الدكتور فاضل حسن شريف
عن المولى والعقد جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً" (النساء 33) التّفسير: يعود القرآن مرّة أخرى إلى مسألة الإرث إذ يقول: "وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ" (النساء 33) أي لكل رجل أو امرأة جعلنا ورثة يرثون ممّا ترك الوالدان و الأقربون الذي يجب أن يقسّم بينهم طبق برنامج خاص. الموالي جمع مولى، و هي في الأصل من مادة الولاية بمعنى الاتصال و الارتباط، و تطلق على جميع الأفراد الذين يرتبط بعضهم ببعض بنوع من الارتباط، غاية ما هناك أنّها تكون في بعض الموارد بمعنى ارتباط الولي، مع أتباعه، و أمّا في الآية الحاضرة فتكون بمعنى الورثة. إنّ هذه العبارة هي في الحقيقة خلاصة أحكام الإرث التي مرّ ذكرها في الآيات السابقة في مجال الأقرباء، و هي مقدمة لحكم سيأتي بيانه في ما بعد. ثمّ إنّ اللّه تعالى يضيف قائلا: "وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ" (النساء 33) أي ادفعوا إلى الذين عقدتم معهم عقدا نصيبهم من الإرث. و التعبير عن الميثاق بعقد اليمين (و هو العقد باليد اليمنى) لأجل أنّ الإنسان غالبا ما يستفيد من يده اليمنى للقيام بأعماله، كما أنّ الميثاق يشبه نوعا من العقد (في مقابل الحل). و الآن لننظر من هم الذين عقد معهم الميثاق، الذين لا بدّ أن يعطوا نصيبهم من الإرث؟ يحتمل بعض المفسّرين أنّ المراد هو الزوج و الزوجة لأنّهما عقدا في ما بينهما رابطة الزوجية. و لكن هذا الاحتمال يبدو مستبعدا، لأنّ التعبير عن الزواج بعقد اليمين و نظيره في القرآن الكريم قليل جدا، هذا مضافا إلى أنّه يعد تكرارا للمواضيع السابقة. إنّ ما هو أقرب إلى مفهوم الآية هو عقد ضمان الجريرة الذي كان رائجا قبل الإسلام، و قد عدله الإسلام بعد أن أقرّه لما فيه من ناحية إيجابية و هو: (أن يتعاقد شخصان فيما بينهما على أن يتعاونا فيما بينهما بشكل أخوي أن يعين أحدهما الآخر عند المشكلات، و إذا مات أحدهما قبل الآخر ورثه الباقي) و لقد أقر الإسلام هذا النوع من التعاقد الأخوي الودي، و لكنّه أكد على أنّ التوارث بسبب هذا الميثاق إنّما يمكن إذا لم يكن هناك ورثة من طبقات الأقرباء، يعني إذا لم يبق أحد من الأقرباء ورث ضامن الجريرة الذي وقع بينه و بين الآخر مثل هذا العقد. صورة عقد ضمان الجريرة هكذا (عاقدتك على أن تنصرني و أنصرك و تعقل عني و أعقل عنك و ترثني و أرثك) فيقول الآخر: (قبلت).
