الدكتور فاضل حسن شريف
عن موسوعة الامام الخوئي للسيد أبوالقاسم الخوئي: أنّ الأعميّ كالصحيحي في عدم إمكان التمسك بالإطلاق عند الشك في اعتبار جزء أو قيد، وذلك لأنّ أدلة العبادات جميعاً من الكتاب والسنّة مجملة ولم يرد شيء منها في مقام البيان، فإذا كان المتكلم فيها في مقام الإهمال أو الإجمال، فلا يجوز التمسك باطلاقها، غاية الأمر أنّ عدم جواز التمسك على هذا القول من جهة واحدة وهي عدم ورود مطلقات العبادات في مقام البيان، بل إنّها جميعاً في مقام التشريع والجعل بلا نظر لها إلى خصوصيتها من الكمّية والكيفية. وعلى القول بالصحيح من ناحيتين: وهما عدم ورود المطلقات في مقام البيان وعدم تعلق الحكم بالجامع والمقسم، فالنتيجة عدم صحّة التمسك بالإطلاق على كلا القولين. والجواب عنه: مضافاً إلى أ نّه رجم بالغيب، فالمفهوم من كلمة الصيام عرفاً كف النفس عن الأكل والشرب، وهو معناه اللغوي، فالصيام بهذا المعنى كان ثابتاً في سائر الشرائع والأديان حيث لم يعتبر فيه سوى الكف عن الأكل والشرب عند تبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود. نعم، إنّ ذلك يختلف كيفيةً باختلاف الشرائع، ولكن كل ذلك الاختلاف يرجع إلى الخارج عن ماهية الصيام، بل قد يعتبر فيه كما في شرع الاسلام الكف عن عدّة اُمور اُخر أيضاً كالجماع والارتماس في الماء والكذب على اللَّه تعالى وعلى رسوله صلّى اللَّه عليه وآله وعلى الأئمة الأطهار عليهم السلام وإن لم يكن الكف عنها معتبراً في بقية الشرائع والأديان. وعلى ذلك فلو شككنا في اعتبار شيء في هذه الماهية قيداً، وعدم اعتباره كذلك، فلا مانع من أن نرجع إلى إطلاق قوله تعالى: "تِجَارةً عَن تَرَاضٍ" (النساء 29) وما شاكلهما، فكما أ نّه لا مانع من التمسك باطلاقهما في باب المعاملات عند الشك في اعتبار شيء فيها، فكذلك لا مانع من التمسك باطلاق هذه الآية المباركة في باب الصوم عند الشك في دخل شيء في صحّته شرعاً.
جاء في كتاب الاجتهاد والتقليد للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: ومن البديهي أن النظر إلى الاجنبية ولا سيما في مجامع الناس من العيوب، وكيف لا فانه معصية لله وان لم يتوعد عليه بالنار في الكتاب، فإذا لم يكن ساترا لعيبه لم تشمله الرواية في نفسها، وعلى الجملة الرواية بنفسها تدلنا على الاجتناب عن الصغائر معتبر في العدالة. لعدم صدق الساتر للعيوب مع ارتكاب الصغاير ومع عدمه لا طريق لنا إلى استكشاف اجتنابه عن الكبائر، لانه مع الاتيان بالصغيرة يحتمل أن يأتي بالكبيرة ايضا إذا استكشاف أن الرجل مجتنب عن الكبائر منحصر بما إذا ستر جميع عيوبه، فالرواية بنفسها يقتضى اعتبار الاجتناب عن كل من الصغيرة والكبيرة. الثاني: أن الصغائر مورد لعفو الله سبحانه وقد وعد العفو عنها على تقدير التجنب عن الكبائر وقال عزمن قائل: "إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ" (النساء 31) ومع الوعد بالعفو عن الصغيرة على التقدير المذكور كان ترك الكبائر كالتوبة مانعا عن العقاب، فلا يمكن أن يكون ارتكابها موجبا للفسق ومنافيا للعدالة. وذلك لان التوبة وهي رافعة للمعصية وعقابها فان التائب من ذنب كمن لاذنب له - لا تجتمع مع الفسق أي لا يضر معها المعصية بالعدالة، فما ظنك بالاجتناب عن الكبائر الذي دافع للمعصية والعقاب، لانه يوجب العفو من الابتداء فهو لا يجتمع مع الفسق، ولا تضر معه المعصية بالعدالة بطريق اولى، فان ارتفاع الفسق بالدفع اولى من ارتفاعه بالرفع، والعدالة تزول بالكبيرة وتعود بالتوبة، ولكنها لا تزول بالصغيرة من الابتداء. وفيه: أولا: منع التلازم بين العفو عن المعصية وعدم الفسق، فان الفسق كما اتضح في تفسير العدالة هو الخروج عن وظيفة العبودية والانحراف عن الجادة، والعفو عنه أمر آخر غير مانع عن كونه فسقا وانحرافا، فان لله سبحانه أن يعفو عن اعظم المعاصي تفضلا أو لشفاعة نبى أو وصى أو مؤمن أو لصدقة تصدق بها أو احسان صنعه أو لغير ذلك من اسباب العفو والغفران، إلا أن العفو عن أي وقد قدمنا انها ضعيفة السند وغير صالحة للاستدلال بها على شي.
