الدكتور فاضل حسن شريف
عن موقع شبكة فجر الثقافية عن الاختلاف و الوحدة في نظر القرآن الكريم (4) للسيد محمد باقر الحكيم: التأكيد على وحدة الرسل والرسالات. فالأنبياء وما جاءوا به من الوحي إنما هو مصدر واحد، وهو: الله سبحانه وتعالى، وهم يتحملون مسؤولية من نوع واحد، وهي: مسؤولية إبلاغ رسالات الله، وإصلاح البشر، ودعوتهم إلى الخير والهدى والصلاح، وتحذيرهم من الشر والضلال والفساد، وكذلك قيامهم بين الناس بالعدل والقسط، وحل الاختلاف بالحق من خلال الحكم الإلهي، لا بالهوى والميول والرغبات. وقد أكد القرآن الكريم هذه الوحدة بأساليب متعددة. يصرح بها من خلال استعراض مسيرة الأنبياء ودعواتهم. وبعد استعراض مسيرة مجموعة من الرسل، حيث جاء قوله تعالى: "يا أيها الرسل كلوا من الطيبات وأعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم * وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون" (المؤمنون 51-52). وأخرى بأسلوب تأكيد وحدة مضمون دعوة الأنبياء المتعددين عند استعراض رسالتهم إلى أقوامهم.
جاء في علوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم: خلق القاعدة الثورية: إن عملية التغيير الاجتماعي الجذري تحتاج أيضا بطبيعة الحال إلى خلق القاعدة الثورية التي تمثل البعد الثالث للهدف، ولعل هذا هو المراد بما أشير إليه في عدة آيات من القرآن الكريم بالتزكية "ويزكيهم". ولذلك سعى القرآن الكريم إلى خلق هذه القاعدة الثورية، وأعطى ذلك أهمية خاصة، واهتم بمعالجة القضايا الآنية والمستجدة التي يعيشها الرسول بشكل خاص، وتابع الاحداث التي كانت تواجه الرسالة، واتخذ المواقف تجاهها ليحقق هذا الهدف العظيم. ومن الواضح أن خلق هذه القاعدة وتكوينها في الوقت الذي يمثل مهمة صعبة وبالغة التعقيد، كذلك يمثل دورا ذا أهمية في مستقبل الرسالة وقدرتها على البقاء والاستمرار، إضافة إلى قدرتها على الشمول والانتشار. فإضافة إلى البعد الكيفي في عملية التغيير التي استهدفها القرآن، كان هناك بعد كمي في الهدف يتوخى بشكل خاص أن يقوم النبي ببناء القاعدة للرسالة بحيث يمكن لهذه الرسالة بعد ذلك أي بعد وفاة الرسول وانقطاع الوحي أن تستمر وتنتشر من خلال هذه القاعدة التي أولاها القرآن الكريم أهمية خاصة، وأعطاها قسطا كبيرا وحظا وافرا، كما نلاحظ ذلك في مجمل الآيات التي تناولت الاحداث ي عصر الرسالة وتفصيلاتها، وكذلك بعض التقاليد والعادات والقوانين، إضافة إلى عنصر اللغة وأساليبها في القرآن. فهناك توجه خاص في القرآن الكريم إلى سكان الجزيرة العربية من أجل أن يخلق منهم القاعدة الثورية للانطلاق بالرسالة. وهذا التوجه الخاص ليس على أساس وجود الامتياز لأبناء الجزيرة على غيرهم من البشر، وانما هو على أساس تحقيق الهدف الكمي المرحلي للرسالة الاسلامية، باعتبارهم مجال عمل النبي والجماعة التي بدأت الرسالة فيها. وفي مجال آخر يؤكد القرآن استمرار مسيرة التغيير نحو الأصلح ووراثة عباد الله الصالحين للأرض: "إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد" (المؤمنون 51).
جاء في علوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم: إن القسم المكي لم يتناول أيضا الأدلة والبراهين على العقيدة وأصولها، على خلاف القسم المدني، وهذا تعبير آخر أيضا عن تأثر القرآن بالظروف الاجتماعية والبيئية، إذ عجزت الظاهرة القرآنية بنظر هؤلاء عن تناول هذا الجانب الذي يدل على عمق النظر في الحقائق الكونية، عندما كان يعيش محمد صلى الله عليه وآله في مكة مجتمع الأميين، بينما ارتفع مستوى القرآن في هذا الجانب عندما أخذ محمد صلى الله عليه وآله يعيش إلى جانب أهل الكتاب في المدينة، وذلك نتيجة لتأثره بهم لانهم أصحاب فكر وفلسفة ومعرفة بالديانات السماوية، ولتطور الظاهرة القرآنية نفسها أيضا. وتناقش هذه الشبهة من وجهين: الأول: أن القسم المكي لم يخل من الأدلة والبراهين "ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون" (المؤمنون 91). وبصدد الاستدلال على البعث والجزاء قوله تعالى: "أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد" (ق 15). وقوله تعالى: "أفحسبتم انما خلقناكم عبثا وانكم إلينا لا ترجعون" (المؤمنون 115).
جاء في موقع مؤسسة تراث الشهيد الحكيم عن مفهوم الامة في السياق القرآني للدكتور محمد جعفر العارضي: وردت لفظة «الأُمَّة» في القرآن الكريم في دلالتها الاجتماعية 56 مرة. وعلى الرغم من تعدد السياقات التي تحتوي هذه اللفظة، وكثرة تفريعاتها، ومن ثمَّ كثرة دلالاتها، الا إنَّنا نجد السيد محمد باقر الحكيم قدس سره قد أدار هذا التعدد السياقي وعالجه معالجة شاملة منتجة، وتناوله بلحاظ دلالته على البعد المعنوي و الفكري للجماعة البشرية. نعم لا يخلو التأسيس للأمَّة في المنظور القرآني من توخي الجوانب الفكرية والتربوية و المعنوية، و لعلي استطيع تقسيم هذا التناول على عدد من المحاور منها جماعة الانبياء. و هو ما خرجت الأُمَّة للدلالة عليه في سياق عدد من الآيات المباركة. و من ذلك قوله تعالى: المؤمنون: 52 مرتان "وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ" اشارت الآية الكريمة الى جماعات من الناس متعددة بحسب الواقع اللغوي و التأريخي و الشعوبي، و لكنها ترتبط فيما بينها بروابط فكرية و عقائدية و سلوكية، و اهداف سياسية و حركية، بحيث تعبر بمجموعها عن مجتمع كامل، و هذه الجماعات هي جماعة الانبياء عبر التأريخ الانساني التي كانت ترتبط فيما بينها برباط الايمان بالله تعالى و توحيده، و بالغيب و الوحي الالهي، و بالدعوة الى الاخلاق الفاضلة، و التكامل في السيرة الانسانية. و قريب من هذا اشارة الأُمَّة في هذا السياق الى ملة واحدة ينهل منها الانبياء عليهم السلام، فيأتي خطابهم الاصلاحي موحد الاهداف متعدد الادوار والمراحل.
https://telegram.me/buratha