* د. جميل ظاهري
أنه شمس الحقيقة وميزان العدالة وقاطع دابر الظلمة والفراعنة ومنهي الفتن الطائفية وناشر العدل القسط والمساواة مخلص البشرية المنتظر، الذي أجمعت جميع الاديان السماوية "الاسلام والمسيحية واليهودية" خاصة المذاهب والطوائف الاسلامية وحتى غيرهم من الديانات والعقائد الاخرى على وجود مخلِّص منتظر، رغم اختلافهم في أوصافه وظروفه.. يقول الفيلسوف الاسلامي الكبير الشهيد السيد محمد باقر الصدر /قدس سره/: "ليس المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) تجسيداً لعقيدة إسلامية ذات طابع ديني فحسب، بل هو عنوانٌ لطموح اتجهت إليه البشرية بمختلف أديانها ومذاهبها، وصياغة لإلهام فطري أدرك الناس من خلاله ـ على تنوع عقائدهم ووسائلهم الى الغيب ـ أن للانسانية يوماً موعوداً على الأرض تحقق فيه رسالات السماء مغزاها الكبير وهدفها النهائي، وتجد فيه المسيرة المكدودة للإنسان على مرِّ التأريخ استقرارها وطمأنينتها بعد عناء طويل".
الإيمان بفكرة انتظار قدوم منجٍ للبشرية ومنقذها (الامام المهدي عج) هو من أكثر وأشد الأفكار انتشاراً بين بني الإنسان كافة لأنه يستند الى فطرة التطلع للكمال باشمل صوره، أي أنها تعبّر عن حاجة فطرية، ولذلك فتحققها حتمي; لأن الفطرة لا تطلب ما هو غير موجود كما هو معلوم.. فهذا الشعور الغيبي بالموعد مع المنقذ والمنجي الموعود لم ولن يقتصر على المؤمنين دينياً بالغيب، بل امتد الى غيرهم أيضاً وانعكس حتى على أشد الايدلوجيات والاتجاهات رفضاً للغيب، مثل المادية الجدلية التي فسرت التاريخ على أساس التناقضات وآمنت بيوم موعود للخلاص مما عليه البشرية من ظلم وإجرام وطغيان وجبروت، فتُصفّى فيه كل تلك التناقضات ويسودُ فيه الوئامُ والسلامُ والمحبة والمساواة الحياة.
الإيمان بالمهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وانتظار ظهوره، هو إيمان برفض الظلم والجور وسلطة القوي المتجبر الطاغي على الإنسان المسالم والمستضعف حتى وهو يسود الدنيا لّها.. هو مصدر قوة ودفع لا ینضب، وبصيص نور يقاوم اليأس في نفس الإنسان، ويحافظ على الأمل المشتعل في صدره مهما ادلهمّت الخطوب وتعملق الظلم؛ لأنّ اليوم الموعود يثبت أنّ بإمكان العدل أن يواجه عالماً مليئاً بالظلم والجور والفسق والفجور، فيزعزع ما فيه من أركان الأنظمة الديكتاتورية والسلطات الفرعونية وتزييف وتحريف الدين والحقيقة السماوية التي عمد اليها حكام الجور والقوة والمال والدجل والأكاذيب لبسط سطوتهم دون منازع على رقاب البشرية.. فلن يسمحوا بانتشار هذا الإيمان بين الشعوب الذي يدعو العودة الى حقيقة الدين الإسلامي الحنيف وبسط العدل والمساواة بين الناس، وهذا يعني نهاية سلطتهم غير الشرعية ونهبهم للمال العام والتمييز العنصري والديني.
الأيمان بالمهدي المنتظر القائم والذي نعيش هذه الأيام ذكرى مولده المبارك والميمون، يعني أنّ الظلم مهما تجبّر وكبر وامتدّ في أرجاء المعمورة وسيطر على مقدّرات البشرية بمختلف شعوبها ودياناتها، هو حالة غير طبيعية، ولا بدّ أن ينهزم ويزول لأنه وعد الله سبحانه وتعالى ولابد لوعده عز وجل أن يتحقق لا محال {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون، إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ} سورة الأنبياء - الآية 105و106.. هو الذي وعد به خاتم الأنبياء والمرسلين الصادق الأمين الحبيب المصطفى محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الأخيار، فقد روى أبو طفيل عامر بن واثلة الكناني (وهو آخر من مات من الصحابة) قال رسول الله: "يا علي أنت وصيي حربك حربي وسلمك سلمي وأنت الامام وأبو الأئمة الأحد عشر الذين هم المطهرون المعصومون ومنهم (المهدي) الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً فويل لمبغضيهم" - ينابيع المودة للحافظ الحنفي، و كفاية الأثر: ٢١.
