الصفحة الإسلامية

المرجع السيد أبو القاسم الخوئي و شهر رمضان والصيام (ح 3)


الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في موسوعة الامام الخوئي للسيد أبوالقاسم الخوئي: أنّ المراد من الدلوك: وسط النهار، كما صرّح به في صحيحة حمّاد الواردة في تفسير الصلاة الوسطى من أنّ المراد بها صلاة الظهر التي هي في وسط النهار، أو باعتبار توسّطها بين الفجر والعصر. ولا شك في تحقّق الدلوك بهذا المعنى بالإضافة إليه، ضرورة انّا لو قسّمنا نهاره إلى قسمين‌ فبعد مضيّ النصف الأوّل وهو ثلاثة أشهر يتحقّق وسط النهار بطبيعة الحال، ويفرض معه الزوال المأخوذ موضوعاً لوجوب الظهرين. و ثانياً: بالالتزام بتحقّق الدلوك في المقام أيضاً حتّى بمعناه المعهود، إذ لا يعتبر فيه زوال الشمس عن قمّة الرأس وميلها عن كبد السماء، لعدم نهوض أيّ دليل عليه من رواية أو غيرها، بل معنى الدلوك: أخذ الشمس في الهبوط والاقتراب من الأُفق بعد نهاية الارتفاع والابتعاد عنه. و هذا كما ترى معنى عام يجتمع مع الحركة الرحويّة كغيرها، إذ فيها أيضاً تقترب من الأُفق بعد انتهاء البعد كالنزول من الجبل بعد الصعود عليه، وإن لم يكن زواله عن قمّة الرأس كما هو موجود عندنا. و كيفما كان، فلا تمكن المساعدة على شي‌ء من الوجوه الأربعة التي احتملها في المتن، لخروجها بأجمعها عن مقتضى الصناعة. أمّا التبعيّة للبلدان المتعارفة المتوسطة فلا مقتضي لها بعد التصريح في جملة من الروايات بقوله عليه السلام: (إنّما عليك مشرقك ومغربك) فلا عبرة بمشرق بلد آخر ولا بمغربه، كما لا اعتبار بفجره ولا بزواله. و منه يظهر ضعف التبعيّة للبلد الذي كان يسكن فيه، إذ لا عبرة به بعد الانتقال إلى بلد آخر له مشرق ومغرب آخر، ولا سيّما وقد تبدّل طبعاً تكليفه في الطريق بمشرق ومغرب آخر، فما هو الموجب بعدئذٍ للرجوع إلى مشرق بلده ومغربه؟ وأمّا احتمال سقوط الصوم وحده أو هو مع الصلوات فهو أيضاً منافٍ لإطلاقات الأدلّة من الكتاب والسنّة الناطقة بوجوب الصلاة وكذلك الصيام‌ لكافّة الأنام عدا ما استثني من المسافر والمريض ونحوهما غير المنطبق على المقام، قال سبحانه وتعالى‌ "إِنَّ اَلصَّلاََةَ كََانَتْ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ كِتََاباً مَوْقُوتاً" (النساء 103)، وقال سبحانه‌ "اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاََةَ" (المائدة 55) (الانفال 3) (النمل 3) (لقمان 4)، وقال تعالى‌ "كُتِبَ عَلَيْكُمُ اَلصِّيََامُ " (البقرة 183)، وقال تعالى‌ "فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ اَلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ" (البقرة 185). و النصوص المتواترة قد أطبقت على وجوبهما على سبيل الإطلاق وعلى كلّ مكلّف، كحديث بناء الإسلام على الخمس‌}، وأنّ الصلاة بمنزلة الروح، وأنّ من صلّى خمساً كمن غسل بدنه في كلّ يوم خمساً لا يبقى فيه شي‌ء من القذارات. و الحاصل: أنّ وجوبهما على كلّ أحد في كلّ وقت بحيث لا يسعه التفويت والتضييع بوجه من الوجوه أمرٌ مقطوع به لا تكاد تختلجه شائبة الإشكال. و من البيّن أنّ المكث والبقاء في أحد القطبين الخاليين عن ليل ونهار متعارف من أحد موجبات التضييع والتفويت، إذ لا تتيسّر معه الصلاة والصيام على النهج المقرّر شرعاً بعد عدم الدليل على التبعيّة لسائر البلدان المتعارفة حسبما عرفت. و منه تعرف أنّ مقتضى الصناعة حرمة البقاء في تلك المواطن ووجوب الهجرة إلى المناطق المتعارفة مقدّمةً للإتيان بتلك الواجبات وعدم الإخلال بها.

