طاهر باقر
بلا شك ان المهتدين هم مسلمون، لكن السؤال المثير هو هل ان جميع المسلمين مهتدون ويستحقون الجنة؟ واذا كان الامر كذلك فلماذا بين المسلمين من هو قاتل وذباح وسارق وظالم؟
اذن ليس كل المسلمين هم مهتدون فبينهم من هو ضال ومجرم يستحق العقاب الاكبر! من هنا يجب على كل مسلم ان يسال نفسه هل هو ينتمي الى زمرة المهتدين ام لا ؟ ومن اين يحصل هذا الانسان على الجواب؟ ومااهمية ان يحصل على هذه المعرفة؟
جميع الاجوبة سنحصل عليها من القرآن الكريم ومن النبي واهل بيته صلوات الله عليهم فهم الذين ذكرهم عزوجل في كتابه الكريم (وَمَا یَعْلَمُ تَأْوِیلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ..) "آل عمران 7 " يعني هم يعرفون الخفايا واهمها خفايا القرآن الكريم.
المشكلة ان الشيطان يتفنن في خداع الناس الى درجة يجعلهم يتصورون انفسهم من زمرة المهتدين بينما هم من فئة الضالين، الذين وصف الله سبحانه حالهم في الآية الكريمة (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) "سورة الْكَهْفِ: 103-104 " فهؤلاء كانوا مخدوعين الى درجة انهم كانوا يظنون بانفسهم انهم يعملون الصالحات بينما كانت تسجل السيئات في صفائح اعمالهم.
فهل سألت نفسك يوما انت من المهتدين ام من الضالين؟
سنذهب الى القرآن الكريم ونبحث عن صفات المهتدين والضالين ونطبقها على حالنا حتى نعرف انفسنا ومدى صلتنا بطريق الهدى الذي ذكره الله سبحانه في قرآنه الكريم وسلكه الانبياء والصالحين وارخصوا في سبيله دماءهم وانفسهم.
في البداية نتوقف عند آية تقابلنا دوما عندما نفتح القرآن الكريم وتتحدث بشكل رئيسي عن الهدى وهي (ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) "البقرة: 2" هذه الآية تبين حقيقة دقيقة الى درجة لايعرف كنهها اكثر المسلمين وهي ان المتقين هم الذين يتخذون من القرآن كتاب هدى.
ولو تأملت فإن كثيرا من الذين يقرؤون القرآن الكريم هم لايفهمون كثيرا من معانيه ولايتخذونه سبيلا للهدى بل هم يعتمدون على مقولات مشايخهم في فهم القرآن الكريم وفي تفسير آياته، هؤلاء الذين يفسرون القرآن الكريم بحسب اهواء ورغبات مذاهبهم وطوائفهم لا كما يريد القرآن نفسه.
ولنا ان نتصور كيف سيكون القرآن هدى لعامة الناس وهم لايفهمون معانيه ولايدركون مغازيه؟
ولذا فإن القرآن هو هدى للمتقين لانهم هم الذين يقرؤون بتمعن وفهم وتدبر وتعمق في كتاب الله المجيد، وهم الذين يبحثون عن حل مشالكهم ومعضلاتهم من خلال القرآن الكريم فهو الهادي والشافي لهم، وهو الذي يضيئ لهم دربهم ويكشف لهم عن معالم مسيرتهم فيتخذون هدي القرآن مسلكا لهم في طريق الحياة الدنيا، وهو قائدهم في الآخرة.
ويستطيع الانسان ان يقفز بهمته الى مصاف المتقين عندما يجعل اكبر همه هو تعلم القرآن الكريم وان لايكتفي بتلاوته دون ادراك معانيه، وخاصة وان ادوات التعلم وفهم القرآن باتت متوفرة لكافة الناس عن طريق ادوات البحث الكثيرة التي تسهل عليك معرفة الاصطلاحات وكلمات القرآن الكريم من المصادر العربية المعتبرة.
