح، وبرد شديد، ومعه جماعة من عسكرهم، فطرقوا عثمان بن حنيف في دار الامارة فأخذوه، ثم انتهوا به إلى بيت المال، فوجدوا ناسا من الزط يحرسونه، فقتلوا منهم أربعين رجلا. وقال المسعودي: قتل منهم سبعون رجلا غير من جرح وخمسون من السبعين ضربت أعناقهم صبرا من بعد الأسر.
وفي الاستيعاب واللفظ للطبري: إنهم لما أخذوا عثمان ابن حنيف أرسلوا أبان بن عثمان إلى عائشة يستشيرونها في أمره. قالت: أقتلوه. قالت امرأة: نشدتك الله يا أم المؤمنين في عثمان وصحبته لرسول الله صلى الله عليه وآله. قالت: ردوا أبانا، فردوه. فقالت: احبسوه ولا تقتلوه. قال: لو علمت أنك تدعيني لهذه لم أرجع. فقال لهم مجاشع بن مسعود: اضربوه وانتفوا شعر لحيته، فضربوه أربعين سوطا، ونتفوا شعر لحيته ورأسه وحاجبيه وأشفار عينيه وحبسوه. وقال الطبري: ولما كانت الليلة التي أخذ فيها عثمان بن حنيف وفي رحبة مدينة الرزق طعام يرتزقه الناس، فأراد عبد الله أن يرزقه أصحابه. وبلغ حكيم بن جبلة ما صنع بعثمان بن حنيف، فقال: لست أخاف الله ان لم أنصره، فجاء في جماعة من عبد القيس وبكر بن وائل، وأكثرهم من عبد القيس، فأتى ابن الزبير بمدينة الرزق، فقال: مالك يا حكيم؟ قال: نريد أن نرتزق من هذا الطعام، وأن تخلوا عثمان فيقيم في دار الامارة على ما كتبتم بينكم حتى يقدم علي، والله لو أجد أعوانا عليكم أخبطكم بهم ما رضيت بهذه منكم حتى أقتلكم بمن قتلتم، ولقد أصبحتم وإن دماءكم لنا حلال بمن قتلتم من إخواننا، أما تخافون الله عز وجل؟ بما تستحلون سفك الدماء؟ قال: بدم عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: فالذين قتلتموهم قتلوا عثمان؟ أما تخافون مقت الله؟ فقال له عبد الله بن الزبير: لا نرزقكم من هذا الطعام، ولا نخلي سبيل عثمان بن حنيف حتى يخلع عليا. قال حكيم: اللهم إنك حكم عدل فاشهد، وقال لأصحابه: إني لست في شك من قتال هؤلاء، فمن كان في شك فلينصرف، وقاتلهم فاقتتلوا قتالا شديدا، وضرب رجل ساق حكيم فقطعها، فأخذ حكيم ساقه فرماه بها، فأصاب عنقه فصرعه وقذه ثم حبا إليه فقتله واتكأ عليه، فمر به رجل فقال: من قتلك؟ قال: وسادتي، وقتل في المعركة سبعون رجلا من عبد القيس. وقال الطبري: لما قتل حكيم بن جبلة أرادوا أن يقتلوا عثمان بن حنيف، فقال: ما شئتم. أما إن سهل بن حينف وال على المدينة، وإن قتلتموني انتصر، فخلوا سبيله واختلفوا في الصلاة. وقال اليعقوبي: وانتهبوا بيت المال، وأخذوا ما فيه، فلما حضر وقت الصلاة، تنازع طلحة والزبير، وجذب كل منهما صاحبه، حتى فات وقت الصلاة، وصاح الناس: الصلاة الصلاة، يا أصحاب محمد! فقالت عائشة: يصلي محمد بن طلحة يوما وعبد الله بن الزبير يوما. وفي الطبقات: تدافع طلحة والزبير حتى كادت الصلاة تفوت، ثم اصطلحا على أن يصلي عبد الله بن الزبير صلاة، ومحمد بن طلحة صلاة فذهب ابن الزبير يتقدم، فأخره محمد بن طلحة، وذهب محمد بن طلحة يتقدم فأخره عبد الله بن الزبير عن أول صلاة فاقترعا فقرعه محمد بن طلحة فتقدم فقرأ: سأل سائل بعذاب واقع.
وأخرج الطبري عن مجالد بن سعيد قال: لما قدمت عائشة رضي الله عنها البصرة، كتبت إلى زيد بن صوحان: من عائشة ابنة أبي بكر أم المؤمنين حبيبة رسول الله صلى الله عليه وآله إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان، أما بعد. فإذا أتاك كتابي هذا فاقدم، وانصرنا على أمرنا هذا، فإن لم تفعل، فخذل الناس عن علي. فكتب إليها: من زيد بن صوحان إلى عائشة ابنة أبي بكر الصديق رضي الله عنها حبيبة رسول الله صلى الله عليه وآله أما بعد. فأنا ابنك الخالص إن اعتزلت هذا الامر ورجعت إلى بيتك، وإلا فأنا أول من نابذك. قال زيد بن صوحان رحم الله أم المؤمنين أمرت أن تلزم بيتها وأمرنا أن نقاتل، فتركت ما أمرت به، وأمرتنا به، وصنعت ما أمرنا به ونهتنا عنه. وذكر أبو مخنف: لما نزول علي ذا قار كتبت عائشة إلى حفصة بنت عمر: أما بعد فإني أخبرك أن عليا قد نزل ذا قار، وأقام به مرعوبا خائفا لما بلغه من عدتنا وجماعتنا، فهو بمنزلة الأشفر إن تقدم عقر، وأن تأخر نحر، فدعت حفصة جواري لها يتغنين ويضربن بالدفوف، فأمرتهن أن يقلن في غنائهن: ما الخبر؟ ما الخبر؟ عللي في السفر كالفرس الأشفر، إن تقدم عقر، وإن تأخر نحر. وجعلت بنات الطلقاء يدخلن على حفصة، ويجتمعن لسماع ذلك الغناء، فبلغ أم كلثوم بنت علي فلبست جلابيبها، ودخلت عليهن في نسوة متنكرات، ثم أسفرت عن وجهها، فلما عرفتها حفصة خجلت واسترجعت، فقالت أم كلثوم: لئن تظاهرتما عليه منذ اليوم لقد تظاهرتما على أخيه من قبل فأنزل الله فيكما ما أنزل. فقالت حفصة: كفي، رحمك الله وأمرت بالكتاب فمزق واستغفرت الله. وأخرج الطبري عن محمد بن الحنفية قال: قدم عثمان بن حنيف على علي بالربذة وقد نتفوا شعر رأسه ولحيته وحاجبيه فقال: يا أمير المؤمنين بعثتني ذا لحية وجئتك أمرد. قال: أصبت أجرا وخيرا، إن الناس وليهم قبلي رجلان فعملا بالكتاب، ثم نكثا بيعتي وألبا الناس علي، ومن العجب انقيادهما لأبي ذو قار: ماء قريب من الكوفة على طريق واسط وبه سميت الواقعة الشهيرة بين العرب والفرس وانتصر فيها العرب. تشير أم كلثوم إلى نزول سورة التحريم في شأنها مع الرسول ومن ضمنها الآية: " وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ" (التحريم 4).
https://telegram.me/buratha