الدكتور فاضل حسن شريف
عن موسوعة الامام الخوئي للسيد أبوالقاسم الخوئي: من الوجوه التي استدل بها لاعتبار الاستقبال في المقام قوله تعالى "وَ حَيْثُ مََا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ " (البقرة 144) حيث دل بمقتضى الإطلاق على وجوب الاستقبال في عامة الصلوات وحيث ما كان المكلّف، خرج عنه النافلة حال السير بالأدلّة الخاصة فيبقى الباقي تحت الإطلاق. نعم، مورد الآية هي الفريضة، لكن المورد لا يخصص الحكم بعد انعقاد الإطلاق. لكن الاستدلال بها بمكان من الضعف، لوضوح عدم ورود الآية المباركة في مقام بيان اعتبار الاستقبال كي يتمسك بإطلاقها، وإلا كان مقتضاها لزوم الاستقبال في كافّة الأحوال وعامّة الأفعال من الصلوات وغيرها عملاً بإطلاق قوله تعالى "حَيْثُ مََا كُنْتُمْ" (البقرة 144) مع أنّه ضروري البطلان، بل إنّما وردت لتعيين المستقبل بالفتح كما يشهد به التدبّر في الآيات السابقة واللاحقة، سيما صدر نفس هذه الآية، قال تعالى "قَدْ نَرىََ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي اَلسَّمََاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضََاهََا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اَلْمَسْجِدِ اَلْحَرََامِ وَ حَيْثُ مََا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ" (البقرة 144). فالآية إنّما سيقت لبيان تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، وتعيين ما يجب استقباله فيما يجب فيه الاستقبال على إجماله من عموم أو خصوص وأمّا أنّ الاستقبال في أيّ مورد يعتبر فليست الآية في مقام بيانه كي يتمسك بإطلاقه، نعم المتيقن إرادة الفريضة لكونها مورد نزول الآية، وأما الاعتبار في غيرها فلا يكاد يستفاد منها بعد كونها واردة لبيان حكم آخر كما عرفت.
جاء في موسوعة الامام الخوئي للسيد أبوالقاسم الخوئي: أنّ المراد من الدلوك: وسط النهار، كما صرّح به في صحيحة حمّاد الواردة في تفسير الصلاة الوسطى من أنّ المراد بها صلاة الظهر التي هي في وسط النهار، أو باعتبار توسّطها بين الفجر والعصر. ولا شك في تحقّق الدلوك بهذا المعنى بالإضافة إليه، ضرورة انّا لو قسّمنا نهاره إلى قسمين فبعد مضيّ النصف الأوّل وهو ثلاثة أشهر يتحقّق وسط النهار بطبيعة الحال، ويفرض معه الزوال المأخوذ موضوعاً لوجوب الظهرين. و ثانياً: بالالتزام بتحقّق الدلوك في المقام أيضاً حتّى بمعناه المعهود، إذ لا يعتبر فيه زوال الشمس عن قمّة الرأس وميلها عن كبد السماء، لعدم نهوض أيّ دليل عليه من رواية أو غيرها، بل معنى الدلوك: أخذ الشمس في الهبوط والاقتراب من الأُفق بعد نهاية الارتفاع والابتعاد عنه. و هذا كما ترى معنى عام يجتمع مع الحركة الرحويّة كغيرها، إذ فيها أيضاً تقترب من الأُفق بعد انتهاء البعد كالنزول من الجبل بعد الصعود عليه، وإن لم يكن زواله عن قمّة الرأس كما هو موجود عندنا. و كيفما كان، فلا تمكن المساعدة على شيء من الوجوه الأربعة التي احتملها في المتن، لخروجها بأجمعها عن مقتضى الصناعة. أمّا التبعيّة للبلدان المتعارفة المتوسطة فلا مقتضي لها بعد التصريح في جملة من الروايات بقوله عليه السلام: (إنّما عليك مشرقك ومغربك) فلا عبرة بمشرق بلد آخر ولا بمغربه، كما لا اعتبار بفجره ولا بزواله. و منه يظهر ضعف التبعيّة للبلد الذي كان يسكن فيه، إذ لا عبرة به بعد الانتقال إلى بلد آخر له مشرق ومغرب آخر، ولا سيّما وقد تبدّل طبعاً تكليفه في الطريق بمشرق ومغرب آخر، فما هو الموجب بعدئذٍ للرجوع إلى مشرق بلده ومغربه؟ وأمّا احتمال سقوط الصوم وحده أو هو مع الصلوات فهو أيضاً منافٍ لإطلاقات الأدلّة من الكتاب والسنّة الناطقة بوجوب الصلاة وكذلك الصيام لكافّة الأنام عدا ما استثني من المسافر والمريض ونحوهما غير المنطبق على المقام، قال سبحانه وتعالى "كُتِبَ عَلَيْكُمُ اَلصِّيََامُ " (البقرة 183)، وقال تعالى "فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ اَلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ" (البقرة 185). و النصوص المتواترة قد أطبقت على وجوبهما على سبيل الإطلاق وعلى كلّ مكلّف، كحديث بناء الإسلام على الخمس، وأنّ الصلاة بمنزلة الروح، وأنّ من صلّى خمساً كمن غسل بدنه في كلّ يوم خمساً لا يبقى فيه شيء من القذارات. و الحاصل: أنّ وجوبهما على كلّ أحد في كلّ وقت بحيث لا يسعه التفويت والتضييع بوجه من الوجوه أمرٌ مقطوع به لا تكاد تختلجه شائبة الإشكال. و من البيّن أنّ المكث والبقاء في أحد القطبين الخاليين عن ليل ونهار متعارف من أحد موجبات التضييع والتفويت، إذ لا تتيسّر معه الصلاة والصيام على النهج المقرّر شرعاً بعد عدم الدليل على التبعيّة لسائر البلدان المتعارفة حسبما عرفت. و منه تعرف أنّ مقتضى الصناعة حرمة البقاء في تلك المواطن ووجوب الهجرة إلى المناطق المتعارفة مقدّمةً للإتيان بتلك الواجبات وعدم الإخلال بها.
جاء في كتاب التنقيح في شرح المكاسب للمرجع الاعلى السيد ابو القاسم الخوئي قدس سره - الشيخ ميرزا علي الغروي: فتعيّن أن يراد بالبيع في تلك المطلقات البيع العرفي، لأنّه الذي يحتاج إلى إثبات الحلّية له شرعاً، ولا يكون إثباتها له لغواً دون البيع الصحيح الشرعي كما هو ظاهر، وعليه فكلّ ما كان بيعاً عرفاً وشككنا في صحّته وفساده شرعاً نتمسّك باطلاق قوله "أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ" (البقرة 275) وهذا ظاهر لا خفاء فيه. ولكن لا يخفى عليك الفرق بين هذا التقريب وبين ما ذكرناه أوّلا ، فإنّ التمسّك بالاطلاق على هذا الوجه الثاني إنّما يصحّ فيما إذا كان المشكوك بيعاً عرفياً قطعاً ولكن شككنا في صحّته وفساده شرعاً ، وأمّا إذا كان بيعاً مشكوك الصحّة عند العرف أيضاً فلا يمكن التمسّك في مثلها باطلاق "أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ" (البقرة 275) إذ لم يحرز أنّه بيع عرفي ليترتّب عليه الحلّية شرعاً ، وهذا بخلاف الوجه الأوّل فإنّه عليه لا مانع من التمسّك بالاطلاق في مشكوك الصحّة عرفاً لعدم أخذ الصحّة عند العرف أو الشرع في مفهوم البيع عليه، بل إنّما كان موضوعاً لابراز الاعتبار وصدقه على مشكوك الصحّة عند العرف لا يكاد يخفى، لأنّه إبراز للاعتبار فنتمسّك باطلاق "أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ" (البقرة 275) ونحوه، إذ هو بيع عند كلّ أحد حتّى العرف ، غاية الأمر أنّه بيع فاسد لا أنّه ليس ببيع، فلا مانع معه من التمسّك بالاطلاق، وهذا الوجه هو الصحيح .
https://telegram.me/buratha