الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله تبارك وتعالى عن كلمة بغتة في القرآن الكريم "قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ ۚ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ" ﴿الأنعام 31﴾ بغتة اسم، بَغْتةً: فجأة، البغت: مفاجأة الشيء من حيث لا يحتسب، قد خسر الكفار الذين أنكروا البعث بعد الموت، حتى إذا قامت القيامة، وفوجئوا بسوء المصير، نادَوا على أنفسهم بالحسرة على ما ضيَّعوه في حياتهم الدنيا، وهم يحملون آثامهم على ظهورهم، فما أسوأ الأحمال الثقيلة السيئة التي يحملونها، و "فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ" (الأنعام 44﴾ بَغْتَةً: فجأة و على غفلة، أخذناهم بغتة: أنزلنا بهم العذاب فجأة، فلما تركوا العمل بأوامر الله تعالى معرضين عنها، فتحنا عليهم أبواب كل شيء من الرزق فأبدلناهم بالبأساء رخاءً في العيش، وبالضراء صحة في الأجسام؛ استدراجا منا لهم، حتى إذا بطروا، وأعجبوا بما أعطيناهم من الخير والنعمة أخذناهم بالعذاب فجأة، فإذا هم آيسون منقطعون من كل خير، و "قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ" ﴿الأنعام 47﴾ بغتة اسم، بغتة: فجاءة أو ليلا، قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين: أخبروني إن نزل بكم عقاب الله فجأة وأنتم لا تشعرون به، أو ظاهرًا عِيانًا وأنتم تنظرون إليه: هل يُهلك إلا القوم الظالمون الذين تجاوزوا الحد، بصرفهم العبادة لغير الله تعالى وبتكذيبهم رسله؟ و "ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَوا وَّقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ" ﴿الأعراف 95﴾ بغتة: فجأة، ثم بدَّلنا الحالة الطيبة الأولى مكان الحالة السيئة، فأصبحوا في عافية في أبدانهم، وسَعَة ورخاء في أموالهم؛ إمهالا لهم، ولعلهم يشكرون، فلم يُفِد معهم كل ذلك، ولم يعتبروا ولم ينتهوا عمَّا هم فيه، وقالوا: هذه عادة الدهر في أهله، يوم خير ويوم شر، وهو ما جرى لآبائنا من قبل، فأخذناهم بالعذاب فجأة وهم آمنون، لا يخطر لهم الهلاك على بال، و "يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي ۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ۚ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ۗ يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" ﴿الأعراف 187﴾ غفلة اسم، بَغْتةً: فجأة و على غفلة، يسألك أيها الرسول كفار مكة عن الساعة متى قيامها؟ قل لهم: عِلْمُ قيامها عند الله لا يظهرها إلا هو، ثَقُلَ علمها، وخفي على أهل السموات والأرض، فلا يعلم وقت قيامها ملَك مقرَّب ولا نبي مرسل، لا تجيء الساعة إلا فجأة، و "أَفَأَمِنُوا أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ" ﴿يوسف 107﴾ فهل عندهم ما يجعلهم آمنين أن ينزل بهم عذاب من الله يعُمُّهم، أو أن تأتيهم القيامة فجأة، وهم لا يشعرون ولا يُحِسُّون بذلك.
جاء في كتاب الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي: في تفسير القمي في قوله تعالى "قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً" (الانعام 47)، قال : إنها نزلت لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة ، وأصاب أصحابه الجهد والعلل والمرض فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأنزل الله "قُلْ" لهم يا محمد "أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ" (الانعام 47) أي لا يصيبكم إلا الجهد والضر في الدنيا فأما العذاب الأليم الذي فيه الهلاك فلا يصيب إلا القوم الظالمين. أقول: الرواية على ضعفها تنافي ما استفاض أن سورة الأنعام نزلت بمكة دفعة. على أن الآية بمضمونها لا تنطبق على القصة والذي تمحل به في تفسيرها بعيد عن نظم القرآن. قال الله تبارك وتعالى "وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ" (الحج 7). ولم تتضمن الآية إلا بعث الأموات والظرف الذي يبعثون فيه فأما الظرف وهو الساعة فذكره في قوله "وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها" (الحج 7) ولم ينسب إتيانها إلى نفسه بأن يقال مثلا: وأن الله يأتي بالساعة أو ما في معناه ولعل الوجه في ذلك اعتبار كونها لا تأتي إلا بغتة لا يتعلق به علم قط كما قال "لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً" (الاعراف 187). وقال "قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ" (الاعراف 187) وقال "إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها" (طه 15) فكان عدم نسبتها إلى فاعل كعدم ذكر وقتها وكتمان مرساها.
جاء في کتاب الامثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "قُلْ أَ رَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ" (الانعام 47). "بغتة" بمعنى فجأة و "جهرة" بمعنى الظاهر و العلانية، و المألوف استعمال سرّا في مقابل جهرة لا بغتة، و لكن لما كانت مقدمات العمل المباغت خافية غالبا، إذ لو لا خفاؤه لما كان مباغتا، فإن في "بغتة" يكمن معنى الخفاء و السرية أيضا. قوله تعالى "فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ" (الشعراء 202) لا شك أن المراد من هذا العذاب الذي يأخذهم بغتة، هو عذاب الدنيا و البلاء المهلك و عقاب الاستئصال. قوله تعالى "وَ لَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ". و بالرغم من أن موعد العذاب في الواقع معين و مقرّر إلّا أن المصلحة تقتضي ألّا يطّلعوا عليه، و أن يأتيهم دون مقدمات، لأنّه لو عرف وقته لكان باعثا على تجرؤ الكفار و المذنبين و جسارتهم و كانوا يواصلون الذنب و الكفر إلى آخر لحظة، و حين يأزف الوعد بالعذاب فإنهم سيتجهون بالتوبة جميعا الى اللّه و ينيبون إليه. و الحكمة التربوية لمثل هذا العقاب تقتضي أن يكتم موعده، لتكون كل لحظة ذات أثر بنفسها، و يكون الخوف و الاستيحاش منها عاملا على الردع، و يتّضح ممّا قلناه ضمنا أنّ المراد من جملة "وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ" لا تعني أنّهم لا يدركون أصل وجود العذاب. و إلّا فإنّ فلسفة العذاب و الحكمة منه لا يكون لها أثر، بل المراد أنّهم لا يعرفون اللحظة التي ينزل فيها العذاب و لا مقدماته، و بتعبير آخر: إنّ العذاب ينزل عليهم كالصاعقة و هم غافلون.
https://telegram.me/buratha