الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله سبحانه عن أقطار "وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا" ﴿الأحزاب 14﴾ اقطارها اي نواحيها وجوانبها، يا معشر الجن والإنس، إن قَدَرْتم على النفاذ من أمر الله وحكمه هاربين من أطراف السموات والأرض فافعلوا، ولستم قادرين على ذلك إلا بقوة وحجة، وأمر من الله تعالى وأنَّى لكم ذلك وأنتم لا تملكون لأنفسكم نفعًا ولا ضرًا؟ و "يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ" ﴿الرحمن 33﴾ أقطار: جوانب و نواح، و احدها قُطر و هو الإقليم، و الناحية، و الجانب، ولو دخل جيش الأحزاب المدينة من جوانبها، ثم سئل هؤلاء المنافقون الشرك بالله والرجوع عن الإسلام، لأجابوا إلى ذلك مبادرين، وما تأخروا عن الشرك إلا يسيرًا.
وردت كلمة اقطار ومشتقاتها في القرآن الكريم: أَقْطَارِهَا، أَقْطَارِ. جاء في معاني القرآن الكريم: القطر: الجانب، وجمعه: أقطار. قال تعالى: "إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ" ﴿الرحمن 33﴾، وقال: "وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا" ﴿الأحزاب 14﴾ وقطرته: ألقيته على قطره، وتقطر: وقع على قطره، ومنه: قطر المطر، أي: سقط، وسمي لذلك قطرا، وتقاطر القوم: جاؤوا أرسالا كالقطر، ومنه قطار الإبل، وقيل: الإنفاض يقطر الجلب.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ" ﴿الرحمن 33﴾ أقطار جمع قطر بمعنى أطراف الشئ. تنفذوا من مادة نفوذ، وهي في الأصل بمعنى خرق وعبور من شئ، والتعبير من أقطار إشارة إلى شق السماوات وتجاوزها إلى خارجها. إن تقديم الجن هنا جاء لاستعدادهم الأنسب للعبور من السماوات، وقد ورد اختلاف بين المفسرين على أن الآية أعلاه هل تتحدث عن القيامة، أو أن حديثها عن عالم الدنيا، أو كليهما؟ ولأن الآيات السابقة واللاحقة تتحدث عن وقائع العالم الآخر، فإن المتبادر إلى الذهن أن الآية تتحدث عن الهروب والفرار من يد العدالة الإلهية الذي يفكر به العاصون في ذلك اليوم. إلا أن البعض بلحاظ جملة: لا تنفذون إلا بسلطان إعتبرها إشارة إلى الرحلات الفضائية للإنسانية، وقد ذكر القرآن شروطها من القدرة العلمية والصناعية. ويحتمل أيضا أن يكون المقصود منها هو عالم الدنيا وعالم القيامة، يعني أنكم لن تتمكنوا من النفوذ بدون قدرة الله في أقطار السماوات ليس في هذه الدنيا فحسب، بل في عالم الآخرة أيضا، حيث وضعت في الدنيا وسيلة محدودة لاختباركم، أما في الآخرة فلا توجد أية وسيلة لكم. وفسرها البعض تفسيرا رابعا حيث قالوا: إن المقصود بالنفوذ هو النفوذ الفكري والعلمي في أقطار السماوات، الذي يمكن للبشر إنجازه بواسطة القدرة الاستدلالية. إلا أن التفسير الأول مناسب أكثر، خاصة وأن بعض الأخبار التي نقلت من المصادر الإسلامية تؤيده، ومن جملتها حديث عن الإمام الصادق عليه السلام حيث يقول: (إذا كان يوم القيامة جمع الله العباد في صعيد واحد، وذلك أن يوحي إلى السماء الدنيا أن اهبطي بمن فيك، فيهبط أهل السماء الدنيا بمثلي من في الأرض من الجن والإنس والملائكة، ثم يهبط أهل السماء الثانية بمثل الجميع مرتين، فلا يزالون كذلك حتى يهبط أهل سبع سماوات فتصير الجن والإنس في سبع سرادقات من الملائكة ثم ينادي مناد، يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان"يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ" ﴿الرحمن 33﴾ فينظرون فإذا قد أحاط بهم سبع أطواق من الملائكة). كما أن الجمع بين التفاسير ممكن أيضا.
https://telegram.me/buratha