عن كتاب الصوم للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: ونقل عن مجمع البيان قوله: "وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ" (البقرة 184) يعني من الافطار والفدية. ولا يبعد استظهار ذلك من عبارة الماتن قدس سره أيضا حيث عبر بعد قوله: وردت الرخصة بقوله: بل قد يجب فكان الافطار لم يكن واجبا مطلقا وانما هو حكم ترخيصي ربما يصير واجبا كما لو استلزم الصوم ضررا محرما. ويشهد له ذيل عبارته أيضا حيث قال: فيجوز لهما الافطار. وكيفما كان فهذا القول الذي صرح به في الحدائق من التخيير بين الصيام والفداء لا يمكن المصير إليه بوجه لكونه على خلاف ظاهر الآية الكريمة جزما، فان في العدول من الخطاب في قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ " (البقرة 183) إلى الغيبة في قوله سبحانه: "وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ" (البقرة 184) دلالة واضحة على أن المراد من المعدول إليه طائفة أخرى غير المخاطبين بالصيام المنقسمين إلى صحيح حاضر ومريض أو مسافر، وان الصوم وظيفة لغير هؤلاء حسبما تقدم. وعليه فالعود ثانيا إلى الخطاب في قوله تعالى: "وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ" (البقرة 184) كاشف عن رجوع هذه الفقرة إلى من خوطب أولا وكونه من متممات الخطاب السابق لا من متممات الغيبة المعدول إليها، وإلا لكان مقتضى السياق التعبير بلسان الغيبة أيضا بان يقال هكذا: (وان يصوموا خير لهم) بدل قوله سبحانه: "وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ" (البقرة 184). وكأنه سبحانه وتعالى أشار بذلك إلى ان التكليف بالصيام اداء أو قضاء يعود نفعه وفائدته اليكم لا إليه سبحانه الذي هو غني عن عباده. وعلى الجملة فهذه الفقرة تأكيد للخطاب السابق ومن ملحقاته، ولا علاقة ولا ارتباط لها بالجملة الغيابية المتخللة ما بين الخطابين لتدل على الترخيص وجواز الصيام فضلا عن أفضليته. إذا فالتكليف بالفداء في قوله تعالى: "وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ" (البقرة 184) الظاهر في الوجوب التعييني لا معدل عنه ولا محيص من الاخذ به بعد عدم اقترانه بما يوجب رفع اليد عنه وسلامته عن المعارض، فلا يصح الصوم من هؤلاء بتاتا، لان الموظف به اداء أو قضاء غيرهم حسبما عرفت.

جاء في موسوعة الامام الخوئي للسيد أبوالقاسم الخوئي: و على الجملة: فكراهة البطلان كاستحباب البطلان لا يرجع إلى محصّل ولا يساعده الفهم العرفي بوجه، إذن لا محيص عن الإذعان باستقرار المعارضة بين‌ هذه الموثّقة وبين النصوص المتقدّمة. و حينئذٍ، فإن قلنا بأنّ الطائفة المانعة روايات مستفيضة مشهورة بحيث يُعلَم أو يُطمَأن بصدور بعضها عن الإمام عليه السلام و لو إجمالاً، وهذه رواية شاذّة لا تنهض للمقاومة معها، فتطرح بطبيعة الحال. و إن أغمضنا عن ذلك فلا محالة تصل النوبة إلى الترجيح، الذي هو منحصر في الترجيح بموافقة الكتاب أو مخالفة العامّة. أمّا الكتاب: فلدى عرضهما عليه لم نجد فيه شاهداً لشي‌ء منهما، بل لم يذكر فيه من أحكام الصوم إلّا الشي‌ء اليسير، كالاجتناب عن الأكل والشرب بمقتضى قوله تعالى‌ "كُلُوا وَ اِشْرَبُوا حَتََّى يَتَبَيَّنَ" (البقرة 187)، وعن النساء بمقتضى قوله تعالى‌ "أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ اَلصِّيََامِ اَلرَّفَثُ" (البقرة 187)، وأمّا غير ذلك ومنه الارتماس فليس فيه منه عين ولا أثر. و أمّا العامّة: فالذي يظهر منهم كما في الفقه على المذاهب الأربعة أنّ أحداً منهم لم يقل بالبطلان. نعم، الحنابلة منهم ذهبوا إلى الكراهة إذا لم يكن الارتماس للتبريد أو للغسل‌. و هذا هو المناسب لقوله عليه السلام في الموثقة: و لا يعودن أي أنّه لا يبطل، ولذا لا قضاء عليه، ولكن لا يعودنّ إلى ذلك لمكان الكراهة. إذن فتكون الموثّقة موافقة لهم فتُحمَل على التقيّة وتُطرَح، لأنّ الرشد في خلافهم، ويكون الرجحان للطائفة المانعة. و يكفي فيه رمس الرأس فيه و إن كان سائر البدن خارجاً عنه، من غير فرق بين أن يكون رمسه دفعةً أو تدريجاً على وجهٍ يكون تمامه تحت الماء زماناً، وأمّا لو غمسه على التعاقب لا على هذا الوجه فلا بأس به وأن استغرقه.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك