الدكتور فاضل حسن شريف
تكملة للحلقة السابقة قال الله جل جلاله عن البطن ومشتقاتها "وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً ۖ نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ" ﴿المؤمنون 21﴾ بُطُونِهَا: بُطُونِ اسم، هَا ضمير، مما في بطونها: اللبن، وإن لكم أيها الناس في الإبل والبقر والغنم لَعبرة تعتبرون بخلقها، نسقيكم مما في بطونها من اللبن، ولكم فيها منافع أخرى كثيرة كالصوف والجلود، ونحوهما، ومنها تأكلون، و "وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ ۖ فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ ۚ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" ﴿النور 45﴾ فمنهم من يمشي على بطنه: كالحيات والهوام، والله تعالى خلق كل ما يدِب على الأرض مِن ماء، فالماء أصل خلقه، فمن هذه الدواب: مَن يمشي زحفًا على بطنه كالحيَّات ونحوها، ومنهم مَن يمشي على رجلين كالإنسان، ومنهم من يمشي على أربع كالبهائم ونحوها، و "فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ" ﴿الصافات 66﴾ إنها شجرة تنبت في قعر جهنم، ثمرها قبيح المنظر كأنه رؤوس الشياطين، فإذا كانت كذلك فلا تَسْألْ بعد هذا عن طعمها، فإن المشركين لآكلون من تلك الشجرة فمالئون منها بطونهم، و "لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ" ﴿الصافات 144﴾ للبث في بطنه إلى يوم يبعثون: لصار بطن الحوت قبرا له إلى يوم القيامة، فلولا ما تقدَّم له من كثرة العبادة والعمل الصالح قبل وقوعه في بطن الحوت، وتسبيحه، وهو في بطن الحوت بقوله: "لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ" (الانبياء 87)، لمكث في بطن الحوت، وصار له قبرًا إلى يوم القيامة، و "خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ۚ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ ۖ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ" ﴿الزمر 6﴾ يخلقكم في بطون أمهاتكم طورًا بعد طور من الخلق في ظلمات البطن، والرحم، والمَشِيمَة، ذلكم الله الذي خلق هذه الأشياء، و "كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ" ﴿الدخان 45﴾ ثمر شجرة الزقوم كالمَعْدِن المذاب يغلي في بطون المشركين، كغلي الماء الذي بلغ الغاية في الحرارة، و "وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا" ﴿الفتح 24﴾ بِبَطْنِ: بِ حرف جر، بَطْنِ اسم، بِبَطْنِ مَكَّةَ: بالحديبية قرب مكة، وهو الذي كفَّ أيدي المشركين عنكم، وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد ما قَدَرْتم عليهم، فصاروا تحت سلطانكم، و "الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ۚ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ۖ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ" ﴿النجم 32﴾ هو أعلم بأحوالكم حين خلق أباكم آدم من تراب، وحين أنتم أجنَّة في بطون أمهاتكم، فلا تزكُّوا أنفسكم فتمدحوها وتَصِفُوها بالتقوى، و "فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ" ﴿الواقعة 53﴾ ثم إنكم أيها الضالون عن طريق الهدى المكذبون بوعيد الله ووعده، لآكلون من شجر من زقوم، وهو من أقبح الشجر، فمالئون منها بطونكم، لشدة الجوع.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: و مع إنّنا نجد روايات عديدة تفسّر كلمة النّور على أنّها إشارة إلى الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السّلام أو الأئمّة الإثني عشر عليهم السّلام جميعهم، لكن الواضح هو أنّ هذا التّفسير يعتبر من باب بيان بواطن الآيات، لأنّنا كما نعلم أنّ للآيات القرآنية، بالإضافة إلى معانيها الظاهرية. معان باطنية يعبّر عنها ببواطن القرآن أو بطون القرآن، و دليل قولنا هذا أنّ الأئمّة عليهم السّلام لم يكن لهم وجود في زمن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لكي يدعو القرآن أهل الكتاب للإيمان بهم.
جاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: قوله تعالى "فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ" (الصافات 143-144) عده من المسبحين وهم الذين تكرر منهم التسبيح وتمكن منهم حتى صار وصفا لهم يدل على دوام تلبسه زمانا بالتسبيح. قيل : أي من المسبحين قبل التقام الحوت إياه ، وقيل: بل في بطن الحوت، وقيل: أي كان من المسبحين قبل التقام الحوت وفي بطنه. والذي حكي من تسبيحه في كلامه تعالى قوله في سورة الأنبياء "فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ" (الانبياء 87) ولازم ذلك أن يكون من المسبحين في بطن الحوت خاصة أو فيه وفيما قبله فاحتمال كون المراد تسبيحه قبل التقام الحوت مرجوح لا ينبغي أن يصار إليه. على أن تسبيحه مع اعترافه بالظلم في قوله "سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ" (الانبياء 87) على ما سيجيء تسبيح له تعالى عما كان يشعر به فعله من ترك قومه وذهابه على وجهه، وقوله "فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ" (الصافات 143) يدل على أن تسبيحه كان هو السبب المستدعي لنجاته، ولازم ذلك أن يكون إنما ابتلي بما ابتلي به لينزهه تعالى فينجو بذلك من الغم الذي ساقه إليه فعله إلى ساحة العافية. وبذلك يظهر أن العناية في الكلام إنما هي بتسبيحه في بطن الحوت خاصة فخير الأقوال الثلاثة أوسطها. وبذلك يظهر أن المراد بقوله "لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ" (الصافات 144) تأبيد مكثه في بطنه إلى أن يبعث فيخرج منه كالقبر الذي يقبر فيه الإنسان ويلبث فيه حتى يبعث فيخرج منه قال تعالى "مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى" (طه 55). ولا دلالة في الآية على كونه عليهالسلام على تقدير اللبث حيا في بطن الحوت إلى يوم يبعثون أو ميتا وبطنه قبره مع بقاء بدنه وبقاء جسد الحوت على حالهما أو بنحو آخر فلا مساغ لاختلافهم في كونه عليه السلام حيا على هذا التقدير أو ميتا وبطنه قبره، وأن المراد بيوم يبعثون النفخة الأولى التي فيها يموت الخلائق أو النفخة الثانية أو التأجيل بيوم القيامة كناية عن طول اللبث.
باطن أعم استخداما من جوف الذي فيه خصوصية "مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ" (الاحزاب 4) جَوْفِهِ: جَوْفِ اسم، الهاء ضمير، ما جعل الله لأحد من البشر من قلبين في صدره. وعند تخصيص مادة معينة في باطن الارض فنقول في جوف الارض كما في المياه الجوفية وليس المياه الباطنية كون باطن الارض تحوي كنوز عديدة كالماء والنفط والمعادن.والمجوف اي الشي الذي في داخله فراغ كما يقال كسر الشئ اليابس والمجوف يسمى هشيم. والكلام الاجوف اي الفارغ. والتشكيلات المجوفة مثل الانابيب والمواسير.
https://telegram.me/buratha