تكملة للحلقة السابقة جاء في الموسوعة الحوزوية عن أهل الحل والعقد: وظائف أهل الحل والعقد: ذكرت من وظائف أهل الحلّ والعقد امور: منها: تولية الإمام و تعيينه ، وقد اتّفق الإمامية على أنّ ولاية الأمر بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم لا تكون إلّابالنص، ولا دخل لأهل الحلّ والعقد في تعيينها، خلافاً للجمهور. فقد روى يحيى بن أبي القاسم عن الإمام الصادق عن أبيه عن جدّه عليهم السلام قال: (قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: الأئمّة بعدي اثنا عشر، أوّلهم علي بن أبي طالب، وآخرهم القائم، فهم خلفائي و أوصيائي و أوليائي و حجج اللَّه على امّتي بعدي، المقرّ بهم مؤمن، و المنكر لهم كافر). هذا في عصر حضورهم عليهم السلام، أمّا في عصر الغيبة فيتولّى أمر المسلمين الفقيه الجامع للشرائط كما عليه بعض الفقهاء، للتوقيع المبارك عن الحجّة عجّل اللَّه تعالى فرجه الشريف، حيث جاء فيه: (وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة اللَّه). وإذا تعدّد الفقهاء تعيّن أفضلهم علماً و ورعاً و معرفة بامور المسلمين، فإن بايعه الناس وقدّموه على غيره صار هو الولي الحاكم، وإن اختلفوا عيّنه أهل الحلّ والعقد من الفقهاء، فإنّ الأخذ برأيهم أوفق بقواعد الحكمة و المنطق، وأقرب إلى قوله سبحانه وتعالى: "وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ" (الشورى 38). إلّاأنّه من الواضح أنّ هناك فرقاً بين مفهوم خبراء القيادة وأهل الحلّ والعقد، لأنّ خبراء القيادة بعض أهل الحلّ والعقد، لا جميعهم، فلا يصحّ القول بأنّ أهل الحلّ والعقد هم الذين يختارون الحاكم الشرعي من بين الأفراد المتعدّدين بقول مطلق. وهناك فرق آخر هو المهم، وهو أنّ خبراء القيادة- كما يظهر من عنوان الخبراء يكون دورهم تشخيص الأكفّاء لولاية الأمر من بين الفقهاء العدول، فيكون قولهم حجة و نافذاً على الآخرين باعتباره قول أهل الخبرة، وحيث إنّ المسألة خطيرة فلا يكتفى فيه بقول خبير واحد أو خبيرين، بل لابدّ من مجلس الخبراء الذي يضمّ أكبر مجموعة ممكنة منهم، ويكون انتخابهم من قبل الناس، لأنّهم يريدون تشخيص ما يرجع إلى شأن خطير من شؤونهم، فكما يكون اختيار الخبير في المرافعات بيد أطراف النزاع كذلك يناسب أن يكون اختيار الخبراء في شأن خطير من شؤونهم راجعاً إليهم.
تكملة للحلقة السابقة جاء في تفسير الكاشف لمحمد جواد مغنية عن من هم أولوا الأمر: وبالإجمال ان الشيعة والسنة يؤمنون معا بالعصمة كمبدأ وأيضا يتفق الشيعة وأكثر السنة، أو الكثير منهم على ان أولي المذكورين في الآية معصومون، وأيضا يتفقون على ان الدليل على عصمتهم ان اللَّه أوجب إطاعتهم، تماما كما أوجب إطاعة اللَّه والرسول، ولكن السنة والشيعة يختلفون في المراد من أولي الأمر المعصومين: هل هم أهل الحل والعقد أو هم أهل البيت عليهم السلام؟ قال السنة: هم أهل الحل والعقد. وقال الشيعة: هم أهل البيت، لأن العصمة منحة إلهية لا تعرف الا بالنص من اللَّه والرسول، وقد ثبت النص عنهما على عصمة أهل البيت، إذن يكون المراد بأولي الأمر أهل البيت دون غيرهم، وبتعبير ثان ان أولي الأمر في الآية معصومون لوجوب إطاعتهم، لأن من وجبت إطاعته فهو معصوم. فكرة العصمة لا تختص بالشيعة ولا بالسنة ، فالمسيحيون قالوا بعصمة البابا. وأيضا ثبتت عصمة أهل البيت بالنص، ولم تثبت عصمة غيرهم، ومن ثبتت عصمته فهو واجب الطاعة، فالنتيجة الحتمية ان أولي الأمر هم أهل البيت، وان أهل البيت هم أولو الأمر دون غيرهم. ومثل ذلك أن يقول لك قائل: استمع للناصح الأمين، ولا ناصح أمين الا زيد، فالنتيجة استمع لزيد. ومما استدل به الشيعة على عدم جواز الرجوع إلى أهل الحل والعقد في الأمور الدينية قوله تعالى "وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" (الاعراف 187). وقوله: "وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ" (المائدة 103). وقوله "وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ" (الزخرف 78). ومعنى هذا ان الحق لا يعرف بالناس قلَّوا أو كثروا ، وانما تعرف الناس بالحق الذي يؤخذ من كتاب اللَّه، وسنة نبيه، وحكم العقل البديهي الذي لا يختلف فيه اثنان.
https://telegram.me/buratha