البشارة بظهور المهدي المنتظر القادم لا محال، لم يذكرها القرآن الكريم فحسب!! بل ذكرتها جميع الكتب السماوية إشارة لهذا المعنى الدقيق كما لا يخفى، وإليكم بعض النصوص من "مزامير داود" عليه السلام:"فجاء في الجملة 18 من المزمور 37: (إن الله يعلم أيام الصالحين وسيكون ميراثهم أبدياً) – كما جاء في المزمور 37 جملة
27 : (لأن المتبركين بالله سيرثون الأرض، وسينقطع أثر من لعنهم.. ).
اليهودية أيضاً تؤمن بهذا الاعتقاد (ظهور المهدي علیه السلام)؛ فقد قال كعب الأحبار: مكتوب في أسفار الأنبياء :"المهدي ما في عمله عيب"، وقال سعيد أيوب الكاتب المصري الشهير في ص 370 ـ 380 من كتابه "المسيح الدجال" ما نصه: "وأشهد أنى وجدت كذلك في كتب أهل الكتاب ، لقد تتبع أهل الكتاب أخبار المهدي كما تتبعوا أخبار جده محمد (صلى الله عليه وآله)"، كما أشارت أخبار "سفر الرؤيا" الى امرأة يخرج منها اثنا عشر رجلا (سيدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام)، وأشار الى امرأة أخرى (والدة الامام المنتظر) وهي تلد الأخير. وجاء فيه ايضاً (سفر الرؤيا) 3/12 "والتنين وقف أمام المرأة الأخيرة حتى تلد ليبتلع ولدها متى ولدت" وجاء في السفر ذاته 5/12 "واختطف الله ولدها" ويقول "باركلي" في تفسيره "وعندما هجمت عليها ـ أي المرأة ـ المخاطر اختطف الله ولدها وحفظه أي أن الله قد غيب هذا الطفل".
"سفر الرؤيا" كتب ايضاً "أن غيبة هذا الغلام ستكون ألفاً ومائتي سنة" وهي مدة لها رموزها عند أهل الكتاب، وقال "باركلي" عن نسل المرأة عموماً :"إن التنين سيعمل حرباً شرسة مع نسل المرأة"، وجاء في "سفر الرؤيا" 13/ 12 "فغضب التنين على المرأة وذهب ليصنع حرباً مع باقي نسلها الذين يحفظون وصايا الله". حيث يفسره المؤرخون ما دار على الأئمة الأطهار من أبناء الامام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء عليهم السلام أجمعين طيلة القرون الماضية والتنين هم اعدائهم من بني أمية الطلقاء وبنو العباس ومن خلفهم من الحكومات الفرعونية والطاغية والظالمة والمتفرعنة وإرهابهم الدموي المتواصل حتى يومنا هذا في بلادنا الاسلامية حيث يعاني أبناء وأتباع وأنصار أهل البيت عليهم السلام الويلات والظلم والقمع والاضطهاد هنا وهناك خاصة في العراق والشام ولبنان واليمن والبحرين والسعودية والأردن وباكستان والهند وأفغانستان ومصر و...
