الدكتور فاضل حسن شريف
قوله تعالى "وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ (٢٥) ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ" (التوبة 25-26) عن موقعة حنين جاء في كتاب الامام علي عليه السلام سيرته وقيادته في ضوء المنهج التحليلي للمؤلف محمد حسين علي الصغير: قال الشيخ المفيد: والآية تعني بالمؤمنين علياً ومن ثبت معه من بني هشام. وصاح العباس بالمنهزمين بأمر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان العباس جهوري الصوت: يا أهل بيعة الشجرة، يا أصحاب سورة البقرة، إلى أين تفروّن؟ اذكروا العهد الذي عاهدتم عليه رسول الله. والقوم يغروّن على وجوههم، والمشركون في شعاب الوادي يصلونهم حمماً لاهبة، فقال أبو سفيان وهو قد أسلم فيما يزعم لا تنتهي هزيمتهم دون البحر، أي المسلمين. أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم حفنة من التراب أعطاها إياه علي بن أبي طالب، وقذف بها وجوه المشركين قائلاً: شاهت الوجوه، فكانت الهزيمة الكبرى، وولى المشركون الدبر، وجيء بالاسراى مكتفين بين يديه ، وسيقت إليه الغنائم، وأفواج هوازن في هرب وفرار، فما طلع الصباح على المسلمين حتى تم لهم النصر المبين، وانتهت الهزيمة بالأعداء إلى البحر.
قال الله عز من قائل "وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ" (التوبة 107-108) يقول الدكتور الصغير في كتابه بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أحرق هذا المسجد وهدمه. وهذا السيل الجارف من النفاق كما تراه يسلك سبلاً شتى بازاء تحقيق مآربه الضالّة، ولا بدّ للنبيّ من الحذر منه؛ فاستخلف علياً عليهالسلام ليحمي المدينة من هؤلاء، وليمنعها من غارات الأعراب، وليقيم سنن الدين الحنيف من ينابيعه كما يريد الرسول، وليؤكد صلاحية الإمام علي للقيادة والمرجعية. ومع هذا الحذر وهذه اليقظة ، وصدق الدوافع في استخلاف عليّ على المدينة ، فقد دبّت حسيكة النفاق، وأشاع المنافقون ما أرادوا، وقالوا: ما خلّفه إلا استثقالاً له وتخففاً منه، ومتى كان علي ثقيل الظل على رسول الله؟ ويقال: أن علياً عليه السلام أخذ سلاحه وتبع الرسول وهو معسكر في الجرف، فقال: يا نبي الله زعم المنافقون أنك إنما خلفتني لأنك استثقلتني، وتخففت مني، فقال صلى الله عليه وآله وسلم كذبوا، ولكن خلفتك لما تركت ورائي، فارجع واخلفني في أهلي وأهلك، (أفلا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي). فرجع عليٌّ إلى المدينة ظافراً بهذا الوسام ، فعظم في عين من أعظمه، وأبتلي بالحقد والحسد مرة أخرى على هذه المنزلة، فكان حارساً أميناً فيما استودع، وساهراً يقظاً على ما استخلف بالمعنى العلمي الدقيق للإستخلاف، فيما عبر عنه النبي بالحرف الواحد :(فأنت خليفتي في أهل بيتي ، ودار هجرتي وقومي).
وعن حادثة المباهلة يقول الاستاذ محمد حسين علي الصغير: كان عليٌ نفس رسول الله في حادثة مباهلة نصارى نجران بإجماع المؤرخين، فقد طلبوا إلى النبي المباهلة، أو طلب إليهم النبي المباهلة، فكان النداء الإلهي في القرآن العظيم مجلجلاً: "فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ" (ال عمران 61). فخرج النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، فما باهلهم نصارى نجران لما علموا من الحق وإن كتموه. وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا: (والله لو باهلونا لأضطرم عليهم الوادي ناراً).
وحول عليٌّ في حجة الوداع وبيعة الغدير يقول مؤلف كتاب الامام علي عليه السلام سيرته وقيادته في ضوء المنهج التحليلي: علي يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، و (عليٌّ أقضاكم) و (أنا مدينة العلم وعلي بابها) و (علي مع الحق والحق مع علي) و (اللهم أدر الحق معه حيثما دار) سمعنا كل هذا غيضاً من فيض إطراء النبي له وثنائه عليه، ونموذجاً من نماذج إعداده إعداداً رسالياً خاصاً، وشاهدنا إلى جنب ذلك كلّه ملازمته للنبي ملازمة الظل للشاخص، واختصاصه به على انفراد في أغلب لياليه وأيامه، وتفرده بمناجاته وحده في شتى الظروف، واتحاد المنزل ما بين الديار، ولمسنا صلة الرحم الشديدة بين الرجلين، وأواصر القرب ما بينهما، لا يكاد يفترق أجدهما عن الآخر، ولا يملّ أحدهما حديث الآخر ، حتى كان علي منه وهو من علي لم يكن كل هذا امراً اعتباطياً، ولا مناخاً اعتيادياً، وإنما للأمر ما بعده عند النبي. حتى إذا كانت حجة الوداع، وإذا بالوحي يفجأ النبي "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ" (المائدة 67). ونزلت سورة النصر "إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)" (النصر 1-3) فسماها المسلمون سورة التوديع. وتنتهي حجة الوداع ، ويتجه النبي نحو المدينة حتى يصل إلى غدير خم في قيظ لافح، وحرارة محرقة، وهجير ملتهب، فيتوقف الركب النبوي في المنطقة التي سيفترق فيها الحاج، ويتجه كلٌّ إلى قصده، ثم نادى بأعلى صوته: ألست أولى بكم منكم بأنفسكم؟ قالوا اللهم بلى. فقال لهم على النسق، وقد أخذ بضبعي علي عليهالسلام فرفعهما حتى بان بياض أبطيهما (فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم والي من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله). وحينما صدع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الأمر في استخلاف علي عليه السلام نزلت الآية: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا" (المائدة 3)
https://telegram.me/buratha