الصفحة الإسلامية

اشارات قرآنية في كتاب سيرة الامام علي عليه السلام لمحمد حسين الصغير (ح 6)


الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في كتاب الامام علي عليه السلام سيرته وقيادته في ضوء المنهج التحليلي للمؤلف محمد حسين علي الصغير: تكملة للحلقة السابقة عن حوار علي مع عمر حول رجم امرأة، قوله تعالى "وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ" (البقرة 233). فإذا تممت المرأة الرضاعة ، وكان حمله وفصاله ثلاثين شهراً ، كان الحمل ستة أشهر. وكان هذا حكم الله من كتاب الله، فكررها عمر قائلاً: (لولا عليّ لهلك عمر) وأضاف إليها وفي مجالات آخر: (لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن). ونزلت بعمر نازلة قام لها وقعد ـ كما يروي ذلك ابن أبي الحديد ـ فقال عمر لمن عنده: ما تقولون في هذا الأمر ، فقالوا أنت المفزع مقضب وقال "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا" (الاحزاب 70) أما والله إني وإياكم لنعلم ابن بجدتها والخبير بإدارتها، فقالوا: كأنك أردت علي بن أبي طالب، فقال: وأنى يعدل بي عنه وهل طفحت حرة بمثله؟ قالوا فلو دعوته يا أمير المؤمنين: فقال: هيهات إن هناك شمخاً من هاشم، وإثرة من علم، ولحمة من رسول الله، إن علياً يؤتى ولا يأتي، فامضوا بنا إليه، فمضوا نحوه، فألفوه في حائط له عليه تبّان، وهو يركل مسحاته ويقرأ "أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى" (القيامة 36) ودموعه تنهمل على خديه، فأجهش الناس لبكاءه وسأله ابن الخطاب عن تلك الواقعة، فأجاب علي، فقال عمر: (أما والله لقد أرادك الحق، ولكن أبى قومك). فقال علي عليه‌السلام: خَفضّ عليك. من هنا ومن هنا: "إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا" (النبأ 17). فوضع عمر إحدى يديه على الأخرى وأطرق إلى الأرض، كأنما ينظر في رماد.

ويقول الدكتور محمد حسين علي الصغير في كتابه أنه خلال اجتماع مع الصحابة: وقطع عليٌّ النزاع بقوله: (لقد علمتم أني أحق الناس بها من غيري، والله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جور إلا عليّ خاصة، التماساً لأجر ذلك وفضله، وزهداً فيما تنافستموه من زخرفة). وغادر علي المسجد، وقرأ قوله تعالى: سـ "يَبلُغَ الكِتَـبُ أَجَلَهُ" (البقرة 235). ويقول الدكتور الصغير: ولّى عثمان الوليد بن عقبة بن أبي معيط حاضرة الكوفة وكان يعرف هو وإخوته بصبية النار ، وسبب ذلك أن النبي قد أمر بقتله وكان أسيراً في غزوة بدر ، فقال : أأقتل دون قريش؟ فمن للصبية يا محمد؟ فقال النبي: النار. والوليد أخ لعثمان من أمه، وقد نشأ في أحضانه ، وأسلم يوم الفتح ظاهراً، وتولى للنبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم صدقات بني المصطلق، وما لبث أن عاد إلى المدينة، وأخبر النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم بإرتداد هؤلاء عن الإسلام زوراً وبهتاناً ، واستطلع النبي الحال فوجدهم بخلاف ذلك ، ونزل فيه قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" (الحجرات 6). فسمي يومئذ بالفاسق، فقربه عثمان، وأعلا منزلته، وكان يجلس مع عثمان على سريره، وولاه الكوفة وعزل عنها سعد بن أبي وقاص، فلما دخل على سعد ومعه كتاب الولاية، قال سعد: (والله لا أدري أكست بعدنا ، أم حمقنا بعدك) فقال الوليد: (لا تجزعن أبا إسحاق، إنه الملك يتغداه قوم، ويتعشاه آخرون) وكان حرياً إلى أن يكشف ما هو الواقع في الأمر فهو الملك لا أكثر ولا أقل فما كاس يوماً ولا حمق سعد. وتسلم الوليد ولاية الكوفة، وكان خليعاً ماجناً يتجاهر بالخمرة، ولا يفيق من السكر، وهو إمام القوم وصلى بالناس صلاة الصبح أربع ركعات ثم تهوع بالمحراب، وأضاف إلى ذلك الأفاعيل وأتبعها بالأباطيل، فضج أهل الكوفة عليه وعلى عثمان، وتشدد عليّ عليه‌السلام فأمر بإقامة حد السكر عليه، وعزله عثمان بعد اللتيا والتي، وأخلفه بسعيد بن العاص، فكان أدهى وأمر، وأنكى وأشر، فجرت بينه وبين أهل الكوفة خطوب انتهت بالثورة المسلحة على عثمان.

