الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله جل جلاله عن الزلزلة "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ" ﴿الحج 1﴾ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ: الرعب والفزع، إنَّ زلزلة الساعة أي الحركة الشديدة للأرض أهوال القيامة وشدائدها، يا أيها الناس احذروا عقاب الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، إن ما يحدث عند قيام الساعة من أهوال وحركة شديدة للأرض، تتصدع منها كل جوانبها، شيء عظيم، لا يُقْدر قدره ولا يُبْلغ كنهه، ولا يعلم كيفيَّته إلا رب العالمين، و "أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ" ﴿البقرة 214﴾ وَزُلْزِلُوا: وَ حرف استئنافية، زُلْزِلُ فعل، وا ضمير، وزُلزلوا: أزعجوا بأنواع البلاء، بل أظننتم أيها المؤمنون أن تدخلوا الجنة، ولمَّا يصبكم من الابتلاء مثل ما أصاب المؤمنين الذين مضوا من قبلكم: من الفقر والأمراض والخوف والرعب، وزُلزلوا بأنواع المخاوف، حتى قال رسولهم والمؤمنون معه على سبيل الاستعجال للنصر من الله تعالى: متى نصر الله؟ ألا إن نصر الله قريب من المؤمنين، و "هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا" ﴿الأحزاب 11﴾ في ذلك الموقف العصيب اختُبر إيمان المؤمنين ومُحِّص القوم، وعُرف المؤمن من المنافق، واضطربوا اضطرابًا شديدًا بالخوف والقلق؛ ليتبين إيمانهم ويزيد يقينهم، و "إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا" ﴿الزلزلة 1﴾ زُلْزِلَتِ فعل، زُلْزِلَتْ: تحركت حركة شديدة من أسفلها، زلزلت الأرض: حـُرّكت تحْريكا عَـنيفا مُتكرّرا عند النفخة الأولى، زلزالها: تحريكها الشديد المناسب لعظمتها، إذا رُجَّت الأرض رجًّا شديدًا، وأخرجت ما في بطنها من موتى وكنوز، وتساءل الإنسان فزعًا: ما الذي حدث لها؟.
ورد الزلزلة المعروفة من أشراط الساعة، وزلزلة الساعة كائنة في عمر آخر الدنيا وأول أحوال الساعة، و "إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا" (الزلزلة 1) أي: تحركت من أسفلها كما قال ابن عباس، وحركت من أصلها. و "وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا" أي كنوزها. يستحب قراءة سورة اذا زلزلت في احد نوافل اليوم لتكون نورا في القبر. قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه و آله (مَنْ صَلَّى لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَ إِذَا زُلْزِلَتْ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً، آمَنَهُ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَ مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ).
قال الله تعالى "فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ" ﴿العنكبوت 37﴾ جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: التكذيب سببا في أن تصيبهم زلزلة شديدة فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين أي مكبوبين على وجوههم ميتين. و الجاثم مشتق من جثم على زنة سهم ومعناه الجلوس على الركبة والتوقف في مكان ما. ولا يبعد أن يكونوا نائمين عند وقوع هذه الزلزلة الشديدة. فهذا التعبير إشارة إلى أنهم عند وقوع هذه الحادثة نهضوا وجثوا على الركب، إلا أن الحادثة لم تمهلهم حيث انهارت الجدران عليهم ونزلت عليهم الصاعقة التي تزامنت معها فماتوا.
قال السيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره عن الزلزلة: أما الزلزلة فواضحةٌ، حيث قال الله عزَّ وجلّ "مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ" (البقرة 214). فالزلزلة حالةٌ نفسيةٌ شديدةٌ من الخوف والرهبة من الحاضر أو المستقبل المنظور. وسميت زلزلةً لأنها تزلزل البدن وتجعله غالباً يرتجف ويهتزُّ كالزلزلة. بل حتى لو أراد صاحبه أن يوقف رعدته لم يستطع, وكذلك الحال في الزلزلة. ولا حاجة معه إلى أن نشير إلى أنَّ الآتي بهذه الزلزلة والرافع لها هو الله سبحانه. أما كونه الآتي بالزلزلة، فباعتبار قوله: "زلزلوا" بصيغة المبنيِّ للمجهول, فإنَّ الفاعل الحقيقيَّ هو الله سبحانه, بعد غضِّ النظر عن الأسباب التي هي من أنواع البلاء في الدنيا. وأما كونه الرافع للزلزلة، فباعتبار أمورٍ كثيرةٍ من الأمل برحمته تعالى، يعرفها المتشرعة، منها قوله تعالى في نفس الآية: "مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ" (البقرة 214). وإذا جاء نصر الله عزَّ وجلَّ ارتفعت الزلزلة بطبيعة الحال. ومن هنا كانت صلاة الآيات لدى حصول الزلزلة، ليحصل التضرع والخشوع والخضوع والرجوع إلى الله عزَّ وجلّ، عسى أن يمنَّ جلَّ جلاله بزوال البلاء الظاهريِّ أو الباطنيّ. ولا يخفى أنَّ الزلزلة المعروفة، هي من أنواع البلاء لا محالة، لما يذهب فيها من تلف النفوس والأموال.
https://telegram.me/buratha