الدكتور فاضل حسن شريف
عن كتاب مرشد المغترب للسيد محمد سعيد الحكيم: وإلا غلبتم على أمركم وذبتم في تلك المجمعات الفاسدة المتحللة، وانصهرتم به، وضاعت شخصيتكم، وتحطم كيانكم إلى غير رجعة، وكان ذلك سبباً في خذلان الله تعالى لكم، فيعرض عنكم ويكلكم إلى أنفسكم. على أن الإصرار والاستمرار على الالتزام الديني وإن كان قد يكون سبباً للحرج في أول الأمر، إلا أنه إذا كان مشفوعاً بحسن الخلق وجميل المعاشرة، يلجئ مجتمعكم إلى الاعتراف به على أنه الأمر الواقع الذي لابد من التسليم به والتعايش معه، والتعامل معكم على أساسه، فتخف عليكم مؤنته. بل يرفع من مكانتكم في نفوسهم، ويفرض احترامكم عليهم. لأن النفوس مجبولة على احترام ذوي المبادئ الشريفة، والإرادة القوية، والشخصية المتكاملة. وفوق كل ذلك رضا الله تعالى الذي بيده الأمور وإليه المصير، فإن البخوع لأمره ونهيه، وإحكام العلاقة به من أهم أسباب الفلاح والنجاح والتأييد والنصر، كما قال عز من قائل: "إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ" (محمد 7).
جاء في كتاب مصباح المنهاج / الصوم للسيد محمد سعيد الحكيم: وكيف كان فقد يستدل له بوجوه: الأول: ما في المبسوط من أن الاعتكاف لا يكون أقل من ثلاثة أيام. وهو كما ترى إنما ينهض ببيان أن عدم المضي في الاعتكاف والخروج عنه قبل الثلاثة أيام يوجب بطلانه وعدم الاعتداد بما وقع منه، فلا يصح اعتكافاً، ولا ينهض ببيان وجوب المضي فيه، وعدم جواز الخروج عنه. الثاني: النهي عن إبطال العمل. وفيه: أنه ينحصر الدليل على عمومه بقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ" (محمد 33). وهو ظاهر في إبطال العمل بعد تماميته، لأن ذلك هو معنى الإبطال عرفاً، وإطلاقه على العدول عن إتمام العمل عند الفقهاء ونحوهم توسع قد يكون منشؤه عدم ابتلائهم بإبطال العمل بالمعنى الأول بالإضافة إلى الأثر المهم عندهم، وهو الإجزاء، وليس محل ابتلائهم بالإضافة إلى الأثر المذكور إلا المعنى الثاني. ومن ثم يتعين حمل الآية على الإرشاد إلى تجنب ما يوجب إحباط العمل وسقوطه عن مقام الجزاء والثواب، كالمن بالصدقة، وذكر العمل بعد وقوعه تبجحاً، أو العجب به والإدلال به والمنّ على الله تعالى، ومشاقة الرسول صلى الله عليه واله وسلم، ونحو ذلك مما ورد أنه محبط للعمل. كما يناسبه صدرها وسياقها مع قوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ" (محمد 32).
عن موقع الحكيم عن استفسارات تقليد الاعلم للسيد محمد سعيد الحكيم: السؤال: إذا تعينت المصلحة الإسلامية في تقليد غير الأعلم ، هل يجوز تقليده ؟ وتقدير المصلحة السالفة هل هي حكمية يرجع فيها إلى الفقيه أم موضوعية ترجع إلى المكلف؟ الجواب: تقليد الأعلم يبتني على حجية فتوى الأعلم الورع في معرفة الحكم الشرعي، وعدم حجية المعارض له ممن هو دونه في العلمية، وهي كحجية شهادة العدل في معرفة الموضوع، ولا معنى لأن تقتضي المصلحة الإسلامية خلاف ذلك. وعلى المؤمنين ( أعزَّ الله تعالى دعوتهم ) أن يتمسكوا معتزِّين بهذه القضية الشريفة ونحوها من قضاياهم الشرعية المبتنية على أُصولهم الرصينة ، وقواعدهم المتينة، التي قادتهم وسارت بهم على مرِّ العصور ، وشقت بهم الطريق في ظلمات الشُّبَه والفتن ، والمصاعب والمحن، حتى وصلوا بقوةِ حُجتِهم وتناسق دعوتهم إلى المقام الأسمى بين الفئات الأخرى ، التي ارتطمت بالشبهات، وسقطت في هوّة التناقضات، وإياهم وتركها والتفريط فيها ، فيتيهوا في التائهين ، ويتحيروا في المتحيرين . والأولى بهم بدلاً من ذلك أن ينتبهوا إلى أن المصلحة الإسلامية بل الواجب الأعظم الملقى على عواتقهم هو التثبت في تشخيص صغريات هذه الكبريات الشريفة، والتورع في ذلك، وإبعادها عن المنافع الفردية، والأهواء الشخصية، والإخلاص لله تعالى في كل ما يتعلق بذلك، طالبين بذلك الحقيقة للحقيقة، أداءً للواجب، وإحرازاً لبراءة الذمة. وفي عقيدتي أن الله سبحانه وتعالى لا يضيع حجته ، ولا يعرض عن هذه الطائفة التي اختارها لتحمل رسالته وإبلاغ دعوته ، وإنما يُعرض عنا إن أعرضنا عن حجته البالغة ، ويكلنا إلى أنفسنا: "وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ" (محمد 38). ونسأله سبحانه العصمة والتسديد وهو حسبنا ونعم الوكيل.
https://telegram.me/buratha