الدكتور فاضل حسن شريف
العبودية هي الانقياد والانصياع المطلق لله ورسوله والائمة عليهم السلام. والله لا يعطي العبودية المطلقة لكافة الناس وانما لخاصة عباده ومنهم الانبياء "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى" (الاسراء 1)، و "فَأَوْحَىٰٓ إِلَىٰ عَبْدِهِۦ مَآ أَوْحَىٰ" (النجم 10)، و "ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَىٰ عَبۡدِهِ ٱلۡكِتَٰبَ وَلَمۡ يَجۡعَل لَّهُۥ عِوَجَاۜ" (الكهف 1)، و "وَٱذْكُرْ عِبَٰدَنَآ إِبْرَٰهِيمَ وَإِسْحَٰقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِى ٱلْأَيْدِى وَٱلْأَبْصَٰرِ" (ص 45)، و "ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُۥ زَكَرِيَّآ" (مريم 2)، و "وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ" (ص 17). ومقام العبودية يشير الى مفهوم العصمة. الجميع يعبدون الله ولكنهم يخالفونه "وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍۢ" (فاطر 45) فيخلطون مع عبادة الله تعالى عبادة المال والشهوة والكرسي. بنما الانبياء والولياء المعصومين لا يذنبون لان الذنب يجعل هنالك انقطاع عن عبودية الله. وبذلك ذكر الامام الصادق ان العباس بن علي عليهما السلام كملت به مقام عبودية الانبياء والرسل.
في موقع رافد عن عصمة النبي صلى الله عليه واله وسلم للدكتور صلاح الدين الحسيني: سبحانه يصرّح بأنّ من شملته الهداية الإلهية لا مضلّ له، ويقول سبحانه وتعالى في سورة الزمر: "وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد * وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلّ" (الزمر 36-37). وفي آية ثالثة يُصرّح بأنّ حقيقة العصيان في الانحراف عن الجادّة الوسطى، بل هل الضلالة، ويقول سبحانه وتعالى في سورة يس: "أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلاً كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ" (يس 60-62). وبملاحظة هذه الآية الشريفة تظهر قضية العصمة بوضوح، فإنّ الله سبحانه وتعالى يصف الأنبياء بأنّهم القدوة. وإنّ من شملته الهداية الإلهية لا ضلالة له ولا مضلّ له، وإنّ العصيان هو نفس الضلالة ومقارن لها وملازم لها، فعندما يقول الحقّ سبحانه في سورة يس: "وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلاً كَثِيرًا" (يس 62)، فهل كانت ضلالتهم إلا العصيان ومخالفة أمر الله وعدم اجتناب نهيه. فإذا كان الأنبياء مهديين بهداية الله سبحانه وتعالى، فإنّ الضلال لا يتطرّق إلى من هداه الله واجتباه واصطفاه لتبليغ الحقّ والهدى إلى العباد، ومن يحمل كلّ هذه الصفات، فإنّ المعصية والتي هي في الأصل ضلال عن الحقّ لا يمكن أنْ تتطرّق إليه أيضاً ، فماذا بعد الحقّ إلا الضلال.
جاء في الموسوعة الإلكترونية لمدرسة أهل البيت عليهم السلام التابعة للمجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام: عصمة الأنبياء، بمعنى أنّ الله تعالى عصم أو منع أنبياءه من الخطأ والمعصية، والعصمة بمعنى: صيانة النفس من الذنب ومن أي قبيح، وصونهم عن الخطأ في تلقّي الوحي وتحمله وأدائه. وهي من الثوابت التي تشترك فيها جميع الشرائع السماوية. وبالطبع تختلف الآراء حول ماهية العصمة ومراتبها. اتفق علماء المسلمين على أن الأنبياء جميعهم معصومون عن الشرك والكفر، ولا يرتكبون الخطأ والمعصية في تلقّي الوحي وتحمّله وأدائه، واختلفوا في عصمتهم عن الخطايا في شؤونهم اليومية. لم يتم التصريح بعصمة الأنبياء في القرآن الكريم، لكنّ المفسرين بحثوا موضوع العصمة في بعض الآيات القرآنية كآية 36 من سورة البقرة والتي تقصّ لنا كيفية خروج آدم وحواء من الجنة. فالمتكلّمون المسلمون أقاموا أدلّة عقلية في إثبات عصمة الأنبياء. واستندوا على ذلك بآيات قرآنية منها الآية 7 من سورة الحشر "وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ". والمنكرون لعصمة الأنبياء استندوا على جملة من الآيات التي تنفي عصمة الجميع أو البعض منهم. وفي جوابهم قالوا إنّ الآيات التي استندتم إليها من المتشابهات ويجب عرضها على الآيات المحكمات لأنها بحاجة إلى التأويل والتفسير. والآيات التي لا تتوافق مع العصمة، تُحمل على أنها من باب ترك الأولى وهذا يختلف عن المعنى المتعارف للخطأ والخطيئة.
وفي كتاب رفع الشبهات عن الانبياء عليهم السلام للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر قدس سره: يونس عليه السلام: كما قال تعالى :في سورة (الانبياء:87) "وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ" فهل صحيح ان يونس عليه السلام ظن ان الله لا يقدر عليه كما يفهم من سياق ظاهر الاية الكريمة نعوذ بالله من قول الزور؟والجواب على ذلك هذا الظاهر غير محتمل من الجاهل فضلا ً عن الفاضل، فلا يحتمل صدوره من النبي يونس عليه السلام وتأويله : ما قاله أهل المعرفة من انه ظن انه متكامل الى درجة لايحتاج معه الى امتحان الهي جديد. مع انه كان بحاجة الى ذلك، ومن هنا قهره الله سبحانه وتعالى بامتحان الحوت. ويمكن ان يكون يعني نقلل. فيكون المراد انه ظن ان لن يقلل الله عليه فضله. وهذا صحيح . وإنما حبسه الله تعالى في الحوت ليس لاجل ذلك . بل لكونه ترك دعوة نبوته قبل موعدها الحقيقي وهو من الذنوب الدقية التي لا تنافي العصمة . ومن هنا كان مغاضبا ً يعني غضبانا ً من عصيان قومه.
https://telegram.me/buratha