الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب اصول العقيدة للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: القرآن المجيد وهو المعجزة العظمى الخالدة، التي كان الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم يحتجان بها لتصديق الرسالة، ويتحديان بها الخصوم. قال عزّ من قائل محتجاً بالقرآن: "وَإن كُنتُم فِي رَيبٍ مِمَّا نَزَّلنَا عَلَى عَبدِنَا فَأتُوا بِسُورَةٍ مِن مِثلِهِ وَادعُوا شُهَدَاءَكُم مِن دُونِ اللهِ إن كُنتُم صَادِقِينَ* فَإن لَم تَفعَلُوا وَلَن تَفعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ أُعِدَّت لِلكَافِرِينَ" (البقرة 23-24).
جاء في كتاب المحكم في اصول الفقه للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: أن ظاهر الآية الشريفة "وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" (البقرة 124) كون الإمامة مجعولة منه تعالى للشخص ابتداء، لعلمه بأهليته لها، كما هو مذهب الإمامية أعز الله دعوتهم ، لا إمضاء لبيعة الناس بها ، كما هو مذهب العامة ، لعدم صحة النسبة له تعالى في الامضائيات كما سبق عند الكلام في المعاملات من مبحث الصحيح والأعم. ولما هو المعلوم من عدم توقف إمامة إبراهيم عليه السلام على البيعة. وهو المناسب لرفعة مقام الإمامة وجلالتها وأهمية الآثار المترتبة عليها. ودعوى: أن ثبوت ذلك منه تعالى لا ينافي إمضاءه سبحانه لبيعة الناس بالإمامة. مدفوعة : باحتياج الامضاء للدليل. ولا سيما مع ظهور الآية في أن جعل الإمامة لإبراهيم عليه السلام بعد ابتلائه له بالكلمات وإتمامه لهن ، حيث يظهر منه تبعيتها لأهلية الامام التي تظهر باختباره وامتحانه تعالى له. وعليه يلزم تنزيل ما ورد في أحكام الإمامة - كالنبوي المشهور بين الفريقين: (من من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية) على ما تضمنته الآية الشريفة. ذكر الرازي في تفسيره أن المراد بالإمامة في الآية الشريفة "وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" (البقرة 124) النبوة لا الخلافة لوجوه: الأول: ظهورها في كون الامام إماما لجميع الناس ، وذلك لا يكون إلا الرسول المستقل بالشرع ، إذ لو كان تابعا لرسول آخر كان مأموما لذلك الرسول. الثاني: أن اللفظ يدل على أنه إمام في كل شئ ولا يكون كذلك إلا النبي. الثالث: أن إمامة النبوة أعلى مراتب الإمامة ، فيجب الحمل عليها ، لذكرها في مقام الامتنان ، فلا بد أن تكون تلك النعمة من أعظم النعم ، ليحسن نسبة الامتنان . قال بعد ذلك: (فوجب حمل هذه الإمامة على النبوة). والكل كما ترى لاندفاع الأول بأن غير النبي من الأئمة إمام لجميع الناس اللذين في عصره ، وذلك هو المنساق من عموم الآية ، ولذا لا يقدح في إمامة النبي المستقل بالشريعة عدم إمامته لمن سبق عصره أو تأخر عن شريعته ، فلا يقدح في إمامة الامام عدم إمامته لنبي شريعته غير الموجود حين إمامته ، بل هو كسائر من سبق عصرها من الناس. نعم ، لو تضمنت الآية أن الامام لا يكون مأموما ولو لغير أهل عصره اتجه قصوره عن الامام التابع لنبي شريعته . لكن الآية لم تتضمن ذلك ، بل تضمنت أنه إمام لجميع الناس ، كما هو ظاهر الجمع المحلى باللام . وأما الثاني فهو يبتني على مباينهم من اختصاص الإمامة بعد النبي صلى الله عليه وآله بنظم أمر الدنيا، ولا يجري على مبانينا معشر الامامية من عمومها لشؤون الدين والدنيا تبعا لعموم الحاجة فيهما. كما أن الثالث موهون بأن كون النبوة أعلى المراتب لا يقتضي إرادتهما ، لعدم اختصاص الامتنان بالمراتب العالية من النعم ، فإن كل نعمة مورد للامتنان. بل لا امتنان في الاقتصار على المراتب العالية منها . وإلا لزم الاختصاص بأعلى مراتب النبوة وأشرفها ، كالنبوة الخاتمة.
عن كتاب المحكم في اصول الفقه للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: فليس الأمر والنهي إلا عبارة عن الخطاب بالحث نحو الشئ أو الزجر عنه من دون أن يستلزما إرادته أو كراهته فضلا عن أن يتحدا معهما مفهوما أو خارجا، كما يظهر من بعضهم. نعم الظاهر عدم الاكتفاء فيهما بمطلق الحث والزجر، بل يختصان بما يبتني منهما على فرض المخاطب نفسه بمرتبة من ينبغي متابعته وتنفيذ خطابه، إما لسطان غالب، أو لقوة قاهرة ، أو لحق لازم عرفا أو شرعا. لكن لا بمعنى لزوم بلوغه لذلك حقيقة، بل يكفي تخيله ذلك أو ادعاؤه له، لان المعيار على ابتناء الخطاب عليه. ولذا لا يكفي وجوده الواقعي من دون أن يبتني عليه الخطاب. فلو وجب شرعا إطاعة الأب فطب الراجي غافلا عن ذلك لم يصدق على طلبه الامر، كما لا يصدق على زجره النهي، وإن وجبت إطاعته كما أنه لو طلب طلب السلطان القاهر صدق الأمر والنهي وإن لم تجب إطاعته شرعا ولم يخش سلطانه. ومرجعه إلى اعتبار الاستعلاء دون العلو، خلافا لما ذكره غير واحد من العكس. بل يجري ذلك حتى في الأوامر والنواهي الارشادية إذا ابتنت على ادعاء المرشد بلوغة أهلية الارشاد لمعرفته بمرتبة تلزم بمتابعته. أما لو ابتنت على محض معرفته بالواقع المرشد إليه ولو صدفة من دون دعاء لذلك لم يصدق الأمر والنهي . هذا هو الظاهر بحسب المرتكزات العرفية. ومن هنا كان الظاهر أخذ الالزام في مفهوم الأمر والنهي، كما هو المتبادر من إطلاقه، بل الظاهر صحة السلب عن الطلب غير الإلزامي، وإن صح إطلاقه على ما يعمه بنحو من العناية ، كما في مقام التقسيم. وقد يشهد بما ذكرنا جملة من الآيات التي تضمنت ترتب استنكار المخالفة والتحذير منها والذم عليها ، بنحو يظهر منها كون هذه الأمور من لوازم المفهوم ، كقوله تعالى "وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ" (البقرة 27). وكذا الروايات الظاهرة في المفروغية عن اقتضاء الامر الالزام، كقوله صلى الله عليه وآله: (لولا أن أشق على أمتي لامرتهم بالسواك عند وضوء كل صلاة) أو : (مع كل صلاة) وما في حديث بريرة: فقال لها النبي صلى الله عليه آله: (لو راجعتيه فإنه أبو ولدك)، فقالت: يا رسول الله أتأمرني؟ قال: (لا إنما أنا شفيع)، فقالت: لا حاجة لي فيه.
https://telegram.me/buratha