* د. جميل ظاهري
الوفاء للأخوة والثبات على البيعة والبقاء على العهد والوعد وإخلاص الطاعة للنبيّ والإمام المفروضة طاعته من الله تعالى نصّاً.. هي أبرز صفات العبّاس بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهما السلام ، كما عهد والده مع خاتم المرسلين وسيدهم المصطفى محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الميامين الأخيار.. صفات من أظهر أخلاقه الفاضلة وأشهر سجاياه الكريمة، حيث كان أبي الفضل وفيّاً كريماً والوفاء شيمة موروثة له من أسلافه الكرام وسجيّة طبع عليها وهو غلام، والوفاء من أكرم خصال بني هاشم ومن الصفات المحمودة التي حرّض الشارع المقدّس عليها وأكّد الالتزام بها ونهى عن ترك التخلّق بها.
جسد سيدنا العباس صفة الوفاء بكل ما للكلمة من معنانٍ وأوصاف طيلة حياته القصيرة (٣٤ عاماً) بطاعته وولائه الكاملين لامام زمانه وفي سلوكه مع أخيه الامام الحسين عليه السلام حقيقة الاَخوّة الاسلامية الصادقة، وأبرز جميع قيمها ومثلها، فلم يبق لون من ألوان الاَدب، والبرّ والاِحسان إلاّ قدّمه له، وكان من أروع ما قام به في ميادين المواساة له، انه حينما استولى على الماء يوم الطفّ تناول منه غرفة ليشرب، وكان قلبه الزاكي كصالية الغضا من شدّة الظمأ، فتذكّر في تلك اللحظات الرهيبة عطش أخيه سيد شباب أهل الجنة وعطش الصبية من أهل البيت عليهم السلام، فدفعه شرف النفس، وسموّ الذات الى رمي الماء من يده، ومواساتهم في هذه المحنة الحازبة، تصفّحوا في تاريخ الاَمم والشعوب فهل تجدون مثل هذه الاَخوّة الصادقة؟!! انظروا في سجلاّت نبلاء الدنيا فهل ترون مثل هذا النبل ، ومثل هذا الاِيثار؟!
أبدى نبراس العزة والوفاء والإباء أبي الفضل العباس يوم الطف من الصمود الهائل، والإرادة الصلبة ما يفوق الوصف، فكان برباطة جأشه، وقوّة عزيمته جيشاً لا يقهر فقد أرعب عسكر ابن زياد، وهزمهم نفسيّاً، كما هزمهم في ميادين الحرب. فاحتلّ قمر بني هاشم قلوب العظماء ومشاعرهم، وصار أنشودة الاَحرار في كلّ زمان ومكان، وذلك لما قام به من عظيم التضحية تجاه أخيه سيّد الشهداء، الذي ثار في وجه الظلم والطغيان، وبنى للمسلمين عزّاً شامخاً، ومجداً خالداً.
امتزجت قوة الروح وقوة الجسد، وأضيفت إليهما النخوة الهاشمية، والشجاعة الحيدرية، والقوة الالهية، والإيمان الحسيني، والأخوة الصادقة ،والطاعة والولاء، والعزة والكرامة، والحرية والرفعة؛ في أخلاق العباس الرفيعة وإيمانه الخالص للخالق وولي أمره.. فهو أبن خير القوم وأولهم ايماناً وسيد الوصيين وأشجعهم يقيناً وبصيرة وقوة وفداه بنفسه عن رسول الله أمير المؤمنين الامام علي بن أبي طالب عليه السلام.. هو قدوة النصر والاقدام والنجدة والولاء ومعجزة الامام علي عليه السلام لنصرة واثبات الحق الحسيني الالهي، ومجمعاً للفضائل، وملاذاً للخصال الحسنة الشمائل وكان ذا قوة روحية هائلة، وطبيعة بنائه الجسدي تخدم قوته المعنوية والروحية.. فامتزجت فيه قوة الروح وقوة الجسد، وأضيفت إليهما النخوة الهاشمية، والشجاعة الحيدرية، والقوة الالهية، والإيمان الحسيني، والأخوة الصادقة، والطاعة والولاء، والعزة والكرامة، والحرية والرفعة.
باتت مدرسة العباس بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين والذي نعيش هذه الأيام ذكرى مولده المبارك والميمون، منهاجاً وضاءاً ومشعلاً منيراً لدرب المضحين والمقاومين والمنتفضين في وجه الطغاة والظالمين والفراعنة وكبح جماحهم ومطامعهم واجرامهم طيلة القرون الماضية وستبقى شوكة في عيونهم مادامت الدنيا قائمة.. من هذا المنطلق هرع الشباب المؤمن للدفاع عن مقدسات المسلمين وشرفهم وعزتهم وحياض بلدانهم في مقارعة ومحاربة الارهاب التكفيري الوهابي السعودي العثماني الذي يعيث في الأرض الفساد ويشق عصا المسلمين وينتهك مقدساتهم وأعراضهم في اليمن وبلاد الرافدين والشام، مقتدين بنهج مدرسة التضحية والفداء والإباء ويقف بوجه نار حقد وطغيان وإجرام حكام الجاهلية ودعاة حقدهم ومطبلي شهواتهم الدموية في إراقة دماء الأمة، دون ريبة أو خوف يستقبل الشهادة ضاحكاً مبتسماً؛ مقتدياً بسيده ومراده ومولاه العباس بن علي بن أبي طالب.
يروى أنّه في بعض أيّام صفّين خرج من جيش أمير المؤمنين (عليه السلام) شاب على وجهه نقاب، تعلوه الهيبة، وتظهر عليه الشجاعة، يقدّر عمره بالسبع عشر سنة، يطلب المبارزة، فهابه الناس، وندب معاوية إليه أبا الشعثاء، فقال: إنّ أهل الشام يعدونني بألف فارس، ولكن أرسل إليه أحد أولادي، وكانوا سبعة، وكُلّما خرج أحد منهم قتله حتّى أتى عليهم، فساء ذلك أبا الشعثاء وأغضبه، ولمّا برز إليه ألحقه بهم، فهابه الجمع ولم يجرأ أحد على مبارزته، وتعجّب أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام من هذه البسالة التي لا تعدو الهاشميين، ولم يعرفوه لمكان نقابه، ولما رجع الى مقرّه دعاه أبوه الامام علي أمير المؤمنين وأزال النقاب عنه، فإذا هو "قمر بني هاشم" ولده العبّاس سلام الله عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.
قال الاِمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام بحقه: "رحم الله عمّي العباس، فلقد آثر وأبلى، وفدى أخاه بنفسه، حتى قُطعت يداه، فأبدله الله عزوجل بجناحين، يطير بهما مع الملائكة في الجنّة، كما جعل لجعفر بن أبي طالب، وان للعبّاس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة.."- (قمر بني هاشم 1: 49).
وقال الاِمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام بحقه: "كان عمّي العبّاس بن علي (عليه السلام) نافذ البصيرة، صُلب الاِيمان، جاهد مع أخيه الحسين، وأبلى بلاءً حسناً، ومضى شهيداً.."- (الخصال 1: 35).
https://telegram.me/buratha