الدكتور فاضل حسن شريف
عن كتاب اصول العقيدة للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: أن القرآن الكريم قد اشتمل على بعض الحقائق العلمية بنحو لا يتناسب مع ما كانت عليه الجزيرة العربية من الجهل، والبعد عن مراكز الثقافة. بل قد لا يناسب الثقافة العلمية في عصر البعثة. منها: تماسك السماء والأرض بروابط غير مرئية. كما صرح بذلك في حديث الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام: (قلت له: أخبرني عن قول الله: "وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الحُبُكِ" (الذاريات 7) فقال: هي محبوكة إلى الأرض، وشبك بين أصابعه).
جاء في كتاب الاحكام الفقهية للسيد محمد سعيد الحكيم: فعلى المؤمنين سددهم الله تعالى ـ العلماء منهم والأتباع ـ أن يعرفوا عظيم المسؤولية الملقاة على عواتقهم، وثقل الأمانة التي حملها الله تعالى إياهم، وليكن الهم الأول والأخير للعالم هو معرفة الحقيقة والحفاظ عليها والوصول للحكم الشرعي من منابعه الأصيلة، وبيانه، أداءً للوظيفة الشرعية، من دون اهتمام بكثرة الأتباع والأنصار، ولا بالبهرجة وحب الظهور، ولا بغير ذلك من مغريات الدنيا الزائلة ودواعي الشيطان المهلكة. كما ليكن همُّ الأتباع الخروج عن تبعة الأحكام الشرعية بأخذها من العلماء العاملين، من أهل الورع والتقوى والنزاهة والإخلاص والاستقامة، وممن لا تنالهم الطعون ولا تلوكهم الألسن، لبعدهم عن الشبهات وعن مواقع التهم، مع كمال التثبت والتروي، ليكونوا بذلك على بصيرة من الخروج عن المسؤولية وقيام العذر لهم بين يدي الله تعالى، يوم يعرضون عليه لا يخفى عليه منهم خافية، ولا يكون اتّباعهم للشخص مبنياً على التسرع والانخداع ببهرجة الأقوال أو لموافقته لأهوائهم ورغباتهم، فإن الرقيب في جميع ذلك هو الله تعالى المطلع على السرائر والعالم بالخفايا والضمائر، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء. وقد يقف الناس حيارى ـ لملابسات خاصة وظروف طارئة ـ أمام كثرة الدعاوى وتعدد الاتجاهات، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يجرّ للتفريط في الوظيفة والتقصير في أداء الواجب، إذ مهما التبست الاُمور وشبهت الفتن فإن الله جلت آلاؤه لا يضيع حجته ولا يخفي معالم دينه ـ ونرجو بذلك أن نكون قد قمنا ببعض الواجب في النصح لإخواننا المؤمنين وتذكيرهم بواجبهم "فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ" (الذاريات:55)، وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكلت إليه اُنيب، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
جاء في كتاب اصول العقيدة للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: الاستدلال على التوحيد بإحكام الصنع وتناسقه: الأول: إحكام الصنع وتناسقه، فكل شيء قد وضع في موضعه المناسب، وصنع وفق نظام متكامل لا نشز فيه ولا تنافر، من دون أن يؤثر بعضها على بعض، ويضرّ به ويفسده، بل كثيراً ما يكون بقاء بعضها وصلاحه موقوفاً على بقاء الآخر، حيث يناسب ذلك وحدة العقل الخالق للكون على سعته، ولما فيه من موجودات لا تحصى، وإحاطته بالكل وتدبيره لها وفق النظام المذكور الذي به صلاحه. أما لو تعدد العقل المدبر لكان لكل عقل نظامه الذي يخترعه، فلا تتناسق الأنظمة، بل يصطدم بعضها ببعض، ويؤول الأمر للفساد. لو تعددت الآلهة لحصل صراع بينهم. الثاني: أن طبيعة الأقوياء المتناظرين التغالب بينهم والتناحر من أجل أن يقهر بعضهم بعضاً ويعلو بعضهم على بعض، فلو تعددت الآلهة لحصل ذلك بينهم، وظهرت آثاره في الكون الذي هو موضع الصراع بينهم. مع أن ذلك لم يحصل، بل تجري أنظمة الكون متناسقة لا اضطراب فيه. لو كان لله شريك لدعا إلى نفسه. الثالث: أنه لو كان لله تعالى شأنه شريك لدعا إلى نفسه، وأرسل رسلاً تنبئ عنه وتدعوا إليه، وتعرّف الناس به وتبلغهم دينه وأمره ونهيه، ولدعمهم بالآيات والبينات، والحجج الواضحة الشاهدة بصدقهم، كما فعل الله عزّ وجلّ ذلك، إظهاراً للحقيقة، ليؤدى العباد حقه، كما قال عزّ من قائل: "وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإنسَ إلاَّ لِيَعبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنهُم مِن رِزقٍ وَمَا أُرِيدُ أن يُطعِمُونِ* إنَّ الله هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ" (الذاريات 56-58). ولاسيما مع ما هو المعلوم من دعوى الرسل توحيد الله عزّ وجلّ، فكان المناسب لغيره لو كان له وجود إرسال الرسل من قبله، للردع عن ذلك، بياناً للحقيقة، ورفعاً للبس والتغرير فيه، وليؤدى الناس حقه. مع أن ذلك لم يحصل. وإنما ادعى طوائف من الناس تعدد الآلهة تفسيراً لوضع الكون من عند أنفسهم، من دون أن يدّعوا الرسالة عن غير الله تعالى، ويقيموا الحجة البيّنة على صدقهم. وكل ما وصل من دعاواهم مردود عليهم، لفقده الدليل والحجة. بل هو من الوهن ومخالفة العقل بحدّ يصل إلى البشاعة والسخف والاستهجان والسخرية. قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه في وصيته العظيمة للإمام الحسن عليه السلام: (واعلم يا بني أنه لو كان لربك شريك لأتتك رسله، ولرأيت آثار ملكه وسلطانه، ولعرفت أفعاله وصفاته. ولكنه إله واحد كما وصف نفسه لا يضاده في ملكه أحد، ولا يزول أبد، ولم يزل، أول قبل الأشياء بلا أولية، وآخر بعد الأشياء بلا نهاية. عظم عن أن تثبت ربوبيته بإحاطة قلب أو بصر).
https://telegram.me/buratha