الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب التنقيح في شرح العروة الوثقى للمرجع الاعلى السيد ابو القاسم الخوئي قدس سره - الشيخ ميرزا علي الغروي: إذا قلنا بأنّ المعاطاة تفيد اللزوم ، والجواز إن قلنا بالجواز، وتشملها أدلّة البيع كعموم "أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" (المائدة 1) لأنّ البيع ليس إلاّ عبارة عن الاعتبار النفساني المبرز في الخارج بشيء من الفعل أو اللفظ وهذا متحقّق في المقام ، لأنّ كلّ واحد منهما بابقائه ماله عند صاحبه قد أبرز اعتباره النفساني، والابقاء يصلح أن يكون مبرزاً كما هو ظاهر ، هذا كلّه فيما إذا قلنا بأنّ المعاطاة تفيد الملك . وأمّا إذا قلنا بأنّها تفيد الاباحة شرعاً مع قصد التمليك فيها ، فلا يمكن القول بالاباحة في المقام لأنّها أمر على خلاف القاعدة يتوقّف ثبوتها على قيام سيرة أو إجماع ، وتحقّقهما في المقام غير معلوم، لأنّه أمر نادر الاتّفاق وقلّ ما يتّفق أن يشتبه الودعي أو تطير الريح مال أحدهما إلى دار الآخر، هذا فيما إذا كانت المعاطاة مشتملة على إيصال ووصول وكانت عارية عن الإقباض والأخذ.البيع كما عرفت عبارة عن تبديل عين بعوض في عالم الاعتبار في جهة الملكية المبرز في الخارج بمبرز من المبرزات ، وهذا كما ترى متحقّق في المعاطاة أيضاً بأسره ، وعليه فالمعاطاة بيع حقيقة ومفيدة للملك اللازم ، إذ يشملها عمومات حلّ البيع والتجارة بل وعموم "أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" (المائدة 1) لأنّها بيع ومصداق للتجارة عن تراض كما يصدق عليها أنّها عقد فيجب الوفاء به ، وعليه فالقاعدة الأوّلية تقتضي قول المفيد قدّس سرّه. وما أفاده شيخنا الاُستاذ قدّس سرّه من أنّ البيع لا يصدق على المعاطاة لأنّه عبارة عن التبديل في عالم الاعتبار ، والمعاطاة تبديل فعلي خارجي ، والتبديل الاعتباري لا يوجد به خارجاً، مندفع بأنّ المدّعى أنّ البيع أمر إنشائي أي اعتبار نفساني مبرز في الخارج بمبرز ما، والمبرز كما يكون قولا في بعض الموارد، كذلك يمكن أن تكون إشارة أو كتابة أو فعلا، وصحّة ذلك بمكان من الوضوح، ولا ندّعي أنّ الأمر الاعتباري يمكن أن يتحقّق خارجاً، وإنّما المراد أنّ الفعل الخارجي مبرز لذلك الاعتبار النفساني ، لأنّ الاعتبار صقعه النفس دون الخارج، ولا مانع من أن يكون المبرز فعلا من الأفعال كما يمكن أن يكون إشارة أو غيرها. نعم لو فسّرنا الانشاء بإيجاد المعنى باللفظ لكان لما أفاده وجه، ولكنّا ذكرنا غير مرّة أنّ اللفظ لا يعقل أن يكون موجداً لشيء من التكوينيات أو الاعتباريات ، فليس معنى الانشاء إلاّ ما أشرنا إليه، وعليه فالمعاطاة بيع حقيقة فتشملها أدلّة الصحّة واللزوم .
