الدكتور فاضل حسن شريف
يقول ابو طالب رضوان الله عليه في لاميته المعروفة: لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد * و أحببته حب الحبيب المواصل و جدت بنفسي دونه و حميته * و دارأت عنه بالذرى و الكلاكل فما زال في الدنيا جمالا * لأهلها و شينا لمن عادى و زين المحافل حليما رشيدا حازما غير طائش * يوالي إله الخلق ليس بماحل فأيده رب العباد بنصره * و أظهر دينا حقه غير باطل. اليس هذا الشعر دليل ايمانه؟ كان الوليد المخزومي له ولد وسيم وقوي اسمه عمارة طلبت قريش من أبي طالب استبداله بعمارة، فكان رد ابي طالب بقوله تريدون أن أعطيكم ولدي محمد لتقتلوه وتعطوني عمارة فلا يحصل ذلك أبدا. قال الله تعالى "فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ" (الحجر 94) كما قال ابو طالب في قصيدة له: والله لن يصلوا إليك بجمعهم * حتى أوسد في التراب دفينا فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة * وأبشر وقر بذاك منك عيونا. ويقول رضوان الله عليه: إذا اجتمعت يوما قريش لمفخر * فعبد مناف سرها وصميمها وإن حصلت أشراف عبد منافها * ففي هاشم أشرافها وقديمها وإن فخرت يوما فإن محمدا * هو المصطفى من سرها وكريمها. وكذلك قوله: ولقد علمت بأن دين محمد * من خير أديان البرية دينا. فهل بعد ذلك من يشك بايمان ابي طالب؟ حيث يعتقد باديان ابراهيم وموسى وعيسى عليه السلام ليكون خاتم الاديان دين محمد هو خير الأديان. فهل هذه الأقوال تدل على ايمانه أم شركه؟
عن شبكة المعارف الاسلامية لسماحة الشيخ اكرم بركات في مقالته ابو طالب مؤمن آل قريش: كيف نجمع بين الاعتقاد بطهارة آباء النبي صلى الله عليه وآله وقصّة آزر في القرآن الكريم، إذ قال تعالى: "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ" (الانعام 74) والجواب: إنَّ العرب كانوا يطلقون على العمّ صفة الأب، ولهذا شاهداً في القرآن الكريم، قال تعالى: "أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ" (البقرة 133) . فاسماعيل عليه السلام هو عمّ يعقوب عليه السلام وليس أباه، ومع ذلك شمله لفظ "آبائك". من الأصلاب الشامخة أولد عبد المطلب عبد الله والد النبيّ صلى الله عليه وآله، الذي تكفلّه عمّه أبو طالب (عمران)، الموحِّد لله تعالى منذ نعومة أظافره، فهو الذي طالما كان يسمعه أهل قريش ينطق بشعر التوحيد والعبودية لله تعالى، فيقول: مليك الناس ليس له شريك هو الوهّاب والمبدي المعيد ومَن فوقَ السماء له ملاك ومن تحت السماء له عبيد. وربّته فاطمة بنت أسد، التي قال عنها الرسول صلى الله عليه وآله بعد وفاتها: اللهم اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ولقّنها حجّتها، ووسّع عليها مدخلها. وقال صلى الله عليه وآله عنها (هذه المرأة كانت أمي بعد أمي التي ولدتني). في عمر 12 سنة أراد أبو طالب السفر في تجارة فأخذ معه محمّداً صلى الله عليه وآله فلما خرج معه أظلَّته الغمامة، ولقيه بحيراء الراهب فأخبره بنبوته. قال أبو طالب: إن ابن آمنة النبيّ محمداً عندي يفوق منازل الأولاد. قال في خطبته: (الحمد لله الذي جعلنا من ذريّة إبراهيم، وزرع إسماعيل، وجعل لنا بلداً حراماً وبيتاً محجوباً وجعلنا الحكام على الناس، ثم إنَّ محمد بن عبد الله أخي من لا يوازن به فتى من قريش إلا رجح عليه براً وفضلاً وحزماً وعقلاً ورأياً ونبلاً، و إن كان في المال قلٌّ، فإنما المال ظل زائل وعارية مسترجعة، وله في خديجة بنت خويلد رغبة، ولها فيه مثل ذلك، وما أحببتم من الصداق فعليَّ، وله والله بعدُ نبأٌ شائع وخطب جليل). روى ابن الأثير في النهاية: لمّا أراد النبيّ أن يتكلم اعترضه أبو لهب، فقال له أبو طالب رضي الله عنه: اسكت، ثم قال للنبيّ صلى الله عليه وآله: قمّ يا سيّدي، فتكلّم بما تحبّ، وبلِّغ رسالة ربِّك فإنك الصادق المصدِّق. وجاءت قريش تشكو محمداً صلى الله عليه وآله بأنه يؤذيها في الكعبة والديار، ويسمعهم ما يكرهون، فراجع أبو طالب النبي محمداً صلى الله عليه وآله، فأجابه صلى الله عليه وآله: (والله ما أنا بقادر أن أردَّ ما بعثني به ربي، ولو أن يشعل أحدهم من هذه الشمس ناراً)، فقال أبو طالب: والله ما كذب قط فارجعوا راشدين. بينما كان الرسول صلى الله عليه وآله في مناجاة ربّه يؤدي الصلاة جاء أحد المشركين عبد الله بن الزَّبعري ورمى عليه فرثَ ودم جزور، وعرف أبو طالب وجاء إلى أهل قريش الذين حاولوا الفرار من المجلس بعدما رأوا غضبه لكنّه سمَّرهم بقوله (والله لئن قام رجلٌ جلَّلته بسيفي). والتفت إلى محمد صلى الله عليه وآله: يا بني، من الفاعل بك هذا؟ فدلّه رسول الله صلى الله عليه وآله على ابن الزبعري، فوجأ أنفه، ثم مرَّ بالدم والفرث على القدم، ولطّخ به وجوههم ولحاهم وثيابهم، وأغلظ عليهم القول، ثم قال لمحمد صلى الله عليه وآله: يا ابن أخي أرضيت سألت من أنت؟ أنت محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، أنت والله أشرفهم حسباً وأرفعهم منصباً.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: ورد عن الإمام علي بن الحسين عليه السّلام أنّه قال: كان أبو طالب يضرب عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بسيفه إلى أن قال: فقال أبو طالب: يا بن أخ إلى النّاس كافة أرسلت أم إلى قومك خاصّة؟ قال: لا بل إلى النّاس أرسلت كافة الأبيض و الأسود و العربي و العجمي و الذي نفسي بيده لأدعون إلى هذا الأمر الأبيض و الأسود و من على رؤوس الجبال و من في لجج البحار، و لأدعون السنة فارس و الروم فحيرت قريش و استكبرت و قالت: أما تسمع إلى ابن أخيك و ما يقول و اللّه لو سمعت بهذا فارس و الروم لاختطفتنا من أرضنا و لقلعت الكعبة حجرا حجرا، فأنزل اللّه تبارك و تعالى: "وَ قالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَ وَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ" (القصص 57) إلى آخر الآية و أنزل في قولهم لقلعت الكعبة حجرا حجرا "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ" (الفيل 1) إلى آخر الآية.
https://telegram.me/buratha