الصفحة الإسلامية

اشارات قرآنية لكتاب اقتصادنا للسيد محمد باقر الصدر قدس سره (ح 10)


الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في کتاب اقتصادنا للشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره عن علاقة الفيء ببيت المال: وقد شرح القرآن الكريم دور الفيء الذي هو أحد موارد بيت المال في إيجاد التوازن، فقال: "مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُم" (الحشر 7). وقد مرّ بنا: أنّ هذه الآية الكريمة تتحدّث عن مصرف الفيء، فتضع اليتامى والمساكين وابن سبيل إلى صفّ الله والرسول وذي القربى، وهذا يعني: أنّ الفيء معدٌّ للإنفاق منه على الفقراء كما هو معدٌّ للإنفاق منه على المصالح العامة المرتبطة بالله والرسول. وتدلّ الآية بوضوح على أنّ إعداد الفيء للإنفاق منه على الفقراء يستهدف جعل المال متداولاً وموجوداً لدى جميع أفراد المجتمع، ليحفظ بذلك التوازن الاجتماعي العام، ولا يكون دُولة بين الأغنياء خاصة. والفيء في الأصل: ما يغنمه المسلمون من الكفّار بدون قتال. وهو ملك للدولة، أي: النبيّ والإمام باعتبار المنصب، ولذلك يعتبر الفيء نوع من الأنفال، وهي: الأموال التي جعلها الله ملكاً للمنصب الذي يمارسه النبي والإمام كالأراضي الموات أو المعادن، على قول. ويطلق الفيء في المصطلح التشريعي على الأنفال بصورة عامة، بدليل ما جاء في حديث محمّد بن مسلم عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: (الفيء والأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة الدماء ، وقوم صُولحوا أو أعطوا بأيديهم، وما كان من أرض خربة أو بطون أودية ، فهو كلّه من الفيء)، فإنّ هذا النصّ واضح في إطلاق اسم الفَيء، على غير ما يغنمه المسلمون من أنواع الأنفال، وفي ضوء هذا المصطلح التشريعي لا يختصّ الفيء حينئذٍ بالغنيمة المجرّدة عن القتال، بل يصبح تعبيراً عن جميع القطاع الذي يملكه منصب النبيّ والإمام. وعلى هذا الأساس نستطيع أن نستنتج: أنّ الآية حدّدت حكم الأنفال بصورة عامة ، تحت اسم: الفيء. وبذلك نعرف أنّ الأنفال تستخدم في الشريعة لغرض حفظ التوازن وضمان تداول المال بين الجميع، كما تستخدم للمصالح العامّة.

وعن علاقة ولي الأمر بالتشريع يقول السيد الصدر قدس سره: والدليل على إعطاء ولي الأمر صلاحيات كهذه لملء منطقة الفراغ، هو النصّ القرآني الكريم "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ" (النساء 59). وحدود منطقة الفراغ التي تتّسع لها صلاحيات أولي الأمر، تضمّ في ضوء هذا النصّ الكريم كلّ فعلٍ مباحٍ تشريعياً بطبيعته ، فأيّ نشاط وعمل لم يرد نصّ تشريعي يدل على حرمته أو وجوبه يسمح لوليّ الأمر بإعطائه صفة ثانوية ، بالمنع عنه أو الأمر به. فإذا منع الإمام عن فعل مباح بطبيعته أصبح حراماً، وإذا أمر به أصبح واجباً. وأمّا الأفعال التي ثبت تشريعي تحريمها بشكل عام ، كالرِّبا مثلاً، فليس من حقّ وليّ الأمر، الأمر بها. كما أنّ الفعل الذي حكمت الشريعة بوجوبه ، كإنفاق الزوج على زوجته، لا يمكن لوليّ الأمر المنع عنه، لأنّ طاعة أولي الأمر مفروضة في الحدود التي لا تتعارض مع طاعة الله وأحكامه العامة . فألوان النشاط المباحة بطبيعتها في الحياة الاقتصادية هي التي تشكّل منطقة الفراغ.

ويستمر السيد محمد باقر الصدر قدس سره شارحا آية الخمس في كتابه اقتصادنا: أنّ في أدلّة خمس الغنيمة الآية الكريمة الواردة في الخمس، وقد حقّقنا في محلّه: أنّ المعارض للكتاب بنحو العموم من وجه يسقط عن الحجية في مادّة الاجتماع، ويتقدّم عليه العام أو المطلق القرآني، وفق للنصوص الآمرة بطرح ما خالف الكتاب. والوجه الآخر: إنّ شمول دليل ملكيّة المسلمين لمادّة الاجتماع بالإطلاق ومقدّمات الحكمة ، وشمول جملة من أدلّة خمس الغنيمة للأرض المفتوحة بالعموم ، كرواية أبي بصير: (كلّ شيء قوتل عليه، على شهادة أنْ لا إله إلاّ الله، ففيه الخمس)، وكذلك الآية الكريمة. أمّا الرواية فإنّها مصدّرة بأداة العموم، وهي (كلّ) ، وأمّا الآية فهي وإن لم تشتمل على أداة العموم ، ولكن كلمة: "مِّن شَيْءٍ" في قوله: "وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ" (الانفال 41) تقوم مقام أداة العموم في الدلالة عرفاً على تصدّي الآية للاستيعاب بمدلوله اللفظي. والعموم اللفظي يقدّم في مورد المعارضة على الإطلاق الثابت بمقدمات الحكمة. وهكذا نعرف: أنّ الجواب عن التمسّك بإطلاقات أدلّة خمس الغنيمة، يحتاج إلى تقريب آخر. والتحقيق: عدم ثبوت الخمس في الأرض المفتوحة، كما بَنينا عليه في بحوث الكتاب، وذلك لأنّ روايات الغنيمة ليس فيها ما يصلح للاستدلال بإطلاقه على ثبوت الخمس في الأرض المفتوحة، إلاّ رواية أبي بصير المتقدّمة، لأنّ غيرها بين ما يكون ضعيف السند في نفسه، كروايات حصر الخمس في خمسة، أو ساقطاً بالمعارضة، كرواية ابن سنان: (لا خُمس إلا في الغنائم خاصة)، أو محفوفاً بالقرينة على الاختصاص بغير الأرض من الغنائم، كالروايات الدالّة على إخراج خمس الغنيمة، وتقسيم الباقي على المقاتلين، فإنّ التقسيم على المقاتلين قرينة على أنّ موردها الغنائم المنقولة. وهكذا نعرف أنّ الإطلاق ينحصر في رواية أبي بصير، مضافاً إلى إطلاق الغنيمة في الآية الكريمة، فهذان الإطلاقان هما عمدة الدليل على ثبوت الخمس ، ولا يتمّ شيء منهما بعد التدقيق. أمّا الآية: فلأنّ عنوان الغنيمة فيها قد فسّر ـ في صحيحة ابن مهزيارـ بالفائدة التي يستفيدها المرء، وعلى ضوء هذا التفسير يكون الموضوع في الآية عبارة عن: الفوائد المالية الشخصية، ودليل ملكية المسلمين للأرض المفتوحة يخرجها عن كونها فائدة شخصية، فلا يصدق عليها عنوان الغنيمة بالمعنى المفسّر في الصحيحة، فلا يبقى للآية إطلاق يشمل الأرض المفتوحة عَنوة.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك