الصفحة الإسلامية

تظاهرون و تظهرون و ظهير في القرآن الكريم (ح 2)


الدكتور فاضل حسن شريف

تكملة للحلقة السابقة قال الله تبارك وتعالى عن ظهر ومشتقاتها "وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأْتُوكُمْ" ﴿البقرة 85﴾ تظاهرون: تظاهر فعل، ون ضمير، تظاهرون: تتعاونون، أصلها تتظاهرون، و "مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ۚ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ ۚ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ ۖ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ" ﴿الأحزاب 4﴾ تُظاهرون منهنّ: تُحرّمونهنّ كحُرمة أمّهاتكم، ما جعل الله لأحد من البشر من قلبين في صدره، وما جعل زوجاتكم اللاتي تظاهرون منهن في الحرمة كحرمة أمهاتكم، والظهار أن يقول الرجل لامرأته: أنت عليَّ كظهر أمي، وقد كان هذا طلاقًا في الجاهلية، فبيَّن الله أن الزوجة لا تصير أُمًّا بحال وما جعل الله الأولاد المتَبَنَّيْنَ أبناء في الشرع، بل إن الظهار والتبني لا حقيقة لهما في التحريم الأبدي، فلا تكون الزوجة المظاهَر منها كالأم في الحرمة، ولا يثبت النسب بالتبني من قول الشخص للدَّعِيِّ: هذا ابني، فهو كلام بالفم لا حقيقة له، ولا يُعتَدُّ به، والله سبحانه يقول الحق ويبيِّن لعباده سبيله، ويرشدهم إلى طريق الرشاد، و "إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ" ﴿التوبة 4﴾ لم يُظاهروا: لم يعاونوا، ويُستثنى من الحكم السابق المشركون الذين دخلوا معكم في عهد محدد بمدة، ولم يخونوا العهد، ولم يعاونوا عليكم أحدا من الأعداء، فأكملوا لهم عهدهم إلى نهايته المحدودة، إن الله يحب المتقين الذين أدَّوا ما أمروا به، واتقوا الشرك والخيانة، وغير ذلك من المعاصي، و "الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ" ﴿النور 31﴾ ما ظهر منها: الوجه و الكفين و القدمين، وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن عمَّا لا يحلُّ لهن من العورات، ويحفظن فروجهن عمَّا حَرَّم الله، ولا يُظهرن زينتهن للرجال، و "وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا" ﴿الأحزاب 26﴾ ظاهروهم: ظاهر فعل، الواو ضمير، هم ضمير، الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ: عاونوهم وساعدوهم، وأنزل الله يهود بني قريظة من حصونهم، لإعانتهم الأحزاب في قتال المسلمين، وألقى في قلوبهم الخوف فهُزموا، تقتلون منهم فريقًا، وتأسرون فريقًا آخر.

جاء في معاني القرآن: ظهر الظهر الجارحة، وجمعه ظهور. قال عز وجل: "وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ" (الانشقاق 10)، "مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ" (الاعراف 172)، "أَنْقَضَ ظَهْرَكَ" (الشرح 3)، والظهر ههنا استعارة تشبيها للذنوب بالحمل الذي ينوء بحامله، واستعير لظاهر الأرض، فقيل: ظهر الأرض وبطنها. قال تعالى: "مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ" (فاطر 45)، ورجل مظهر: شديد الظهر، وظهر: يشتكي ظهره. ويعبر عن المركوب بالظهر، ويستعار لمن يتقوى به، وبعير ظهير: قوي بين الظهارة، وظهري: معد للركوب، والظهري أيضا: ما تجعله بظهرك فتنساه. قال تعالى: "وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا" (هود 92)، وظهر عليه: غلبه، وقال: "إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ" (الكهف 20)، وظاهرته: عاونته. قال تعالى: "وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ" (الممتحنة 9)، "وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ" (التحريم 4)، أي: تعاونا، "تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ" ﴿البقرة 85﴾، وقرئ: تظاهرا وهي قراءة نافع وأبي جعفر وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر ويعقوب، "الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم" ﴿الأحزاب 26﴾، "وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ" ﴿22 سبإ﴾، أي: معين وهو قول أبي عبيدة في مجاز القرآن.

جاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: قوله تعالى "إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ" (الممتحنة 9)، المراد بالذين قاتلوكم إلخ، مشركو مكة ، والمظاهرة على الإخراج المعاونة والمعاضدة عليه، وقوله "أَنْ تَوَلَّوْهُمْ" بدل من "الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ" وقوله "وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" (الممتحنة 9) قصر إفراد أي المتولون لمشركي مكة ومن ظاهرهم على المسلمين هم الظالمون المتمردون عن النهي دون مطلق المتولين للكفار أو تأكيد للنهي عن توليهم. وقوله "وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ" (سبأ 22) أي ليس لله سبحانه منهم كلا أو بعضا من معين يعينه فيما يفرض فيه عجزه عن القيام بأمر تدبيره إذ لو كان له منهم ظهير يظهره على التدبير كان مالكا فيستجيب إذا دعي فيما هو ظهير بالنسبة إليه وإذ ليس فليس. فتبين مما تقدم أن احتجاج الآية على نفي الملك بانتفاء استجابتهم دعاء الداعي يجري في جميع الصور الثلاث وهي ملكهم لما في السماوات وما في الأرض مطلقا وملكهم على وجه الشركة مع الله سبحانه وكونهم أو بعضهم ظهيرا لله سبحانه. وقوله "وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ" (التحريم 4) إفراد الخبر للدلالة على أنهم متفقون في نصره متحدون صفا واحدا، وفي جعلهم بعد ذلك أي بعد ولاية الله وجبريل وصالح المؤمنين تعظيم وتفخيم. ولحن الآيات في إظهار النبي صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله على من يؤذيه ويريده بسوء وتشديد العتاب على من يتظاهر عليه عجيب ، وقد خوطب فيها النبي صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله أولا وعوتب على تحريمه ما أحل الله له وأشير عليه بتحلة يمينه وهو إظهار وتأييد وانتصار له وإن كان في صورة العتاب. ثم التفت من خطابه إلى خطاب المؤمنين في قوله "وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ" (التحريم 3) يشير إلى القصة وقد أبهمها إبهاما وقد كان أيد النبي وأظهره قبل الإشارة إلى القصة وإفشائها مختوما عليها، وفيه مزيد إظهاره. ثم التفت من خطاب المؤمنين إلى خطابهما وقرر أن قلوبهما قد صغت بما فعلتا ولم يأمرهما أن تتوبا من ذنبهما بل بين لهما أنهما واقعتان بين أمرين إما أن تتوبا وإما أن تظاهرا على من الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك أجمع ثم أظهر الرجاء إن طلقهن أن يرزقه الله نساء خيرا منهن. ثم أمر النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله أن يجاهد الكفار والمنافقين ويغلظ عليهم. وانتهى الكلام إلى ضربه تعالى مثلين مثلا للذين كفروا ومثلا للذين آمنوا. وقد أدار تعالى الكلام في السورة بعد التعرض لحالهما بقوله "إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ" (التحريم 4) إلخ، بين التعرض لحال المؤمنين والتعرض لحال الكفار فقال "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ" (التحريم 6) إلخ ، و "يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا" (التحريم 7) إلخ، وقال "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا" (التحريم 8) إلخ، و "يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ" (التوبة 73) إلخ، وقال "ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا" (التحريم 10)، و "وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا" (التحريم 11).

الظهار من المصطلحات القليلة التداول والاستخدام، ويتشابه مع الطلاق المصطلح المعروف والشائع ولكنه اخف معالجة. والمقال يتطرق عن ايات الظهار وكيفيته ومعالجته بالاضافة الى ايات وردت فيه كلمة الظهر ومشتقاتها. قال الله تعالى في احكام الظهار "قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ ۖ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ۚ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ۚ ذَٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ۖ فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ۚ ذَٰلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۗ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)" (المجادلة 1-4) الظهار يقول الرجل لامرأته وهي طاهر: أنت علي حرام مثل ظهر أمي أو أختي، وهو يريد بذلك الظهار، اوعبارات اخرى مشابهة. والذي يقول الظهار ويريد العودة عليه كفارة. وعليه ان يتبع حدود الله الشرعية المبينة كما قال الله تعالى "وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ" (المجادلة 4).

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك