الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب التنقيح في شرح العروة الوثقى للمرجع الاعلى السيد ابو القاسم الخوئي قدس سره - الشيخ ميرزا علي الغروي: قوله تعالى "أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" (المائدة 1) وهذه الآية المباركة ظاهرة بدلالتها المطابقية في أنّ العقود لازمة ، لما ذكرناه غير مرة من أن معنى الوفاء الانهاء وإيصال الشيء إلى آخره، فأوفوا بالعقود معناه أوصلوها إلى آخرها فلا تفسخوها ولا ترجعوا فيها فيكون إرشاداً إلى لزومها وعدم انفساخها بالرجوع، إذ لا تحتمل الحرمة التكليفية للفسخ والرجوع . وتوهم أنّ المعاطاة ليست بعقد، مندفع بأنّ العقد عبارة عن تعاقد الالتزامين وربط أحدهما بالآخر وعقده به، ولا يشترط فيه اللفظ بوجه، فالمعاطاة عقد غير لفظي ومقتضى الآية لزومها. ما ورد في عدّة روايات من أنّ (المؤمنون عند شروطهم إلاّ ما خالف كتاب الله وسنّة نبيّه)، فإنّ الشرط لغة مطلق الالتزام فيشمل المعاملات الفعلية. وفيه: أنّ الشرط لغة ليس بمعنى مطلق الالتزام بل خصوص الالتزام المربوط بشيء آخر من عقد ونحوه ، ولذا ترى استهجان إطلاقه على العقود كالبيع والهبة وعليه فلا يشمل المعاطاة كما لا يشمل الشروط الابتدائية، فيكون خروجها من الحديث بالتخصّص لا بالتخصيص، هذه هي الأدلة العامة الدالة على لزوم جميع المعاملات بيعاً كان أو غيره، وقد عرفت أنّ الصحيح منها أمران: أحدهما جملة المستثنى منه في قوله تعالى "لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ" (النساء 29). وثانيهما: الآية المتقدمة "أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" (المائدة 1).
قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" (المائدة 6) جاء في كتاب الصلاة للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: ان مقتضى الرواية ان الصلاة بتمامها ادائية لقوله عليه السلام فليتم الصلاة وقد جازت صلاته. فان صلاته انما كانت ادائية ومأمورا بها في ظرفها ووقتها وقد حكم عليه السلام بأن تلك الصلاة الادائية المأمور بها في حقه قد جازت بما أتى به من العمل إذا فاحتمال انها قضاء أو ملفقة من الاداء والقضاء مما لا موجب له. بقي الكلام في شئ وهو أن المكلف قد يكون مأمورا بالصلاة مع الطهارة المائية من الوضوء أو الغسل ويضيق الوقت عليه ولا يبقى منه الا مقدار ركعة واحدة ولكنه يتمكن من الاتيان بها مع الطهارة المائية كما إذا كان توضأ أو اغتسل قبل ذلك ولا ينبغي الشبهة حينئذ في وجوب الاتيان بتلك الركعة مع الطهارة المائية في وقتها وبه تتم صلاته على ما دلت عليه الموثقة فيكون الاتيان بالركعة الواحدة في وقتها مع الاتيان بغيرها من الركعات في خارجه بمنزلة الاتيان باربع ركعات مثلا في وقتها. وقد يكون مأمورا بها مع الطهارة الترابية لضيق الوقت عن الصلاة مع الطهارة المائية وفي هذه الصورة إذا كان الوقت بمقدار يسع الصلاة كلها مع التيمم فقد تقدم في مبحث التيمم انه لابد من أن يتيمم ويصلي لانه فاقد للماء بالاضافة إلى صلاته وان فرضنا انه واجد له بالاضافة إلى سائر الجهات وليس له ان يحصل الطهارة المائية ليأتي بها ركعة واحدة في وقتها على ما قدمناه في محله.
عن كتاب مصباح الفقاهة للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: وأما الاستغفار للمغتاب - بالفتح - فذهب الى وجوبه غير واحد من الاصحاب، ويمكن الاستدلال عليه بامور: 1 - ما تقدم من دعاء السجاد عليه السلام في طلب العفو والرحمة لذوي الحقوق والمظلمة. وفيه: ان الفعل الصادر من المعصوم عليه السلام لا يدل على الوجوب لكونه اعم منه ومن المستحب، 2 - رواية حفص بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سئل النبي صلى الله عليه وآله ما كفارة الاغتياب، قال: تستغفر الله لمن اغتبته كلما ذكرته. وفيه أولا: ان الرواية ضعيفة السند، وثانيا: ان مقتضى العمل بها هو وجوب الاستفغار للمغتاب - بالفتح - كلما ذكره أو كل وقت ذكر الاغتياب، ومن الواضح ان هذا خلاف الضرورة ولم يلتزم به فقيه فيما نعلم، وان ذكره بعض اهل الاخلاق، وعليه فتحمل الرواية على الجهات الاخلاقية. نعم بناء على كون النسخة: كما ذكرته، بدل: كلما ذكرته، على ما ذكره المجلسي في مرآة العقول لا يتوجه عليها الاشكال الثاني. 3 - ما في رواية السكوني، من قول الامام عليه السلام: من ظلم احدا ففاته فليستغفر الله له، فانه كفارة له، بدعوى ان الضمير المنصوب في كلمة فاته يرجع الى الظلم، المفهوم من كلمة ظلم، نظير قوله تعالى: "اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى" (المائدة 8) ومن الواضح ان الغيبة من الظلم فيجب على من اغتاب احدا ان يستغفر له. وفيه اولا: ان الرواية ضعيفة السند. وثانيا: ان الظاهر منها رجوع الضمير الى المظلوم، كما جزم به المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، فالمعنى: ان من لم يدرك المظلوم ليطلب منه براءة الذمة ويسترضيه عن المظلمة فليستغفر الله له وعليه، فتدل الرواية على وجوب طلب المغفرة للمظلوم مع عدم التمكن من الوصول إليه لا مطلقا.
https://telegram.me/buratha