الدكتور فاضل حسن شريف
قوله تعالى "وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ" (غافر 27) من حالات الاستعاذة بالله الاستجارة بالله عند الخوف. يقول الشيخ جعفر كاشف الغطاء: المقصد الحادي عشر في الوسواس الذي أمر بالاستعاذة منه ربّ الناس في سورة الناس. وهو عبارة عن حالة في الإنسان تمنعه عن الثبات والاطمئنان، وهو كالجنون له فنون، ومنشأه غلبة الوهم، واضطراب الفكر، فقد يرى نفسه بأشدّ المرض وهو في كمال الصحّة، أو بأشدّ الخوف وهو في غاية الأمن، ويرى عمله فاسداً وهو صحيح، وغير فاعل لشيء عند الفراغ من فعله، ويرى الطاهر نجساً، والحلال حراماً وبالعكس فيهما.
عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "وَ قُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ" (المؤمنون 97). إنّه دعاء بالإنقاذ من تربّص الشيطان و مكره الخفي، و لا يقف الدعاء عند همزات الشياطين بل يستمرّ في الاستعاذة من حضورهم عنده وَ أَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ أي حضور الشياطين في اجتماعات النّبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم الذي يؤدّي إلى إغفال المجتمعين و إضلالهم. ملاحظتان: 1- ما معنى همزات الشياطين؟ "الهمزات" جمع همزة بمعنى التحريك بقوّة، و قد أطلقت هذه التسمية على حرف الهمزة، لأنّها تؤدّي إلى حركة قويّة في نهاية الحلق. و قال بعض المفسّرين: إنّ الهمز و الغمز و الرمز بمعنى واحد. إلّا أنّ الرمز ذو مرحلة خفيفة، و الغمز أشدّ منها. و الهمز، نهايتها في الشدّة. و بما أنّ الشياطين صيغة جمع، فهي تضمّ شياطين الجنّ و الإنس، ظاهرها و خفيّها. و نقرأ في تفسير علي بن إبراهيم أنّ الإمام عليه السّلام قال في معنى الآية: "قُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ" (المؤمنون 97): هو ما يقع في قلبك من وسوسة الشيطان. فإذا كان الرّسول صلى اللّه عليه و آله و سلّم مع عصمته و منزلته السامية عند اللّه، يدعوه سبحانه بهذا الدعاء، فما بالك بمسؤولية الآخرين؟ يجب أن يدعوا اللّه ألّا يكلهم إلى أنفسهم طرفة عين. و ليس فقط ألّا يقعوا تحت تأثير همزات الشياطين، بل ألّا يحضرهم الشياطين في مجالسهم. فعلى محبّي الحقّ و الذّابين عنه و ناشديه أن يفوّضوا أمرهم إلى اللّه، ليحفظهم من وساوس الشياطين و مكائدهم. 2- ردّ السيّئة بالحسنة: من أبرز السبل المؤثّرة في مكافحة الأعداء الأشدّاء و المعاندين ردّ السيّئة بالحسنة، فذلك يوقظ مشاعرهم، فيحاسبون أنفسهم على ما اقترفوه من أعمال سيّئة، و يعودون للصواب غالبا. و نجد في سيرة الرّسول صلى اللّه عليه و آله و سلّم و أئمّة الهدى عليهم السّلام هذا المنهج بشكل واضح، حيث يردّون سيّئات الجنازة بالإحسان إليهم و الإنعام عليهم، فيكسبون ودّهم، و يفجّرون في جوارحهم استجابة للحقّ، و رفضا للباطل. و قد ذكر القرآن المجيد هذه السيرة للمسلمين مرارا باعتبارها مبدأ أساسيّا لاقتلاع السيّئات، ففي الآية الرّابعة و الثلاثين من سورة فصّلت نقرأ "فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ" (فصلت 34). و الجدير بالذكر أنّ هذا الأمر خاص بحالات لا يسيء العدو الاستفادة من هذا المبدأ، و يرى إحسانهم إليه أو عفوهم عنه ضعفا منهم، فيزداد جرأة على العدوان و الظلم. و هذه السيرة لا تعني مساومة الأعداء أو التسليم لهم. و هذا قد يكون السبب في أنّ اللّه عزّ و جلّ أمر الرّسول صلى اللّه عليه و آله و سلّم بعد ذكر هذه التوصية مباشرة بالتعوّذ به من همزات الشياطين و حضورهم حوله.
من معاجز القرآن الكريم ذكره ابليس 11 مرة و الاستعاذة منه 11 مرة. جاء في موقع موضوع عن كيفية التخلص من وساوس الشيطان: يشكو الكثير من الناس من الوسوسة التي مصدرها الشيطان، فالكثير من الناس يشكّ في طهارته، وطهارة ثيابه، وطهارة الأشياء المحيطة به، وقد تكون الشكوك في الصلوات، ممّا يجعل العبد يفكّر بأنّ الصلاة من الهموم الثقيلة التي يجب التخلّص منها، وقد تؤدي الوساوس إلى ترك الصلاة بشكلٍ كليٍ، وقد تكون الوسوسة في كلّ العبادات، فالوسوسة تطلق على ما يحدثه الشيطان في قلب العبد، كما أنّ الوسوسة تطلق على ما يحصل من حديث النفس، وما يحصل لها من الأفكار السيئة، أمّا الشخص الذي يصاب بالوساوس يطلق عليه الموسوس، وإن تكلّم بكلامٍ غير مفهومٍ يطلق عليه الوسوس، ومن الجدير بالذكر أنّ أول وسوسةً كانت من الشيطان لآدم عليه السلام وحواء، حيث قال الله تعالى: "فَوَسوَسَ لَهُمَا الشَّيطانُ لِيُبدِيَ لَهُما ما وورِيَ عَنهُما مِن سَوآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَن هـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلّا أَن تَكونا مَلَكَينِ أَو تَكونا مِنَ الخالِدينَ" (الاعراف 20)، إلّا أنّ الله تعالى أمر عباده بالاستعاذة من الشيطان ووساوسه، حيث قال: "قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَـهِ النَّاسِ * مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ" (الناس 1-6)، إلّا أنّ المسلم يجب عليه التخلّص من وساوس الشيطان، ويمكن أن يتحقّق من ذلك بالعديد من الوسائل والطرق، وذلك ما سيتم بيانه.
جاء في موقع طريق الحق عن ادعية الصالحين في القرآن الكريم 2 للكاتب محمد صالح المنجد: هكذا نجد الأدعية تتوالى من الأنبياء، ويعلم الله محمداً صلى الله عليه وسلم أدعية أخرى كما ورد في كتاب الله العزيز: "وقل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ" (المؤمنون 97-98)، الشيطان له همزات، وهمزات الشيطان هذه الوساوس، وهذا المس، وهذا الأذى، والشر عموماً الذي يكيد به البشر، ولذلك الاستعاذة بالله الحصن الحصين والركن الشديد "رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ" (المؤمنون 97) لأنهم عدو خفي غير مرئي، عدو خفي لا يرى، فلا بد من الاستعاذة بالله عز وجل الذي يعلم مكان الشياطين، ويعلم شر الشياطين، وكيد الشياطين، وماذا يفعلون، ومتى يفعلون، وبمن يريدون الإيقاع؟ فإذا التجأ المسلم إلى الله الذي يعلم هذه الخفايا والغيوب دفع عنه كيد عظيم وشر كبير. "وقل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ" (المؤمنون 97-98)، لا يحضروني عند طعامي ولا شرابي، ولا نكاحي، ولا أمري، "أَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ" (المؤمنون 98) ولا يحضرون في صلاتي فيشوشون علي خشوعي، لا يحضروني في أي أمر من أموري، أبعدهم يا رب.
https://telegram.me/buratha