الزرادشتيون والبوذيين والاسبان والمغول هم كسائر الملل الأخرى يؤمنون بفكرة ظهور المنقذ المصلح القائم القادم فيما وجد مثل هذه الاعتقادات عند قدماء المصريين وفي كتب الصينيين القديمة، راجع "المهدية في الإسلام" - سعيد محمد حسن ص 43 ، 44 و"قائم القيامة" للدكتور مصطفى غالب ص 270 و"المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي" إصدار مركز الرسالة ص 8 ، 9.. والملفت للانتباه أن أصحاب تلك المعتقدات الانفة الذكر قد آمنوا بفكرة ظهور أشخاص كانوا معروفين بعدما اختفوا في ظروف اكتنفها الغموض.. اتفقت تلك الاعتقادات على حالات اختفاء لرجال مشهورين جداً، مؤمنين بحتمية عودتهم وظهورهم لغايات إنقاذ البشرية وتحقيق أهداف يتوقف تحقيقها على وجودهم بالذات!!.. كما جاءت بشارة الموعود في المعتقدات الصينية ايضاً ففي كتاب "أوبانيشاد" صفحة 54 ما نصّه:"حينما يمتلئ العالم بالظلم يظهر الشخص الكامل الذي يسمى (يترتنكر: المبشر) ليقضي على الفساد ويؤسس للعدل والطهر... سيُنجي كريشنا العالم حينما يظهر البراهمي تون"؛ وجاءت في كتاب "ريك ودا" لل "ماندالاي" ص 4 و24: "يظهر ويشنو بين الناس.. يحمل بيده سيفاً كما الشهاب المذنب ويضع في اليد الأخرى خاتماً براقاً، حينما يظهر تكسف الشمس، ويخسف القمر وتهتز الأرض".
الاعتقاد بالمنقذ والمصلح الكبير لدى البشرية أمر بدأ منذ أن وطأت أقدام أبونا آدم عليه السلام الأرض وحتى رسالة الخاتم من الانبياء والمرسلين الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ليكشف عنه بصراحة ووضوح لا يدع لأدنى شك لدى العقول البشرية إلا من أعمى الله سبحانه وتعالى قلبه قبل بصره وهو المشهود اليوم في عالمنا الحاضر من الوهابيين والسلفيين والمنافقين والقاسطين والمارقين الذين ساروا على خطى أسلافهم اولئك الذين خططوا ل”سقيفة بني ساعدة” ونفذوها ودعموها.. لكن الطغاة على طول التاريخ عمدوا على الكتمان والتحريف والتكذيب خوفاً على سلطاتهم كما ذكرنا آنفاً، وكان لبنو أمية الطلقاء اليد الطولى في ذلك ورسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى أهل بيته واصحابه الأخيار كان شديد التأكيد على ذلك، فقد روى عبد الله بن عباس عن رسول الله قوله: "إن خلفائي واوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي إثنا عشر أولهم أخي وآخرهم ولدي قيل: يا رسول الله ومن أخوك؟ قال (ص): على بن أبي طالب. قيل فمن ولدك؟ قال صلوات الله عليه: المهدي الذي يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً والذي بعثني بالحق بشيراً لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي فينزل روح الله عيسى ابن مريم فيصلي خلفه وتشرق الأرض بنوره ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب"- جاء في “فرائد السمطين” آخر ج2 للعلامة الحموينيّ، و”ينابيع المودة” للقندوزي ج3 ص395، و”غاية المرام” للعلاّمة البحرانيّ ص 43 و ص 692.
كرس الحلف الصهيوأمريكي الوهابي الخليجي المنحرف المشؤوم العزم كل قواه الاعلامية والدينية بفتاوى الكذب والدجل والنفاق على تكذيب "ظاهرة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف" خوفاً من أتباع الأمة لنهج أهل بيت العصمة والطهارة والوحي والتنزيل عليهم السلام في التصدي للظلم والزور والنفاق والتزوير والاستعمار والكذب والدجل والقمع والاضطهاد والدعوة للفسق والفجور وعبادة الأوثان كما كانت على عهد الجاهلية الأولى؛ واكتساح مكتب المقاومة في كل الميادين مما يعكر أجواء عروشهم ويزعزع سلطتهم وإفلاسهم من العبث في مقدرات الأمم وثرواتها ومعتقداتها.. آيات قرآنية مباركة وأحاديث نبوية شريفة كثيرة تؤكد على وجود الامام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف وانه حيّ يرزق وقادم لا محالة لانقاذ البشرية جمعاء من الظلم والطغيان والجبروت والعنف والتزييف والتزوير والتحريف والنهب والدمار واستباحة المحرمات وانتهاك المقدسات وإعادة المجتمع الى النور والعلم والحكمة والحنكة والتعقل والتدبر والتعاون والتفاهم والأخلاق الحسنة ووحدة الكلمة التي جاء بها جده خاتم المرسلين ورحمة للعالمين الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم.
كتب الحديث بأخبار ظهور المهدي الموعود منقذ البشرية من براثن الشرك والجهالة، أكدت وفي أكثر من 130 مصدراً لكبار علماء ورواة ومؤرخي العامة قبل الخاصة أن مولده كان في ليلة النصف من شهر شعبان سنة 255 للهجرة بمدينة سامراء في العراق.. أعيد ذكر البعض من تلك المصادر ومنهم: أبن الاثير الجزري عز الدين “الكامل في التاريخ”، وأبن خلكان “وفيات الاعيان”، والذهبي في “العبر من خبر من غبر”3/ 31، و”تاريخ دولة الاسلام”، و”سيرة اعلام النبلاء” 13/ 119، وأبن الوردي في ذيل تتمة المختصر المعروف بـ”تاريخ ابن الوردي”، وأحمد بن حجر الهيثمي الشافعي “الصواعق المحرقة” ص 313، والشبراوي الشافعي “الاتحاف بحب الاشراف” ص 68، ومؤمن بن حسن الشبلنجي “نور الابصار” ص 186، وخير الدين الذكلي “الاعلام” ح6 ص 80، والجويني الحموئي الشافعي “فرائد السمطين” 2 / 337، وابن الصباغ “الفصول المهمة” ص237 - الباب 12، والامام محمد بن يوسف أبو عبد الله الكَنجي الشافعي “كفاية الطالب”، ومحمد بن طلحة الحلبي الشافعي “مطالب السؤول في مناقب آل الرسول” 79:2 الباب 12، وعبد الوهاب بن احمد الشعراني الشافعي "اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر"، والملا على بن حسام الدين الهندي “البرهان في علامات مهدي آخر الزمان” و”تلخيص البيان في علامات مهدي آخر الزمان”، ومحيي الدين بن العربي “الفتوحات المكية”، باب 366 المبحث 65، والحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي “العرف الوردي في أخبارالمهدي”، والامام ابن حجر الهيتمي المكي “القول المختصر في علامات المهدي المنتظر”، والملا على بن سلطان القاري الهروي “المشرب الوردي في مذهب المهدي”، والشيخ مرعي بن يوسف الحنبلي “فوائد الفكر في الامام المهدي المنتظر”، وجلال الدين السيوطي في رسالته: إحياء الميت بفضائل أهل البيت"، وشمس الدين محمد بن طولون الحنفي مؤرخ دمشق “الائمة الاثنا عشر” ص 117، وأحمد بن يوسف ابو العباس القرماني الحنفي “اخبار الدول وآثار الاول” ص 353 الفصل 11، وسليمان بن ابراهيم المعروف بالقندوزي الحنفي “ينابيع المودة” ج3 /114 في اخر الباب 79، والامام عبد الرزاق بن هشام الصنعاني “المصنف” وقد أفرد باباً بعنوان (باب المهدي)، و... عشرات غيرهم لا يتسع المقال لذكرهم جميعاً.
"..هَل اِلَيكَ يَا بنَ اَحمَدَ سَبيلٌ فَتُلقى، هَل يَتَّصِلُ يَومُنا مِنكَ بِعِدَةٍ فَنَحظى، مَتى نَرِدُ مَناهِلَكَ الرَّوِيَّةَ فَنَروى، مَتى نَنتَقِعُ مِن عَذبِ مائِكَ فَقَد طالَ الصَّدى، مَتى نُغاديكَ وَنُراوِحُكَ فَنُقِرَّ عَيناً، مَتى تَرانا وَنَراكَ وَقَدْ نَشَرْتَ لِواءَ النَّصْرِ تُرى، أتَرانا نَحُفُّ بِكَ وَاَنْتَ تَاُمُّ الْمَلأ وَقَدْ مَلأْتَ الأرْضَ عَدْلاً وَأذَقْتَ أعْداءَكَ هَواناً وَعِقاباً، وَأبَرْتَ الْعُتاةَ وَجَحَدَت الْحَقِّ، وَقَطَعْتَ دابِرَ الْمُتَكَبِّرينَ، وَاجْتَثَثْتَ أصُولَ الظّالِمينَ...".
https://telegram.me/buratha