الدكتور فاضل حسن شريف
تكملة للحلقة السابقة قال الله تبارك وتعالى عن يجحد ومشتقاتها "وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ۚ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ۚ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ" ﴿النحل 71﴾ أفبنعمة الله يجحدون: يكفرون حيث يجعلون له شركاء، والله فَضَّل بعضكم على بعض فيما أعطاكم في الدنيا من الرزق، فمنكم غني ومنكم فقير، ومنكم مالك ومنكم مملوك، فلا يعطي المالكون مملوكيهم مما أعطاهم الله ما يصيرون به شركاء لهم متساوين معهم في المال، فإذا لم يرضوا بذلك لأنفسهم، فلماذا رضوا أن يجعلوا لله شركاء من عبيده؟ إن هذا لَمن أعظم الظلم والجحود لِنعم الله عز وجل، و "وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ" ﴿النمل 14﴾ جحدوا: كفروا و كذَّبوا، الجحد و الجحود: الإنكار، وَجَحَدُوا بِهَا: أنكروها في ظاهر الأمر، كذَّبوا بالمعجزات التسع الواضحة الدلالة على صدق موسى في نبوته وصدق دعوته، وأنكروا بألسنتهم أن تكون من عند الله، وقد استيقنوها في قلوبهم اعتداءً على الحق وتكبرًا على الاعتراف به، فانظر -أيها الرسول- كيف كان مصير الذين كفروا بآيات الله وأفسدوا في الأرض، إذ أغرقهم الله في البحر؟ وفي ذلك عبرة لمن يعتبر، و "كَذَٰلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ" ﴿غافر 63﴾ كما كذَّبتم بالحق -يا كفار قريش- وأعرضتم عنه إلى الباطل، يُصرف عن الحق والإيمان به الذين كانوا بحجج الله وأدلته يجحدون، و "فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ" ﴿فصلت 15﴾ فأما عاد قوم هود فقد استعلَوا في الأرض على العباد بغير حق، وقالوا في غرور: مَن أشد منا قوة؟ أولم يروا أن الله تعالى الذي خلقهم هو أشدُّ منهم قوة وبطشًا؟ وكانوا بأدلتنا وحججنا يجحدون، و "ذَٰلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ ۖ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ ۖ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ" ﴿فصلت 28﴾ هذا الجزاء الذي يُجزى به هؤلاء الذين كفروا جزاء أعداء الله النار، لهم فيها دار الخلود الدائم؛ جزاء بما كانوا بحججنا وأدلتنا يجحدون في الدنيا، و "وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ" ﴿الأحقاف 26﴾ يَجْحَدُونَ: يكذبون به ويستبعدون وقوعه، ولقد يسَّرنا لعاد أسباب التمكين في الدنيا على نحوٍ لم نمكنكم فيه معشر كفار قريش، وجعلنا لهم سمعًا يسمعون به، وأبصارًا يبصرون بها، وأفئدة يعقلون بها، فاستعملوها فيما يسخط الله عليهم، فلم تغن عنهم شيئًا إذ كانوا يكذِّبون بحجج الله، ونزل بهم من العذاب ما سخروا به واستعجلوه. وهذا وعيد من الله جل شأنه، وتحذير للكافرين.
وردت كلمة جحد ومشتقاتها في القرآن الكريم: يَجْحَدُونَ، جَحَدُوا، وَجَحَدُوا، يَجْحَدُ. جاء في المعاجم: جحَدَ يَجحَد، جَحْدًا وجُحودًا، فهو جاحِد، والمفعول مَجْحود، جَحَدَ فلانًا حقَّه وبحقه: لم يعترف به. جاحِد: اسم فاعل من جَحَدَ، كَانَ جَاحِداً لِكُلِّ النِّعَمِ: كَافِراً بِهَا، ناَكِراً لَهَا، عَاقّاً لمَ يَرَ جَاحِدًا لِلْمَعْرُوفِ مِثْلَهُ. الجحود: أنكار الحق مع العلم به، جحود القرآن: جحود القرآن بمثابة الكفر. الجَحْدُ والجُحُود: نقيض الإِقرار كالإِنكار والمعرفة، جَحَدَه يَجْحَدُه جَحْداً وجُحوداً الجوهري: الجُحودُ الإِنكار مع العلم. جحَد الحقَّ: جحَد بالحقِّ أنكره مع علمه به: جحَد الجميلَ، جحَد دينَه: أنكره علنًا، "أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ" (النحل 71)، و "وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ" (هود 59). جحد يجحد، جحدا وجحودا: 1- جحد الحق أو به: أنكره مع علمه به. 2- جحده حقه أو بحقه: أنكره، لم يعترف به. 3- جحد النعمة: كفر بها. 4- جحده: وجده بخيلا. 5- جحده: وجده فقيرا. جَحَدَ الأَمرَ وبه جَحَدَ َ جَحْدًا، وجُحُودًا: أَنكره معَ علمه به، وفي التنزيل العزيز: النمل آية 14 "وجَحَدُوا بِهَا واسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهم" و جَحَدَ فلانًا حقَّه وبحقه: لم يعترف به. وجحد الشيء أنكره فهو جاحد، والشيء المنكر مجحود، ودين مجحود هو دين قد أنكره المدين.
قال النبي صلى الله عليه وآله: من ظلم عليا مقعدي هذا بعد وفاتي فكأنما جحد نبوتي ونبوة الأنبياء قبلي. عن أبي جعفر عليه السلام قال: ومن جحد نبيا مرسلا نبوته وكذبه فدمه مباح قال: فقلت له: أرأيت من جحد الإمام منكم ما حاله؟ فقال: من جحد إماما برأ من الله وبرأ منه ومن دينه فهو كافر مرتد عن الإسلام لأن الإمام من الله ودينه دين الله. قال الشاعر ابو العتاهية: فيَا عَجَبَا كيفَ يَعصِي الإلهَ * أمْ كيفَ يجحدهُ الجاحِدُ. قال الشاعر البو صيري: تبارَكَ الله عَمَّا قالَ جاحِدُه * وجاحِدُ الحَقِّ عِنْدَ النَّصْرِ مَخْذُول.
جاء في تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: في قوله تعالى "يجحدون" (الأنعام 33) (المؤمن 63) (النحل 71) ( فصلت 15) (فصلت 28) (الأحقاف 26) ينكرون بألسنتهم ما تستيقنه قلوبهم. وقوله تعالى "لكنود" (العاديات 6) لكفور يقال: كند النعمة إذا كفرها وجحدها. وقوله تعالى "وما يفعلوا من خير فلن يكفروه" (ال عمران 115) أي فلن يجحدوه أي فلن يمنعوا ثوابه. جاء في تفسير جوامع الجامع للشيخ الطبرسي: عن قوله تعالى "وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ" (الاعراف 51) كانوا يعرفون أنها حق ولكنهم جحدوها كما يجحد المودع الوديعة.
https://telegram.me/buratha