ويستطرد الاستاذ محمد حسين الصغير قائلا: وينظر عثمان بجزل العطاء دون بصيرة، فيعطي الحارث بن الحكم طريد رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم ثلاثمائة ألف درهم، ويعطي زيد بن ثابت مائة ألف درهم، ويعطي هذا وذاك مئات الألوف بغير مقياس يقيده، ولا ميزان يزن به حقائق الأشياء، وينظر ثروة ابن عوف ذهباً وفضة وكراعاً وماشية وعقاراً، ويلاحظ ترف طلحة في التأنق والعبيد والإماء وعائدات خيبر، ويستمع لأنباء ممتلكات الزبير في العراق والفسطاط ضياعاً وإقطاعاً، فيبهت لهذا كله، وينكره أشد الإنكار، ويتلو قوله تعالى :" وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" (التوبة 34).

وبين الدكتور الصغير الحوار الذي جرى بين ابن عباس وعائشة في واقعة الجمل: وأراد عليّ عليه‌السلام إرجاع عائشة إلى دارها معزّزة مكرّمة، فأرسل إليها عبد الله بن عباس وقال له: أئتِ هذه المرأة لترجع لبيتها الذي أمرها الله أن تقرّ فيه ، فجاءها ابن عباس واستأذن عليها فأبت أن تأذن له ، ودخل عليها بلا إذن، فهو مأمور من قبل الإمام، ولا بد من تنفيذ أمره وجوباً دون تردد، ومدّ يده إلى وسادة وجلس عليها، فقالت له عائشة : لقد أخطأت السنة مرتين، دخلت بيتي بدون إذني، وجلست على متاعي بدون أمري، فقال لها: نحن علمنّاك السنة يا عائشة، والله ما هو بيتك الذي أمرك الله أن تقري فيه. ثم قال: إن أمير المؤمنين يأمرك أن ترحلي إلى بلدك الذي خرجت منه ، فقالت بكراهية واستفزاز : رحم الله أمير المؤمنين ذلك عمر بن الخطاب، فقال ابن عباس: نعم وهذا أمير المؤمنين علي بن ابي طالب أيضاً،؛ قالت: أبيتُ أبيتُ. قال : ما كان إباؤك إلا فواق ناقة بكية ثم صرتِ لا تحلّين ولا تمّرين، ولا تأمرين ولا تنهين، قال ابن عباس: فبكت حتى علا نحيبها، ثم قالت: أرجع، فإن أبغض البلدان إلى بلدٌ أنتم فيه، فقال لها ابن عباس: والله ما كان ذلك جزاؤنا منك إذ جعلناك للمؤمنين أماً ، وجعلنا أباك لهم صديقاً ، فقالت: أتمنّ علي يا ابن عباس برسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم فقال لها: نعم، نمن عليك بمن لو كان منك بمنزلته منا لمننت به علينا. وانتهى الحديث. ولما رجع ابن عباس إلى أمير المؤمنين وأخبره بما كان من أمر عائشة وأمره، تلا أمير المؤمنين قوله تعالى "ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ" (ال عمران 34). ثم أمر أمير المؤمنين بتجهيز عائشة جهازاً حسناً ، وبعث معها رجالاً ونساءً، وتوجه بها الركب نحو المدينة بعدَّة واعزاز ووصلت المدينة فلما استقربها المقام، جاء الناس للسلام عليها، فكانت تصل الدموع بالدموع، والأسى بالأسى، وتبكي بكاءً مراً حتى تبل خمارها، فلا هي التي حققت أهدافها بتنحية علي من الخلافة، ولا هي التي حفظت رجالها من القتل والخزي، وكانت تقول: ليتني مت قبل يوم الجمل بعشرين عاماً.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك