الدكتور فاضل حسن شريف
واتفق العلماء على حرمة التماثيل إذا كانت للعبادة كونها رجس من الشيطان "فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ" (الحج 30). وان لا تكون لتقديس تماثيل صالحين "وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا" (نوح 23). ورأي الفقهاء الحديثي العهد ان حرمة التماثيل كان وقت الاصنام والاوثام، اما وقد انتهت هذه للعبادة بين المسلمين فإن وجودها يعتبر أحد الفنون التي تبين تطور العصور والجمال والابداع.
جاء في کتاب الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي: قوله تعالى "أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى" (النجم 19-20) لما سجل في الآيات السابقة صدق النبي صلى الله عليه وآله وأنه وحي يوحى إليه وترتب عليه حقية النبوة المبنية على التوحيد ونفي الشركاء، فرع عليه الكلام في الأوثان: اللات والعزى ومناة وهي عند المشركين تماثيل للملائكة بدعوى أنهم إناث أو بعضها للملائكة وبعضها للإنسان كما قاله بعضهم ونفي ربوبيتها وألوهيتها واستقلال الملائكة الذين هم أرباب الأصنام في الشفاعة وأنوثيتهم وأشار إلى حقائق أخرى تنتج المعاد وجزاء الأعمال. واللات والعزى ومناة أصنام ثلاث كانت معبودة لعرب الجاهلية، وقد اختلفوا في وصف صورها، وفي موضعها الذي كانت منصوبة عليه، وفي من يعبدها من العرب، وفي الأسباب التي أوجبت عبادتهم لها، وهي أقوال متدافعة لا سبيل إلى الاعتماد على شيء منها، والمتيقن منها ما أوردناه. والمعنى : إذا كان الأمر على ما ذكرناه من حقية الدعوة وصدق النبي صلىاللهعليهوآله في دعوى الوحي والرسالة من عند الله سبحانه فأخبروني عن اللات والعزى ومناة التي هي ثالثة الصنمين وغيرهما وهي التي تدعون أنها أصنام الملائكة الذين هم بنات الله على زعمكم. قوله تعالى "أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى * تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى" (النجم 21-22) استفهام إنكاري مشوب بالاستهزاء، وقسمة ضيزى أي جائرة غير عادلة. والمعنى: إذا كان كذلك وكانت أرباب هذه الأصنام من الملائكة بنات الله، وأنتم لا ترضون لأنفسكم إلا الذكر من الأولاد فهل لكم الذكر ولله سبحانه الأنثى من الأولاد؟ تلك القسمة إذا قسمة جائرة غير عادلة استهزاء. قوله تعالى "إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ" (النجم 23) إلخ، ضمير "هِيَ" للات والعزى ومناة أو لها بما هي أصنام، وضمير "سَمَّيْتُمُوها" للأسماء وتسمية الأسماء جعلها أسماء ، والمراد بالسلطان البرهان. والمعنى: ليست هذه الأصنام الآلهة إلا أسماء جعلتموها أسماء لها أنتم وآباؤكم ليست لهذه الأسماء وراءها مصاديق ومسميات ما أنزل الله معها برهانا يستدل به على ربوبيتها وألوهيتها.
جاء عن التوحيد والشرك للشيخ جعفر السبحاني: هل دعوة الصالحين عبادة لهم؟ تبين من البحوث السابقة أن (طلب الحاجة من غير الله) مع الاعتقاد بأنه لا يملك شيئا من شؤون المقام الألوهي، ولم يفوض إليه شئ، بل لو قام بشئ لا يقوم به إلا بإذن الله سبحانه، لا يكون شركا. وبقي في هذا المجال مطلب آخر وهو: أن القرآن الكريم نهى في موارد متعددة عن دعوة غير الله سبحانه غير أن الوهابية استنتجت من هذه الآيات مساوقة الدعوة للعبادة. وإليك فيما يأتي الآيات المتضمنة، بل المصرحة بهذا المطلب: "وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا" (الجن 18) و "له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ" (الرعد 14) و "والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون" (الأعراف 197) و "إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم" (الأعراف 194) و "والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير" (فاطر 13) و "قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا" (الإسراء 56) و "أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة" (الإسراء 57) و "ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك" (يونس 106) و "إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم" (فاطر 14) و "ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة" (الأحقاف 5) فقد جعل دعاء الغير في هذه الآيات مساويا مع دعاء الله ويستنتج من ذلك أن دعاء الغير عبادة له، ومن هذه الآيات يستنتج الوهابيون كون دعوة الأولياء والصالحين بعد وفاتهم عبادة للمدعو. إن المقصود من الدعاء في مجموع الآيات ليس هو مطلق النداء، بل نداء خاص يمكن أن يكون مآلا مرادفا للفظ العبادة. لأن مجموع هذه الآيات وردت حول الوثنيين الذين كانوا يتصورون بأن أصنامهم آلهة صغار قد فوض إليها بعض شؤون المقام الألوهي، ويعتقدون في شأنها بنوع من الاستقلال في التصرف والفعل. ومعلوم أن الخضوع والتذلل أو أي نوع من القول والعمل أمام شئ باعتقاد أنه إله كبير أو إله صغير لكونه ربا أو مالكا لبعض الشؤون الإلهية، يكون عبادة. لا شك أن خضوع الوثنيين ودعاءهم واستغاثتهم أمام أوثانهم كانت بوصف أن هذه الأصنام آلهة أو أرباب أو مالكة لحق الشفاعة، وباعتقاد أنها آلهة مستقلة في التصرف في أمور الدنيا والآخرة. ومن البديهي أن أية دعوة لهذه الموجودات وغيرها مع هذه الشروط، عبادة لا محالة.
جاء في مركز الاشعاع الاسلامي للدراسات والبحوث الاسلامية عن ما هو استدلال القرآن على توحید المالکیة؟ للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: الجواب الاجمالي: من البدیهی أنّ الخالق والمالک یکون مدبّراً لأمر العالم أیضاً، وبهذا تثبت أرکان التوحید الثلاثة، وهی: توحید الخالقیة وتوحید المالکیة وتوحید الربوبیة. والذی یکون على هذا الحال فإنّه غنیّ عن کلّ شیء، وأهل لکلّ حمد وثناء. الجواب التفصيلي: جاء جواب هذا السؤال فی الآیتین 25ـ و26 من سورة اللقمان. فتقول الآیة الاُولى "وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ" (لقمان 25). هذا التعبیر ـ والذی یلاحظ فی آیات القرآن الاُخرى، کالآیة 61 ـ 63 من سورة العنکبوت، والآیة 38 من الزمر، والآیة 9 من الزخرف ـ یدلّ من جهة على أنّ المشرکین لم یکونوا منکرین لتوحید الخالق مطلقاً، ولم یکونوا یستطیعون ادّعاء کون الأصنام خالقة، إنّما کانوا معتقدین بالشرک فی عبادة الأصنام وشفاعتها فقط، ومن جهة اُخرى یدلّ على کون التوحید فطریّاً وأنّ هذا النور کامن فی طینة وطبیعة کلّ البشر. ثمّ تقول: إذا کان هؤلاء معترفین بتوحید الخالق فـ "قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ" (لقمان 25). ثمّ تتطرّق إلى مالکیة الله، لأنّه بعد ثبوت کونه خالقاً لا حاجة إلى دلیل على کونه مالکاً، فتقول: "لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ" (لقمان 26)، ومن البدیهی أنّ الخالق والمالک یکون مدبّراً لأمر العالم أیضاً، وبهذا تثبت أرکان التوحید الثلاثة، وهی: توحید الخالقیة وتوحید المالکیة وتوحید الربوبیة. والذی یکون على هذا الحال فإنّه غنیّ عن کلّ شیء، وأهل لکلّ حمد وثناء، ولذلک تقول الآیة فی النهایة: "إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ" (لقمان 26). إنّه غنیّ على الإطلاق، وحمید من کلّ جهة، لأنّ کلّ موهبة فی هذا العالم تعود إلیه، وکلّ ما یملکه الإنسان فانّه صادر منه وخزائن کلّ الخیرات بیده، وهذا دلیل حیّ على غناه. در آیه بعد لأجل تجسید علم الله اللامتناهی یقول: "وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (لقمان 27). بعد ذکر علم الله اللامحدود، تتحدّث الآیة الاُخرى عن قدرته اللامتناهیة، فتقول: "مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ۗ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ" (لقمان 28).
https://telegram.me/buratha