وفي زمن التيه والضياع الذي نحن فيه، يملك المتقون مصباح يضيئ لهم دربهم هو القرآن الكريم الذي يكشف لهم المبهمات ويوضح لهم الغامضات ويفتح لهم الابواب المغلقة ولذا هم في نور دائم والناس في ضياع دائم.
فمن هم المهتدون بنظر القرآن الكريم؟ ومالشرائط التي يجب ان تتوفر في الشخص حتى يكون مؤهلا لهداية الله؟
اولا/ الايمان
ويقول عزوجل في كتابه المبين (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيئ عليم) "التغابن : 11" فالمؤمن هو الذي هيأ قلبه لتلقي هداية الله، اما الكافر او المشرك بالله فقد اغلق قلبه عن تلقي نور الهداية ولذا سيبقى مظلما قلبه ولن يتقبل قول الحق.
ثانيا/ الانابة
التوبة والعودة الى الله، فلايتوقع من يصر على الاثم ان تحصل له الهداية من الله وهو مداوم على الذنب ومستمر في عصيان ربه، فالذي يريد ان يحصل على الهداية يتوجب عليه ان يتوب من ذنوبه ويعود الى الله، ويقول عزوجل في هذا المضمار (ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب) "الرعد: 27".
ثالثا/ الاعتصام بالله
وهو اللجوء اليه وطلب الحماية والنجاة منه وحده، ومن يلجأ الى غير الله يجب ان لايتوقع بان يحصل على الحماية والسداد والتوفيق والهداية من الله وهنا يقول رب العزة (وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم) "ال عمران : 101"
رابعا/ الجهاد
المجاهدون الذين عرضوا حياتهم للخطر هؤلاء سيهديهم الله سبحانه الى صراطه السوي، وفي هذا المقام يقول عزوجل (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) " العنكبوت : 69".
خامسا/ الاعتقاد باليوم الآخر
الناس صنفان هناك من يقول بوجود الآخرة بلسانه ولايعمل صالحا وهناك من لديه يقين بوجود الآخرة ويعمل لها، فالصنف الثاني من الناس هم الذين يستحقون هداية الله لانهم قرنوا علمهم بعملهم واستحقوا على ذلك الهداية والمسير على الصراط المستقيم في الدنيا والآخرة.
سادسا/ اقامة الصلاة
تارك الصلاة هو من زمرة الذين لايستحقون الهداية من الله سبحانه وتعالى، لذا يتوجب على من يطلب الهداية من الله ان يداوم على صلاته، لان الصلاة هي عمود الدين ومن تركها انكسر عمود دينه، ولن يبقى له شيئ يستند عليه في الآخرة.
سابعا/ ايتاء الزكاة
قضية الانتماء الديني هي ليست حاجة فردية فحسب بل اضافة الى ذلك هي مسؤولية اجتماعية، فالشخص المؤمن هو فرد يعيش في مجنمع ايماني يفرض عليه واجبات كما يخصص له حقوق ومن هذه الواجبات هو التزامه بالعطاء تجاه ابناء مجتمعه الذين يعيشون في ظروف استثنائية مثل الحرب والتهجير والبطالة وغيرها.
ثامنا/ الخشية من الله
كيف يتوقع المرء ان يهديه الله سبحانه الى الصراط السوي وهو لايخشى الله ويفعل مايحلو له من المعاصي والذنوب دون الخوف من ان ينزل الله عليه عذابه او ياخذه بغتة، فالذي يخشى ربه يضعه نصب عينيه في كل حركاته وسكناته، وقد اختصر الله سبحانه وتعالى الصفاة الاخيرة التي ذكرناها التي تؤهل الانسان الى الهداية في هذه الآية الكريمة (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ) "التوبة – 18"
اذن؛ فكل المهتدون مسلمون وليس كل المسلمون مهتدين.
بقلم : طاهر باقر
https://telegram.me/buratha