الدكتور فاضل حسن شريف
بسم الله الرحمن الرحيم "إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ (3) إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُّنبَثًّا (6) وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ (14) عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ (15) مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16)" (الواقعة 1-16) عند وجود كلمة اذا يعني ان ما بعدها يتحقق، ووقعت هنا يعني ستقع "إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ" (الواقعة 1). يوجد في القرآن في حدود 70 اسم ليوم القيامة منها الطامة والحاقة والساعة والواقعة. "لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ" (الواقعة 2) معناها ان هذه الواقعة لا يستطيع أحد أن يكذبها ولابد من وقوعها مائة بالمائة عقليا ودينيا. والرأي الثاني ان المكذبين غير مؤمنين بها "يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ ۗ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ" (الشورى 18). "خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ" (الواقعة 3) ثلاث أراء للمفسرين فيها منها تخفض الكافرين وترفع المؤمنين ومصداقها ان الجنة فيها صعود والنار نزول دركات. المعنى الثاني يرفع المستضعفين ويضع المستكبرين مثل الامم المستكبرة في الدنيا ففي يوم القيامة في انخفاض. والرأي الثالث رفع المساكين ونزول الاغنياء الذين لا يعطون الحقوق. "إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا" (الواقعة 4) الرج هو الهز الشديد وهو نفس معنى الزلزلة "إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا" (الزلزلة 1)، و "إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ" (الحج 1) كما في زلازل الدنيا حاليا عند درجة 8 يصبح الدمار فكيف بزلزال يوم القيامة. "وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا" (الواقعة 5) البس جاء بسبب قوة الرجة. والبس هو التلين مثل لين الطحين بالماء لتصبح عجينة. اللين مقابل الصلابة "وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ" (سبأ 10) ليصبح الشيء يمتلك خاصية الحركة. "فَكَانَتْ هَبَاءً مُّنبَثًّا" (الواقعة 6) الهباء هو الغبار الخفيق اي خفيف الوزن حيث تصبح الجبال مثل الغبار لا وزن لها "وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلا" (المزمل 14)، و "وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ" (القارعة 5)، و "وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا" (الطور 10). والقرآن يحول التصورات الصعبة الى سهلة لا قيمة لها "وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا" (الفرقان 23). عن موقع المكتبة الموالية عن تفسير سورة الواقعة بأختصار: بسم الله الرحمن الرحيم "إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2)" (الواقعة 1-2) القيامة هي حق. "خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ" (الواقعة 3) خافضة لاعداء الله، رافعة لاولياء الله. إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (الواقعة 3) يدق بعضها على بعض. "وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا" (الواقعة 5) قلعت الجبال قلعا. "فَكَانَتْ هَبَاءً مُّنبَثًّا" (الواقعة 6) الهباء الذي يدخل في الكوة من شعاع الشمس. "وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً" (الواقعة 7) يوم القيامة. "فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ" (الواقعة 8) وهم المؤمنون من أصحاب التبعات يوقفون للحساب. "وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10)" (الواقعة 9-10) الذين قد سبقوا إلى الجنة بلا حساب.
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى "إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا" (الواقعة 4) الرج تحريك الشيء تحريكا شديدا إشارة إلى زلزلة الساعة التي يعظمها الله سبحانه في قوله "إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ" (الحج 1)، وقد عظمها في هذه الآية حيث عبر عنها برج الأرض ثم أكد شدتها بتنكير قوله "رَجًّا" أي رجا لا يوصف شدته. والجملة بدل أو بيان لقوله "إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ" (الواقعة 1). قوله تعالى "وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا" (الواقعة 5) عطف على رُجَّتِ والبس الفت وهو عود الجسم بدق ونحوه أجزاء صغارا متلاشية كالدقيق ، وقيل : البس هو التسيير فهو في معنى قوله "وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ" (النبأ 20). وقوله "فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا" (الواقعة 6) الهباء قيل: هو الغبار وقيل: هو الذرة من الغبار الظاهر في شعاع الشمس الداخل من كوة ، والانبثاث التفرق ، والمعنى ظاهر.
