الدكتور فاضل حسن شريف
قوله تعالى "فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ" (الضحى 9) لمّا اشتدّ مرض خديجة بنت خويلد رضوان الله عليها قالت: يا رسول الله اسمع وصاياي: أوّلاً: إنّي قاصرة في حقّك فاعفني يا رسول الله. قال صلى الله عليه وآله: حاشا وكلّا، ما رأيت منكِ تقصيراً، فقد بلغتِ بجهدك، وتعبت في داري غاية التعب، ولقد بذلت أموالكِ وصرفت في سبيل الله مالَكِ. ثانياً: أوصيك بهذه وأشارت إلى فاطمة فإنّها يتيمة غريبة من بعدي، فلا يؤذينها أحد من نساء قريش، ولا يلطمنّ خدّها، ولا يصيحنّ في وجهها، ولا يرينّها مكروهاً. ثالثاً: إنّي خائفة من القبر، أُريد منك رداءك الذي تلبسه حين نزول الوحي تكفّنني فيه. فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلّم الرداء إليها، فسرّت به سروراً عظيماً، فلمّا تُوفّيت خديجة أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله في تجهيزها وغسّلها وحنّطها، فلمّا أراد أن يكفّنها هبط الأمين جبرائيل وقال: يا رسول الله، إنّ الله يقرئك السلام ويخصّك بالتحية والإكرام ويقول لك: يا محمّد إنّ كفن خديجة من عندنا، فإنّها بذلت مالها في سبيلنا. فجاء جبرائيل بكفن وقال: يا رسول الله، هذا كفن خديجة، وهو من أكفان الجنّة أهداه الله إليها. فكفّنها رسول الله صلى الله عليه وآله.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (5)" (الاعلى 1-5) سبب النّزول: ذكرنا أنّ أكثر المفسّرين يذهبون إلى أنّ هذه السّورة أوّل ما نزل من القرآن، و قيل إنّ المفسّرين يجمعون على نزول الآيات الخمس الأوائل في بداية نزول الوحي على الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و مضمون الآيات يؤيد ذلك. و جاء في الرّوايات أن محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان في غار حراء حين نزل عليه جبرائيل و قال له: اقرأ يا محمّد. قال: ما أنا بقارئ، فاحتضنه جبرائيل و ضغطه و قال له: اقرأ يا محمّد و تكرر الجواب. ثمّ أعاد جبرائيل عمله ثانية و سمع نفس الجواب. و في المرّة الثّالثة قال: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ" (الاعلى 1) إلى آخر الآيات الخمس الأوّل من السّورة. قال ذلك و اختفى عن أنظار النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. رسول اللّه أحسّ بتعب شديد بعد هبوط أولى أشعة الوحي عليه فذهب إلى خديجة و قال: (زملوني و دثروني). الطبرسي في مجمع البيان يروي عن الحاكم النيسابوري قصّة أوّل نزول الوحي ما ينبئ أنّ سورة الحمد كانت أوّل ما نزل على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: إنّ رسول اللّه قال لخديجة إنّي إذا خلوت وحدي سمعت نداء. فقالت: ما يفعل اللّه بك إلّا خيرا، فو اللّه إنّك لتؤدي الأمانة و تصل الرحم و تصدق الحديث، قالت خديجة: فانطلقنا إلى ورقة بن نوفل و هو ابن عمّ خديجة فأخبره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بما رأى، فقال له ورقة: إذا أتاك فاثبت له حتى تسمع ما يقول ثمّ ايتني فأخبرني، فلمّا خلا ناداه يا محمّد: قل "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ" (الفاتحة 1-2) حتى بلغ و لا الضّالين، قل لا إله إلّا اللّه، فأتى ورقة فذكر له ذلك، فقال له: أبشر ثمّ أبشر، فأنا أشهد أنّك الذي بشر به ابن مريم، و إنّك على مثل ناموس موسى، و إنّك نبيّ مرسل، و إنّك سوف تؤمر بالجهاد بعد يومك هذا، و لئن أدركني ذلك لأجاهدنّ معك، فلمّا توفي ورقة، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: (لقد رأيت القس في الجنّة عليه ثياب الحرير لأنّه آمن بي و صدّقني). جدير بالذكر أنّ في بعض كتب التّفسير و التاريخ كلاما حول حياة الرّسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، في هذه البرهة الزمنية لا تتناسب أبدا مع شخصية النّبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و تستند حتما إلى أحاديث مختلفة أو إلى إسرائيليات، من ذلك أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اغتم كثيرا لدى نزول الوحي عليه أوّل مرّة، و خشي أن يكون إلقاءات شيطانية و من ذلك أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم همّ مرّات أن يلقي بنفسه من أعلى الجبل و أمثال هذه الخزعبلات التي لا تنسجم إطلاقا مع ما ذكرته كتب السيرة حول ما يتمتع به الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من رجاحة في العقل، و ضبط كبير في النفس، و صبر وسعة صدر، و ثقة بالدور الكبير الذي ينتظره. و يبدو أنّ أعداء الإسلام دسّوا هذه الرّوايات للطعن في الإسلام و للحط من شخصية النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
جاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: وفي المجمع: عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وآله قال : كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع : آسية بنت مزاحم امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله. وفي الدر المنثور ، أخرج أحمد والطبراني والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: قال رسول الله: أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون مع ما قص الله علينا من خبرهما في القرآن "قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ" (التحريم 11).
https://telegram.me/buratha