الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في موقع شبكة فجر الثقافية عن الاختلاف والوحدة في نظر القرآن الكريم (2) للسيد محمد باقر الحكيم: وقد شرع الإسلام الدعوة إلى الله والبلاغ بالهدى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله لمواجهة هذه الأنواع من الاختلافات بحسب مستوياتها وطبائعها، كما تنص على ذلك الآيات الكريمة الكثيرة منها "الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ" (الحج 41) و "وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ" (الحج 78). وقد أكد القرآن الكريم أن الله سبحانه وتعالى من أجل تنبيه الناس ووعظهم في الحياة الدنيا، وللقضاء على أسباب الاختلاف وفتح طريق التكامل أمام مسيرة البشرية على المستوى الفردي والجماعي وضع قانونين آخرين: أحدهما: قانون الاستغفار والتوبة والإنابة والعفو، ليكون أمام الإنسان فرصة الرجوع عن أخطائه وذنوبه، حيث يتكامل بهذه التوبة، ويتفضل عليه الله عز وجل بالمغفرة. ثانيهما: قانون الانتقام الدنيوي للجماعات عندما تتفاقم حالة الانحراف، وتتزايد الذنوب والجرائم والسيئات، ليكون هذا الانتقام عبرة للأجيال القادمة والأمم الآتية.
عن المجتمع الانساني في القرآن الكريم للشهيد السيد محمد باقر الحكيم قدس سره: وأمـا لو أردنـا أن نـنظر إلى مبررات الاستخلاف على مستوى آيات الاستخلاف كلها، فقد نرى أمامنا صورة ثالثة أكثر وضوحاً وتفصيلاً، وعناصر تبين مبررات هذه الخلافة. وهذه الصورة هي: أن الله سبحانه وتعالى خـلق الإنسان وميزه بميزات على بقية المخلوقات في أصل خلقته وهذه الميزات هي: العلم، والعقل، والإرادة، حيث أودع فيه من المواهب والقابليات ما يمكنه من التكامل في المصير إلى الله تعالى بواسطة هذا العـلم والعـقل والإرادة، وبالتوفيق والهدى الإلهي، ما يصل به إلى قاب قوسين أو أدنى في القرب من الله تعالى. فالعلم: الذي يهدي الإنسان إلى الحق والإيمان بالله تعالى، ومعرفة هذا الوجود في مبدئه ومنتهاه، ومعرفة رسـل الله ورسـالاته وحقوق الله على عباده، من شكر النعم والتزام الطاعة والوفاء بالعهد والميثاق، وهو: ما يسمي بالعقل النظري. وقد ركز هذا المقطع الشريف من القـرآن الكـريم على خصوصية العلم ودوره في هـذا الامـتياز، وفي معالجة السؤال الذي أثاره الملائكة، حول جعل الله تعالى للإنسان خليفة في الأرض، مع أنّه يـتصف بـالخصائص الأخرى التي اتصف بـها الإنـسان. والعقل: الذي يمكن الإنسان من تمييز المصالح والمفاسد، ويعطيه القدرة على إدراك الأشياء وتمييزها، فبالعقل يدرك الخير، والشر، والصلاح، والفساد، والحسن، والقبيح. كما أنّه هو الذي يعطى الإنسان القدرة على تسخير المـوجودات التي خلقها الله تعالى، حول هذا الإنسان ومكنه منها بالعقل. كما أنّه بالعقل يثاب الإنسان ويعاقب، وبه يعبد الإنسان الله تعالى، وهو الذي يوصله إلى تقوى الله تعالى، والاعتصام بحبله، وإدراك سبل النجاة، واجتناب طرق الهـلاك. فـهو الهداية الذاتـية التي أودعها الله تعالى في الإنسان، واستحق بها هذه الخلافة في الأرض. وهذا هو ما يسمى بالعقل العـملي والفطرة الإنسانية السليمة. وهذا العقل هو جانب من النفخة الإلهية التي أودعـها الله تـعالى في الإنسان، عندما خلقه وأمر الملائكة بالسجود له، كما أن العلم الذي تحدث عنه هذا المقطع الشريف، وغيره مـن الآيـات. قال تعالى: "أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور" (الحج 46) ويبدو من القرآن الكريم أن هناك علاقة بين العلم والعقل تتمثل في أن العقل والفهم والفقه من صفات العلم، ومن آثار ونـتائجه.
جاء في علوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم: السيرة الواضحة والمتواترة للأئمة عليهم السلام في تعليمهم المسلمين في أن يأخذوا من القرآن الكريم مباشرة. فقد ورد في كثير من أحاديث الأئمة عليهم السلام استشهادهم على الاحكام التي يصدرونها بآية قرآنية، مما يدل على إمكانية فهم هذا الحكم وبشكل مباشر من الآية القرآنية، إذ لو كان النص القرآني مغلقا لما كان لهذا الاستشهاد معنى، ولكان على الإمام عليه السلام ان يقول: أنا أفهم من الآية هكذا فقد ورد عن أبي عبد الله عليه السلام مثلا: (يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عز وجل) "وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ" (الحج 78). فقد استشهد الإمام عليه السلام بهذه الآية في مقام استنباط حكم شرعي من قاعدة كلية وهي قاعدة لا حرج. وقد علم الإمام عليه السلام السائل كيف يستنبط هذا الحكم من تلك القاعدة الكلية. وهذا معناه أن الآية المباركة: "وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ" (الحج 78) يمكن أن يفهمها هذا الانسان وبشكل مباشر، مما يدل على صحة فهم المعنى من النص القرآني مباشرة، وان اعتمد على جهد الباحث. وخلاصة القول: أن التفسير بالرأي المنهي عنه قد يشتمل على أحد الاحتمالات الثلاثة المذكورة سابقا، وليس لهذا علاقة بقضية التدبر في القرآن وفهم معانيه، والتي تؤدي بالانسان إلى الهداية والى الصراط المستقيم، الامر الذي أمر القرآن الكريم نفسه بهذا التدبر، كما قرأناه في الآيات السابقة.
https://telegram.me/buratha