جاء في معاني القرآن الكريم: وقع الوقوع: ثبوت الشيء وسقوطه. يقال: وقع الطائر وقوعا، والواقعة لا تقال إلا في الشدة والمكروه، وأكثر ما جاء في القرآن من لفظ "وقع" جاء في العذاب والشدائد نحو: "إذا وقعت الواقعة * ليس لوقعتها كاذبة" (الواقعة 1-2)، وقال: "سأل سائل بعذاب واقع" (المعارج 1)، "فيومئذ وقعت الواقعة" (الحاقة 15) ووقوع القول: حصول متضمنه، قال تعالى: "ووقع عليهم بما ظلموا" (النمل 85) أي: وجب العذاب الذي وعدوا لظلمهم، فقال عز وجل: "وإذا وقع القوم عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض" (النمل 82) أي: إذا ظهرت أمارات القيامة التي تقدم القول فيها. قال تعالى: "قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب" (الاعراف 71) وقال: "أثم إذا ما وقع آمنتم به" (يونس 51)، وقال: "فقد وقع أجره على الله" (النساء 100) واستعمال لفظة الوقوع ههنا تأكيد للوجوب كاستعمال قوله تعالى: "وكان حقا علينا نصر المؤمنين" (الروم 47)، "كذلك حقا علينا ننج المؤمنين" (يونس 103) وقوله عز وجل: "فقعوا له ساجدين" (الحجر 29) فعبارة عن مبادرتهم إلى السجود، ووقع المطر نحو: سقط، ومواقع الغيث: مساقطه، والمواقعة في الحرب، ويكنى بالمواقعة عن الجماع، والإيقاع يقال في الإسقاط، وفي شن الحرب بالوقعة. ووقع الحديد: صوته، يقال: وقعت الحديدة أقعها وقعا: إذا حددتها بالميقعة؛ وكل سقوط شديد يعبر عنه بذلك، وعنه استعير: الوقعية في الإنسان. والحافر الوقع: الشديد الأثر، ويقال للمكان الذي يستقر الماء فيه: الوقيعة، والجمع: الوقائع، والموضع الذي يستقر فيه الطير: موقع، والتوقيع: أثر الدبر بظهر البعير، وأثر الكتابة في الكتاب، ومنه استعير التوقيع في القصص.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا" (الواقعة 4) يستعرض القرآن الكريم وصفا أوسع في هذا الجانب حيث يقول: "إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا" (الواقعة 4) يا له من زلزال عظيم و شديد إلى حدّ أنّ الجبال فيه تندكّ و تتلاشى، قال تعالى: "وَ بُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (5) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (6)" (الواقعة 5-6) "رجّت" من مادّة رجّ على وزن حجّ بمعنى التحرّك الشديد للشيء و تقال رجرجة للاضطراب. "بسّت" من مادّة بسّ على وزن حجّ. و الأصل بمعنى تليّين الطحين و تعجنه بواسطة الماء. "هباء" بمعنى غبار، و «منبث» بمعنى منتشر. قال البعض: إنّ "هباء" هو ذرّات الغبار الصغيرة المعلّقة بالفضاء و لا ترى في الحالة الاعتيادية، إلّا إذا دخل نور الشمس من نافذة إلى مكان مظلم. و الآن يجب التفكير بهذه الزلزلة و الإنفجار، كم هو عظيم بحيث تتلاشى الجبال مع ما لها من القوّة و الصلابة بحيث تتحوّل إلى غبار منتشر، و الأعظم هو شدّة الصوت الذي ينتج من هذا الإنفجار الرهيب. و على كلّ حال فقد نلاحظ في الآيات القرآنية تعبيرات مختلفة حول وضع الجبال قبل يوم القيامة، و تكشف لنا المراحل المتعدّدة للانفجار العظيم الذي يطرأ على الجبال، حيث يقول عزّ و جلّ في هذا الصدد: وَ تَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً" (الطور 10). وَ إِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ" (المرسلات 10). "فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً" (الحاقة 14). "وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا" (المزمل 14) أي كالرمل المتراكم. "فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا" (الواقعة 6) الآية محلّ البحث. و أخيرا "وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ" (القارعة 2) أي كالصوف المنفوش حيث لا يرى منها إلّا لونها. و من الواضح أن لا أحد يعلم إلّا اللّه بحقيقة حصول هذه التغيّرات التي لا تحملها الألفاظ، و لا تجسّدها العبارات، اللهمّ إلّا إشارات معبّرة تحكي عظمة و هول هذا الإنفجار العظيم.
https://telegram.me/buratha