الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله تعالى عن الشورى ومشتقاتها "وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ" ﴿الشورى 38﴾ شورى اسم، أمرهمْ شورى: يَتشاوَرون و يَترَاجعون فيه، والذين استجابوا لربهم حين دعاهم إلى توحيده وطاعته، وأقاموا الصلاة المفروضة بحدودها في أوقاتها، وإذا أرادوا أمرًا تشاوروا فيه، ومما أعطيناهم من الأموال يتصدقون في سبيل الله، ويؤدون ما فرض الله عليهم من الحقوق لأهلها من زكاة ونفقة وغير ذلك من وجوه الإنفاق، و "أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا" ﴿البقرة 233﴾ وَتَشَاوُرٍ: وَ حرف عطف، تَشَاوُرٍ اسم، إن أراد الوالدان فطام المولود قبل انتهاء السنتين فلا حرج عليهما إذا تراضيا وتشاورا في ذلك، ليصلا إلى ما فيه مصلحة المولود، و "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ" ﴿آل عمران 159﴾ وَشَاوِرْهُم: وَ حرف عطف، شَاوِرْ فعل، هُمْ ضمير، فبرحمة من الله لك ولأصحابك أيها النبي منَّ الله عليك فكنت رفيقًا بهم، ولو كنت سيِّئ الخُلق قاسي القلب، لانْصَرَفَ أصحابك من حولك، فلا تؤاخذهم بما كان منهم في غزوة أُحد، واسأل الله أيها النبي أن يغفر لهم، وشاورهم في الأمور التي تحتاج إلى مشورة، فإذا عزمت على أمر من الأمور بعد الاستشارة فأَمْضِه معتمدًا على الله وحده، إن الله يحب المتوكلين عليه، و "فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ۖ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا" ﴿مريم 29﴾ فَأَشَارَتْ: فَ حرف استئنافية، أَشَارَتْ فعل، فأشارت مريم إلى مولودها عيسى ليسألوه ويكلموه، فقالوا منكرين عليها: كيف نكلم مَن لا يزال في مهده طفلا رضيعًا؟.
جاء في محاضرات في الإلهيات للشيخ جعفر السبحاني: قوله سبحانه: "وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله" (ال عمران 159) فالله سبحانه أمر نبيه بالمشاورة تعليما للأمة حتى يشاوروا في مهام الأمور ومنها الخلافة. يلاحظ عليه أولا: أن الخطاب في الآية متوجه إلى الحاكم الذي استقرت حكومته، فيأمره سبحانه أن ينتفع من آراء رعيته، فأقصى ما يمكن التجاوز به عن الآية هو أن من وظائف كل الحكام التشاور مع الأمة، وأما أن الخلافة بنفس الشورى، فلا يمكن الاستدلال عليه بها. وثانيا: أن المتبادر من الآية هو أن التشاور لا يوجب حكما للحاكم، ولا يلزمه بشئ، بل هو يقلب وجوه الرأي ويستعرض الأفكار المختلفة، ثم يأخذ بما هو المفيد في نظره، حيث قال تعالى: "فإذا عزمت فتوكل على الله" (ال عمران 159). كل ذلك يعرب عن أن الآية ترجع إلى غير مسألة الخلافة والحكومة.
تكملة للحلقة السابقة عن شبكة المعارف الاسلامية الثقافية بماذا تنعقد الإمامة عند أهل السنّة؟ 4- قال القُرْطُبي: (م 671 هـ): (فإنْ عَقَدها واحدٌ من أهل الحلّ والعقد، فذلك ثابت، ويلزم الغير فعله، خلافاً لبعض الناس، حيث قال: لا تنعقد إلاّ بجماعة من أهل الحلّ والعقد، ودليلنا: أنّ عُمَر عقد البيعة لأبي بكر، ولم ينكر أحد من الصحابة ذلك (ولعل القرطبي لم يقرأ مأساة السقيفة بين المهاجرين والأنصار، وإلاّ فالإعتراض والنزاع كان قائماً على قدم وساق ويكفي في ذلك مراجعة كتاب الإمامة والسياسة لابن قتيبة، وتاريخ الطبري، وسيرة إبن هشام، وكتاب السقيفة لأبي بكر الجوهري المتوفّى عام 280 هـ . وفيما يأتي من المباحث نشير إلى بعض تلك الوقائع). ولأنّه عَقْدٌ، فوجب أن لا يفتقر إلى عدد يعقدونه كسائر العقود). 5- وقال القاضي عضد الدين الإيجي (م 757 هـ): (المقصد الثالث فيما تثبت به الإمامة، وأنّها تثبت بالنّصّ من الرسول، ومن الإمام السابق، بالإجماع، وتثبت ببَيْعَة أهل الحلّ والعقد. لنا، ثبوت إمامة أبي بكر بالبَيْعة). وقال: (وإذا ثبت حصول الإمام بالإختيار والبَيْعة، فاعلم أنّ ذلك لا يفتقر إلى الإجماع، اذ لم يقم عليه دليل من العقل أو السمع، بل الواحد والإثنان من أهل الحلّ والعقد، كاف، لعِلْمِنا أنّ الصحابة، مع صلابتهم في الدين، اكتفوا بذلك، كعقد عمر لأبي بكر، وعَقْد عبد الرحمن بن عوف لعُثْمان، ولم يشترطوا اجتماع مَنْ في المدينة، فضلاً عن إجماعهم هذا، ولم ينكر عليه أحد، وعليه انطوت الأعصار إلى وقتنا هذا). 6- وعلى ذلك مضى شارح المواقف السيد شريف الجرجاني (م 816 هـ). 7- وقال التفتازاني (م 791 هـ): (وتنعقد الإمامة بطرق: أحدها: بيعة أهل الحلّ والعقد من العلماء والرؤساء ووجوه النّاس الذين يتيسر حضورهم من غير اشتراط عدد، ولا اتّفاق مَنْ في سائر البلاد، بل لو تعلّق الحّلُّ والعَقْدُ بواحد مطاع كفت بيعته. الثاني: إستخلاف الإمام وعهده، وجعله الأمر شورى بمنزلة الإستخلاف، إلاّ أنّ المستخلَف عليه غير متعين فيتشاورون، ويتفقون على أحدهم، وإذا خَلَع الإمام نَفْسَه كان كموته، فينتقل الأمر إلى ولي العهد. الثالث: القَهْرُ والإستيلاء، فاذا مات الإمام وتصدّى للإمامة من يستجمع شرائطها من غير بيعة واستخلاف، وقَهَرَ الناس بشوكته، انعقدت الخلافة له وكذا إذا كان فاسقاً أو جاهلاً على الأظهر).
https://telegram.me/buratha