الدكتور فاضل حسن شريف
عن كتاب التنقيح في شرح العروة الوثقى للمرجع الاعلى السيد ابو القاسم الخوئي قدس سره - الشيخ ميرزا علي الغروي: قوله تعالى "لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلاّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاض" (النساء 29) ولا بأس بالتمسّك بها في المقام ، بتقريب أنّ المراد بالأكل على ما تقدّم هو التملّك، فمعنى الآية لا تتملّكوا أموال الناس إلاّ بالتجارة عن تراض، ومن الظاهر أنّ التملّك بالرجوع ليس منها. ولا يفرق في صحّة الاستدلال بالآية بين أن يكون الاستثناء متّصلا كما هو الظاهر بأن يكون الباطل علّة فيكون معنى الآية لا تتملّكوا أموال الناس بسبب من الأسباب فإنّه باطل إلاّ أن يكون تجارة عن تراض، وبين أن يكون منقطعاً بأن يكون بالباطل قيداً . وفي بعض النسخ: (أنّ التوهّم المتقدّم جار هنا) والظاهر سقوط كلمة غير والصحيح غير جار هنا لأنّ الموضوع للجواز في هذه الآية هو تملّك مال الغير لا نفس مال الغير حتّى يقال إنّه غير محرز بعد الرجوع . هذا في الاستدلال بذيل الآية أعني المستثنى. واستدلّ الشيخ قدّس سرّه بصدر الآية أيضاً، بدعوى أنّ معناه النهي عن تملّك أموال الناس بالأسباب الباطلة عرفاً، ومن الواضح أنّ التملّك بالرجوع في المعاطاة تملّك بالباطل عرفاً. وفيه: أنّ الاستدلال مبني على أن يكون المراد بالباطل هو الباطل العرفي كي يصحّ دعوى إحراز أنّ التملّك بالرجوع باطل عرفي، ولكنّه فاسد، فإنّ الباطل كسائر الألفاظ ظاهر في الباطل الواقعي، فإذا شكّ في مورد أنّه من الباطل أو الحقّ كما في المقام أعني الرجوع بعد المعاطاة، لا يجوز التمسّك بالآية، لأنّه تمسّك في الشبهة المصداقية.
جاء في كتاب مصباح الفقاهة للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: أن المعاصي كلها كبيرة وان كان بعضها اكبر من بعضها الاخر، كالشرك بالله العظيم، فانه من اعظم المعاصي، وقتل النفوس المحترمة، فانه اعظم من بقية الذنوب، وهكذا، وانما اطلقت الكبيرة عليها بالتشكيك على اختلاف مراتبها شدة وضعفا. وعليه فلا وجه للنزاع في ان الغيبة من الكبائر ام من الصغائر، وقد اختار هذا الرأي جمع من الاصحاب، بل ظاهر ابن ادريس في كتاب الشهادة من السرائر دعوى الاجماع عليه، فانه بعد ما نقل كلام الشيخ في المبسوط الظاهر في ان الذنوب على قسمين صغائر وكبائر قال: وهذا القول لم يذهب إليه رحمه الله الا في هذا الكتاب اعني المبسوط ولاذهب إليه احد من الاصحاب، لانه لا صغائر عندنا في المعاصي الا بالاضافة الى غيرها. ومن هنا يتضح ان الاخبار الواردة في عد الكبائر انما هي مسوقة لبيان عظمها بين سائر الذنوب، لحصر المعاصي الكبيرة بالامور المذكورة، وعليه يحمل قوله تعالى: "ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم" (النساء 35). ومع الاغضاء عما ذكرناه فلا ثمرة للنزاع في الفرق بين الكبائر والصغائر، فان الذنوب كلها تضر بالعدالة وتنافيها، فان العدالة هي الاعتدال في الدين والاستقامة على طريقة سيد المرسلين، وارتكاب أية معصية وان كانت صغيرة يوجب الانحراف في الدين والخروج عن الصراط المستقيم لكون ذلك هتكا للمولى وجرأة عليه، كما ان الخروج عن الطرق التكوينية انحراف عنها. ولو سلمنا ان الصغائر لا تنافي العدالة الا أن الغيبة من الكبائر، فان الكبيرة ليست لها حقيقة شرعية لنبحث فيها، بل المراد بها هو معناها اللغوي، وهو الذنب العظيم عند الشارع، ويعرف عظمه تارة بالنص على كونه من الكبائر كالشرك والزناء وقتل النفس المحترمة وغيرها من الكبائر المنصوصة، واخرى بالتوعد عليه في الكتاب أو السنة المعتبرة، وثالثة بترتيب آثار الكبيرة عليه، ورابعة بالقياس الى ما ثبت كونه من الكبائر الموبقة، وقد ثبت في السنة المعتبرة التوعيد على الغيبة فتكون من الكبائر. وتدل على ذلك ايضا الروايات الدالة على أن الخيانة من الكبائر، وبديهي ان الغيبة من اعظم الخيانات، ويدل على كون الغيبة من الخيانة قول النبي صلى الله عليه وآله في وصيته لابي ذر: يا أبا ذر المجالس بالامانة وافشاء سر أخيك خيانة فاجتنب ذلك، واجتنب مجلس العشرة، ولكنها ضعيفة السند. وقد يستدل ايضا على كون الغيبة كبيرة بالروايات الدالة على أن الغيبة اشد من الزناء، وهو من الكبائر، فالغيبة اولى منه بأن تكون كبيرة.
عن كتاب البيان في تفسير القرآن للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: مناقشة ادعاء نسخ آية: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ" (النساء 43). فقد ذهب أكثر العلماء إلى أنها منسوخة ولكن وقع الكلام في ناسخها فعن قتادة ومجاهد أنها منسوخة بتحريم الخمر. وحكي هذا القول عن الحسن أيضا، وعن ابن عباس أنها منسوخة. وكلا هذين القولين ظاهر الفساد: أما القول الاول: فلان الاية الكريمة لا دلالة فيها على جواز شرب الخمر بوجه، وإن فرض أن تحريم الخمر لم يكن في زمان نزول الاية، فالاية لا تعرض لها لحكم الخمر رخصة أو تحريما. على أن هذا مجرد فرض لا وقوع له، ففي رواية ابن عمر: نزلت في الخمر ثلاث آيات منها هذه الاية: "لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ" (النساء 43). وروى نحو ذلك أبو هريرة. وروى أبو ميسرة عن عمر بن الخطاب قال: لما نزل تحريم الخمر، قال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أقام الصلاة نادى: لا يقربن الصلاة سكران. وأما القول الثاني: فلان وجوب الوضوء عند القيام إلى الصلاة لا مساس له بمضمون الاية الكريمة ليكون ناسخا لها.
وعن كتاب البيان في تفسير القرآن للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: فإن للقرآن في أنظمته وتعاليمه مسلكا يتمشى مع البراهين الواضحة، وحكم العقل السليم، فقد سلك سبيل العدل، وتجنب عن طرفي الافراط والتفريط. فتراه في فاتحة الكتاب يطلب عن لسان البشر من الله الهداية إلى الصراط المستقيم. وقد أمر القرآن بالعدل وسلوك الجادة الوسطى في كثير من آياته. فقال : "إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ" (النساء 58).
https://telegram.me/buratha