الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب الامام علي عليه السلام سيرته وقيادته في ضوء المنهج التحليلي للمؤلف محمد حسين علي الصغير: عن النبيّ يمهّد للإمام ويلتحق بالرفيق الأعلى: تتابعت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد عودته من حجة الوداع موجاتٌ من الألم والصداع، يصحب ذلك شيء من الحمى، فيستولي عليه الضعف والانهيار الجسدي، وكان لبقايا السمّ المبيت له أثر من ذلك أيمّا أثر، وفجأة يجد نفسه قد ثقل بالمرض، وانتابته العلل خفيفها وثقيلها حتى أيقن بالنهاية ودنو الأجل، وكان الوحي به رفيقاً يخيّره عن الله بين البقاء في الحياة أو الالتحاق بالرفيق الأعلى، فيختار الثانية زهداً بالحياة الفانية وقد استجيب له في ذلك "إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ" (الزمر 30). خرج الى المسجد معتمدا على علي عليه السلام بيمنى يديه وعلى الفضل بن العباس باليد الأخرى، وصعد المنبر فذكرّ وحذرّ، وبشرّ وأنذّر، ثم نزل وصلى بالناس صلاة خفيفة، وعاد الى منزله وقدماه تخطاّن الأرض. وأستمر به المرض حتى ثقل، والناس بين ذاهل ومتفجع، وبين غافل عما يراد به، وبين جادّ في تخطيط لأمر ما، وبين مشغول بتمريض النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومتابعة مرضه وعلى رأس هؤلاء علي والعباس وأهل البيت بالاجماع.
قوله تبارك وتعالى "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا" (ال عمران 144) يقول الدكتور الصغير في كتابه: غسل عليّ عليهالسلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومعه الفضل بن العباس وأسامة بن زيد يناولانه الماء من وراء الستر وهما معصوبا العين، وتولى علي تغسيله وتحنيطه وتكفينه، فلما فرغ من تجهيزه تقدم فصّلى عليه وحده. وكان المسلمون في نزاع فيمن يؤمهم في الصلاة عليه، وأين يدفن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا أمر من حضر وفاته من المسلمين، وأما من لم يحضر فله شأن غير هذا. وبينا هم في هذا النزاع إذ خرج إليهم علي عليهالسلام وقال: إن رسول الله أمامنا حيا وميتا، فليدخل عليه فوج بعد فوج منكم فيصلّون عليه بغير إمام، وإن الله لم يبقض نبياً في مكان إلا وقد إرتضاه لرمسه، وإني لدافنه في حجرته التي قبض فيها، فسلّم القول لذلك ورضوا به، وفعلوه. وتولى عليّ والعباس وابنه الفضل وأسامة بن زيد وأوس بن خولّي من الانصار دفنه، ونزل علي القبر فكشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووضع خده الايمن على الارض مستقبلاً بوجهه إلى القبلة على يمينه، ثم وضع عليه اللبن، وأهالى عليه التراب، وربع قبره ، وجعل عليه لبناً، ورفعنه من الارض قدر شبر، ورشّ الماء عليه رشاً، ولم يحضر دفنه أكثر الناس فهم في شغل من أمر الخلافة، وفات أكثرهم الصلاة عليه. ونعته ابنته الزهراء فيما يؤثر عنها (يا أبتاه، أجاب رباً دعاه، يا أبتاه جنة الفردوس ماْواه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه، يا أبتاه من ربه ما أدناه). ثم أخذث من تراب القرب الشريف، ووضعته على عينيها، وأنشات: ماذا على من شمّ تربة أحمد * أن لايشم مدى الزمان غواليا صبّت عليّ مصائب لو أنّها * صبّت على الأيام صرن لياليا.
ويستطرد الاستاذ محمد حسين علي الصغير: كان عليٌّ يسوي قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمسحاة في يده، فقال له رجل عندها: إن القوم قد بايعوا أبا بكر، ووقعت الخذلة للأنصار لا خذلة اختلافهم، وبدر الطلقاء بالعقد للرجل خوفاً من إدراككم الأمر. فوضع عليٌّ عليه السلام المسحاة على الأرض، ويده عليها، وقال: "الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ (4)" (العنكبوت 1-4).
وفي خطبة للزهراء عليها السلام كما جاء في كتاب الامام علي عليه السلام سيرته وقيادته في ضوء المنهج التحليلي للمؤلف محمد حسين علي الصغير: (فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر، والزكاة تزكية للنفس، ونماءً للرزق، والصيام تثبيتا للإخلاص، والحج تشييداً للدين، والعدل تنسيقاً للقلوب ، وطاعتنا نظاماً للملة، وإمامتنا أماناً من الفرقة، والجهاد عزاً للإسلام، وذلاً لأهل الكفر والنفاق، والصبر معونة على استيجاب الأجر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مصلحة للعامة ، وبر الوالدين وقاية من السخط ، وصلة الأرحام منسأة في العمر، والقصاص حقناً للدماء، والوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة، وتوفية المكاييل والموازين تغييراً للبخس، والنهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس، واجتناب القذف حجاباً عن اللعنة، وترك السرقة إيجاباً للعفة، وحرّم الله الشرك إخلاصاً له بالربوبية "اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ" (ال عمران 102) وأطيعوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه فـ "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء" (فاطر 28). ايها الناس: اعلموا اني فاطمة، وأبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أقول عدواً وبدءاً، ولا أقول ما أقول غلطاً، ولا أفعل ما أفعل شططاً، "لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ" (التوبة 128)). واستمرت سيدة نساء العالمين عليها السلام في خطبتها مستعرضة آيات من القرآن الكريم منها "كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ" (المائدة 64)، و "أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ" (التوبة 49)، و "بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا" (الكهف 50)، و "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" (ال عمران 85)، و "أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ" (المائدة 50)، و "وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ" (النمل 16)، و "فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ (6)" (مريم 5-6)، و "وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ" (الانفال 75)، و "نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ" (التوبة 13)، و "إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ" (ابراهيم 8)، و "وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ" (الشعراء 227)، و "اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ" (هود 121)، و "يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ" (مريم 6)، و " بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ" (يوسف 18)، و "يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ" (النساء 11)، و "إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ" (البقرة 180)، و "لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ" (الانعام 67)، و "مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ" (الزمر 40).
https://telegram.me/buratha