عن كتاب الفقاهة للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: ربما يتوهم أن بيع الدم لما كان اعانة على الاثم فيكون محرما لذلك. وفيه مضافا الى ما سيأتي من عدم الدليل على حرمتها، ان النسبة بينها وبين بيع الدم هو العموم من وجه، فانه قد يشتريه الانسان لغير الاكل كالصبغ والتسميد ونحوهما، فلا يلزم منه اعانة على الاثم بوجه، وعلى تقدير كونه اعانة على الاثم فالنهي انما تعلق بعنوان خارج عن البيع فلا يدل على الفساد. تذكرة اخرى: قد استدل العلامة المامقاني رحمه الله على حرمة بيعه بما دل من الكتاب قوله تعالى: "حرمت عليكم الميتة والدم" (المائدة 5). والسنة على تحريم الدم، بضميمة قوله عليه السلام: ان الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه. وفيه مضافا الى ما تقدم في النبوي، ان المراد من تحريم الدم في الكتاب والسنة انما هو تحريم أكله، وقد عرفت مرارا انه لا ملازمة بينه وبين حرمة الثمن.
جاء في كتاب الصوم للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: قيام السيرة القطعية من المتشرعة على الاجناب الاختياري في ليالي رمضان مع العلم بوجوب الصوم عليهم حتى مع عدم التمكن من الاغتسال لفقد الماء أو لمرض جلدي وغيره مما يضره استعماله ولا يتركون المضاجعة من أجل ذلك لعدم احتمال التخصيص في دليل حلية الرفث بالاضافة إليهم، بل يجنبون أنفسهم اختيارا ويتيممون ويصومون ويحكم بصحة صومهم قطعا، المقام الثاني: بعد الفراع عن مشروعية التيمم للصوم كما عرفت. فهل يختص بمن كان فاقدا أو عاجزا عن الاستعمال بطبعه أو انه يعم موارد التعجيز الاختياري أيضا كمن أجنب نفسه عمدا في وقت لا يسع الغسل أو انه كان جنبا فاخر الغسل عامدا إلى ان ضاق الوقت عنه فهل يسوغ التيمم عندئذ ويكون مشروعا في حقه أو لا؟ الظاهر عدم المشروعية لقصور المقتضي، فان المستفاد من قوله تعالى: " فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" (المائدة 6) بحسب الفهم العرفي هو عدم الوجدان بالطبع، لا ان يجعل الانسان نفسه غير واجد بان يريق الماء أو يجنب نفسه كما في المقام. نعم في خصوص باب الصلاة التزمنا بالمشروعية وجعلنا ضيق الوقت وان استند إلى العمد من المسوغات لقيام الدليل الخارجي عليه وهو ما استفيد من صحيحة زرارة الواردة في المستحاضة من ان الصلاة لا تترك بحال، وكما يبطل الصوم بالبقاء على الجنابة متعمدا كذا يبطل بالبقاء على حدث الحيض والنفاس إلى طلوع الفجر فإذا طهرت منهما قبل الفجر وجب عليها الاغتسال أو التيمم ومع تركهما عمدا يبطل صومها. وبما انها مشروطة بالطهارة، والتراب أحد الطهورين، والمفروض العجز عن الآخر، فلا محالة تستكشف المشروعية عندئذ.
جاء في كتاب الاجتهاد والتقليد للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: وعلى الجملة تضمنت الآية المباركة كبرى رجوع الجاهل إلى العالم المنطبقة على كل من اهل الكتاب وغيرهم فالاستدلال بها من تلك الناحية أيضا مما لا خدشة فيه هذا. ولكن الصحيح أن الآية المباركة لا يمكن الاستدلال بها على جواز التقليد وذلك لان موردها ينافي القبول التعبدى حيث أن موردها من الاصول الاعتقادية بقرينة الآية السابقة عليها وهي: وما أرسلنا قبلك الا رجالا نوحي إليهم فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون. وهو رد لا ستغرابهم تخصيصه سبحانه رجلا بالنبوة من بينهم فموردها النبوة ويعتبر فيها العلم والمعرفة ولا يكفى فيها مجرد السؤال من دون أن يحصل به الاذعان فلا مجال للاستدلال بها على قبول فتوى الفقيه تعبدا من دون أن يحصل منها العلم بالمسألة. الايات الناهية عن التقليد ثم إن هناك آيات وردت في النهى عن التقليد وذمه كقوله عزمن قائل: "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ" (المائدة 104).
https://telegram.me/buratha