الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: ورد في حديث عن الإمام الصادق قوله عليه السّلام: (التقية ديني و دين آبائي، و لا دين لمن لا تقية له، و التقية ترس اللّه في الأرض، لأنّ مؤمن آل فرعون لو أظهر الإسلام لقتل). إنّ فاعلية هذا المبدأ تكتسب أهمية استثنائية في الوقت الذي يكون فيه المؤمنون قلّة خاضعة للأكثرية التي لا ترحم و لا تتعامل وفق المنطق، فالعقل لا يسمح بإظهار الإيمان (باستثناء الضرورات) و التفريط بالطاقات الفعّالة، بل الواجب يقضي بكتمان العقيدة و التخفي على المعتقد في مثل هذا الوضع لكي يصار إلى تجميع الطاقات و القوى و الإفادة منها لتسديد الضربة النهائية و القاصمة في الوقت و الظرف المناسبين. إنّ الرّسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم التزم بنفسه هذا المبدأ، حينما أبقى دعوته سريّة لبضع سنوات، و حينما ازداد أتباعه و تشكّلت النواة الإيمانية القادرة للحفاظ على الدعوة الجديدة صدع صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بأمره تعالى أمام القوم. و من بين الأنبياء الآخرين نرى إبراهيم عليه السّلام الذي استخدم أسلوب التقية، و وظّف هذا المبدأ في عمله الشجاع الذي حطّم فيه الأصنام، و إلّا فلولا التقية لم يكن بوسعه أن ينجح في عمله أبدا. كذلك استفاد أبو طالب عم الرسول من أسلوب التقية في حماية رسول اللّه و دعوته الناشئة، إذ لم يعلن عن صريح إيمانه برسول اللّه و بالإسلام إلّا في فترات و مواقف خاصّة، كي يستطيع من خلال ذلك لنهوض بأعباء دوره المؤثر في حفظ حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم حيال مكائد و طغيان الشرك القرشي.
عن الشيخ عبد الحافظ البغدادي في الصفحة الاسلامية لوكالة انباء براثا حول العداء لابي طالب و اتهامه بالكفر: ( لماذا وقفت المذاهب هذا الموقف من ابي طالب؟) الجواب مسالة الخلاف في إسلام أبي طالب دخلت في سياق النزاع التاريخي على السلطة بين العباسيين والعلويين، ثم انتقل الصراع الى المؤيدين من الطرفين , هذا يقول انه مسلم ويراد الطعن به وبالرسول وابنه علي عليهم السلام. ويصر الاخر على انه مات كافر. وهذه تشكل إحدى النقاط الجدلية بين السنّة والشيعة الى اليوم.. ما السبب في كل هذا؟ الموضوع سياسي ظهر في وقت الذي أكد العباسيون على حقهم في خلافة الرسول، من خلال التأكيد على إسلام العباس بن عبد المطلب اشاعوا وهو ممن لم يهاجر ولم يقاتل مطلقا. فقالوا أن مكوثه في مكة وإظهاره الكفر (وخروجه لقتال المسلمين في بدر) لاحظ الفترة . هذا يحمي الاسلام يسمونه كافر , وذاك يخرج لقتال الاسلام يسمونه مسلم. يقولون صحيح قاتل الاسلام ولكن بناء على أمر الرسول صلى الله عليه و اله و سلم ، لمعرفة أخبار قريش والتجسس عليهم، ويؤكدون في الوقت ذاته على إثبات كفر أبي طالب، لتضعيف الدليل الديني الشرعي عند العلوين مطالبتهم المستمرة بالحق في الخلافة.من هنا، لا نستغرب أن أكثرية الروايات السنّية التي قالت بوفاة أبي طالب على الكفر والشرك، وعذابه في النار. يذكر البخاري في صحيحه حديثا عن العباس بن عبد المطلب أنه قال (قلت للنبي ما أغنيت عن عمك، فإنه كان يحوطك ويغضب لك قال: هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار)، وروى مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس، قول الرسول (أهون أهل النار عذاباً أبو طالب، وهو منتعل بنعلين يغلي منهما دماغه).
جاء في مركز الابحاث العقائدية عن الادلة عن ايمان ابي طالب عليه السلام: كذب وإفتراء نزول آيات فيه تتكلم عن الكفار والمشركين وتشدد على عدم هدايتهم وعدم الاستغفار لهم وعدم توليهم رغم تناقض النقل عندهم أنفسهم في أسباب نزولها بل أكثر تلك الآيات الكريمة يلاحظ أنها مدنية متأخرة على حياة وممات أبي طالب عليه السلام. إضافة الى ورود آيات أخرى تنقض قولهم واستدلالهم حيث يقول تعالى: "لاَّ يَتَّخِذِ المُؤمِنُونَ الكَافِرِينَ أَولِيَاء مِن دُونِ المُؤمِنِينَ" (آل عمران 28) وقال تعالى "لَا تَجِدُ قَوماً يُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَن حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَو كَانُوا آبَاءهُم" (المجادلة 21) ويقول تعالى "وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُداً" (الكهف 51) ولا شك إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يحب أبا طالب كثيراً وصرح بذلك وحزن على وفاته كثيراً وبكى عليه وسماه عام الحزن حيث فقد فيه أهم شخصيتين احتضنتاه وعطفتا عليه كثيراً وضحتا من أجله ألا وهما أبو طالب وخديجة عليهما السلام فكيف يستقيم هذا وذاك. وقد قال (صلى الله عليه وآله) لعقيل: أني احبك حبين: حباً لقرابتك وحباً لما كنت أعلم من حب عمي إياك. الاستيعاب لابن عبد البر(3/1078). وفي رواية: يا عقيل والله أني أحبك لخصلتين: لقرابتك ولحب أبي طالب إياك. أخرجه المتقي الهندي في كنز العمال (11/740) وابن عساكر في تاريخ دمشق (41/18) والذهبي في سير أعلام النبلاء (3/100) وغيرهم كثير. فكيف يحب رسول الله صلى الله عليه وآله كافرا مشركا عدوا لله تعالى ويحب من يحبه ذلك الكافر على وجه الخصوص.
قال ابو طالب رضوان الله عليه شعرا: ان عليا و جعفرا ثقتي * عند ملم الزمان و النوب و اللّه لا اخذل النبي و لا * يخذله من بني ذو حسب لا تخذلا وانصرا ابن عمكما * أخي لامي من بينهم وأبي. عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله أن يتزوج خديجة بنت خويلد أقبل أبو طالب في أهل بيته ومعه نفر من قريش حتى دخل على ورقة بن نوفل عم خديجة فابتدأ أبو طالب بالكلام فقال: الحمد لرب هذا البيت، الذي جعلنا من زرع إبراهيم، وذرية إسماعيل وأنزلنا حرما آمنا، وجعلنا الحكام على الناس، وبارك لنا في بلدنا الذي نحن فيه. فالحديث يؤكد ان ان ابا طالب اعرف بابراهيم واسماعيل عليهما السلام قبل البعثة النبوية فهل يصح ان يذهب النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم الى ورقة بن نوفل ولا يذهب الى عمه الاعرف بابراهيم واسماعيل عليهما السلام ويثق بنوفل اكثر من عمه. ولهذا فان احاديث ذهاب الرسول صلى الله عليه واله وسلم هو تسقيط لعمه ابي طالب.
https://telegram.me/buratha