الدكتور فاضل حسن شريف
تكملة للحلقتين السابقتين قال الله تبارك وتعالى عن ظهر ومشتقاتها "لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّىٰ جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ" ﴿التوبة 48﴾ وظهر: الواو واو عطف، ظهر فعل، وظهر: عَزَّ، لقد ابتغى المنافقون فتنة المؤمنين عن دينهم وصدهم عن سبيل الله من قبل غزوة تبوك، وكشف أمرهم، وصرَّفوا لك أيها النبي الأمور في إبطال ما جئت به، كما فعلوا يوم أحد ويوم الخندق، ودبَّروا لك الكيد حتى جاء النصر من عند الله، وأعز جنده ونصر دينه، وهم كارهون له، و "قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا ۖ إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ" ﴿هود 92﴾ ظهريا اسم، ظِهْرِيَّاً: نبذتموه خلفكم، ظهريّاً: لم تَلتفتوا إليه فأغفلتموه و نسيتموه، أو غير معتدِّين به ولا ملتفتين إليه، و هو ما تجعله وراء ظهرك فتنساه، قال: يا قوم أعشيرتي أعزُّ وأكرم عليكم من الله؟ ونبذتم أمر ربكم فجعلتموه خلف ظهوركم، لا تأتمرون به ولا تنتهون بنهيه، إن ربي بما تعملون محيط، لا يخفى عليه من أعمالكم مثقال ذرة، وسيجازيكم عليها عاجلا وآجلا، و "قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَـٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا" ﴿الإسراء 88﴾ ظهيرا صفة، ظَهِيرًا: معينا، قل: لو اتفقت الإنس والجن على محاولة الإتيان بمثل هذا القرآن المعجز لا يستطيعون الإتيان به، ولو تعاونوا وتظاهروا على ذلك، و "إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا" ﴿الكهف 20﴾ يظهروا عليكم: يطّلعوا عليكم أو يغلبوا، إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ: إن يعلموا بمكانكم، إن قومكم إن يطَّلعوا عليكم يرجموكم بالحجارة، فيقتلوكم، أو يردوكم إلى دينهم، فتصيروا كفارًا، ولن تفوزوا بمطلبكم مِن دخول الجنة إن فعلتم ذلك أبدًا، و "فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا" ﴿الكهف 97﴾ يظهروه: يعلوه، أي يعلوا على ظهره لارتفاعه، و المراد به السَّد، ظُهوراً: برز بعد الخفاء، فما استطاعت يأجوج ومأجوج أن تصعد فوق السد، لارتفاعه وملاسته، وما استطاعوا أن ينقبوه من أسفله لبعد عرضه وقوته، و "لْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ۚ ثَلَاثُ" ﴿النور 58﴾، و "وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ ۗ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِ ظَهِيرًا" ﴿الفرقان 55﴾ وكان الكافر على ربه ظهيرا: معينا للشيطان بطاعته، ومع كل هذه الدلائل على قدرة الله وإنعامه على خلقه يَعبدُ الكفار مِن دون الله ما لا ينفعهم إن عبدوه، ولا يضرهم إن تركوا عبادته، وكان الكافر عونًا للشيطان على ربه بالشرك في عبادة الله، مُظَاهِرًا له على معصيته.
جاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: وقوله تعالى "إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً" (الكهف 20) تعليل للأمر بالتلطف وبيان لمصلحته. ظهر على الشيء بمعنى اطلع عليه وعلم به وبمعنى ظفر به وقد فسرت الآية بكل من المعنيين والكلمة على ما ذكره الراغب مأخوذة من الظهر بمعنى الجارحة مقابل البطن فكان هو الأصل ثم أستعير للأرض فقيل : ظهر الأرض مقابل بطنها ثم أخذ منه الظهور بمعنى الانكشاف مقابل البطون للملازمة بين الكون على وجه الأرض وبين الرؤية والاطلاع وكذا بينه وبين الظفر وكذا بينه وبين الغلبة عادة فقيل: ظهر عليه أي اطلع عليه وعلم بمكانه أو ظفر به أو غلبه ثم اتسعوا في الاشتقاق فقالوا: أظهر وظاهر وتظاهر واستظهر إلى غير ذلك. وظاهر السياق أن يكون "يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ" (الكهف 20) بمعنى يطلعوا عليكم ويعلموا بمكانكم فإنه أجمع المعاني لأن القوم كانوا ذوي أيد وقوة وقد هربوا واستخفوا منهم فلو اطلعوا عليهم ظفروا بهم وغلبوهم على ما أرادوا. وقوله "يَرْجُمُوكُم" أي يقتلوكم بالحجارة وهو شر القتل ويتضمن معنى النفرة والطرد ، وفي اختيار الرجم على غيره من أصناف القتل إشعار بأن أهل المدينة عامة كانوا يعادونهم لدينهم فلو ظهروا عليهم بادروا إليهم وتشاركوا في قتلهم والقتل الذي هذا شأنه يكون بالرجم عادة. وقوله "أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ" (الكهف 20) الظاهر أن الإعادة مضمن معنى الإدخال. قوله تعالى "عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضَى" (الجن 27)، فجعل علم غيره بالغيب منتهياً إلى الوحي فحكايته عنها الجزم في القول فيما يختص علمه بالله سبحانه يدل على أن علمها بذكورة ما في بطنها كان ينتهى بوجه إلى الوحي ، ولذلك لما تبينت أن الولد انثى لم تيأس عن ولد ذكر فقالت ثانياً عن جزم وقطع: وإنى اعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم الآية فأثبتت لها ذرية ولا سبيل إلى العلم به ظاهراً.
ورد في المعاجم: إستظهار يقصد به في باب الحيض ترك العبادة وترتيب أثر الحيض يوما أو أكثر. حسن الظاهر: هو كون الشخص ذا سلوك حسن، ولا يرى من أفعاله إلا الأمور الجيدة، بحيث لو سئل أحد عنه لقال لا أعلم عنه إلا خيرا، وحسن الظاهر كاف لإثبات عدالة الشخص. ظهار ظاهر ظهارا، وظاهر بين الثوبين أي طابق بينهما وظاهر فلانا عاونه. واصطلاحا هو أن يقول الرجل لزوجته: أنت علي كظهر أمي، وهو محرم تكليفا، لكن لو أتى به الزوج فتحرم عليه زوجته ولا تحل له حتى يكفر. إظهار هو التبيين بعد الخفاء سواء علم أحد بالتصرف المظهر أم لم يعلم. الإظهار لغة، البيان والإيضاح واصطلاحا، إخراج كل حرف من مخرجه من غير غنة في الحرف المظهر. ظهور الفتن: الفتن جمع فتنة وهي الاختبار والامتحان بالبلاء.
كان الظهار طلاقا في الجاهلية وفيه حرمة ابدية، ولكن الاسلام جعله موجبا لتحريم الزوجة المظاهرة والزام الزوج بدفع كفارة عند العود الى زوجته. وصيغة الظهار قول الزوج لزوجته (انت علي كظهر امي) او (انت كظهر امي) ويجزي ايضا عند ابدال كلمة انت بكلمة زوجتي او فلانة. وقد يقع الظهار بالقول (انت علي كظهر اختي او بنتي) او اي محرم. والظهار يقع من طرف الرجل وليس المرأة. ويشترط في الظهار البلوغ وحضور عدلين كما في الطلاق. ويسمى الرجل بالمظاهر. ولا يصح الظهار من الصبي والمجنون. وكفارة الظهار اما عتق رقبة "فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا " (المجادلة 3) فان لم يجد رقبة فصيام شهرين متتابعين "فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا" (المجادلة 4) فان لم يستطع صيام شهرين متتابعين فاطعام ستين مسكينا "فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا" (المجادلة 4) وهذه من متطلبات المؤمن بالله ورسوله "ذَٰلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ" (المجادلة 4).
https://telegram.me/buratha