عن كتاب البيان في تفسير القرآن للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: مناقشة ادعاء نسخ آية: ولعل القائل بالنسخ يتوهم فيقول: إن النهي عن القرب إلى الصلاة حالة السكر يقتضي أن يراد بالسكر ما لا يبلغ بالشخص إلى حد الغفلة عن التكاليف وامتثالها، وعدم الالتفات إليها. فإن الذي يصل به السكر إلى هذا الحد يكون تكليفه قبيحا، وعلى ذلك فإذا فرضنا أن شخصا شرب الخمر، وحصل له هذا المقدار من السكر فهو مكلف بالصلاة بالاجماع، وذلك يستلزم نسخ مفاد الاية. ولكن هذا القول توهم فاسد، فإن المراد بالسكر بقرينة قوله تعالى: "حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ" (النساء 43). هي المرتبة التي يفقد السكران معها الشعور، وهذا النهي قد يحمل على الحرمة التكليفية، ولا ينافيها فقد الشعور، لان إقامة الصلاة في ذلك الحال، وإن كانت غير مقدورة إلا أن فقده لشعوره هذا كان باختياره، والممتنع بالاختيار لا ينافي صحة العقاب عليه عقلا، فيصح تعلق النهي بها قبل أن يتناول المسكر باختياره، ومثل هذا كثير في الشريعة الاسلامية. وقد يراد من النهي: الارشاد إلى فساد الصلاة في هذا الحال كما هو الظاهر من مثل هذا التركيب، والامر على هذا الاحتمال واضح جدا، وعلى كل فلا سبب يوجب الالتزام بالنسخ في الاية.
جاء في شبكة المعارف الاسلامية عن الشفاعة عند المسلمين للسيد الخوئي قدس سره: تدل الايات المباركة على أن الله سبحانه هو الكافل بامور عبيده، وأنه الذي بيده الامر، يدبر شؤون عبده ويوجهه إلى كماله برحمته، وهو قريب منه، يسمع نداءه ويجيب دعاءه. وعلى هذا فليس لمخلوق أن يستشفع بمخلوق مثله، ويجعله واسطة بينه وبين ربه، ففي ذلك تبعيد للمسافة، بل وفيه إظهار للحاجة إلى غير الله وماذا يصنع محتاج بمحتاج مثله؟ وماذا ينتفع العاصي بشفاعة من لا ولاية له ولا سلطان؟ هذا كله إذا لم تكن الشفاعة بإذن من الله سبحانه، وأما إذا أذن الله بالشفاعة لاحد فإن الاستشفاع به يكون نحوا من الخضوع لله والتعبد له، ويستفاد من القرآن الكريم أن الله تعالى قد أذن لبعض عباده بالشفاعة، إلا أنه لم ينوه بذكرهم عدا الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم، فقد قال الله تعالى: "وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ 34: 23. "وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا" (النساء 64). والروايات الواردة عن النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم وعن أوصيائه الكرام عليهم السلام في هذا الموضوع متواترة.
https://telegram.me/buratha