الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله عز وعلا عن كلمة بث ومشتقاتها "وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ" ﴿الغاشية 16﴾ مبثوثة صفة، مبثوثة: مبسوطة، مبثوثة: متفرقة منتشرة، زَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ: الطنافس، البسط، وجوه المؤمنين يوم القيامة ذات نعمة؛ لسعيها في الدنيا بالطاعات راضية في الآخرة، في جنة رفيعة المكان والمكانة، لا تسمع فيها كلمة لغو واحدة، فيها عين تتدفق مياهها، فيها سرر عالية وأكواب معدة للشاربين، ووسائد مصفوفة، الواحدة جنب الأخرى، وبُسُط كثيرة مفروشة، و "فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ" ﴿البقرة 164﴾ وَبَثَّ: وَ حرف عطف، بَثَّ فعل، وبث: فرق ونشربه، وَبَثَّ فِيهَا: نشر فيها بالتوالد من سائر المخلوقات، إن في خلق السماوات بارتفاعها واتساعها، والأرض بجبالها وسهولها وبحارها، وفي اختلاف الليل والنهار من الطول والقصر، والظلمة والنور، وتعاقبهما بأن يخلف كل منهما الآخر، وفي السفن الجارية في البحار، التي تحمل ما ينفع الناس، وما أنزل الله من السماء من ماء المطر، فأحيا به الأرض، فصارت مخضرَّة ذات بهجة بعد أن كانت يابسة لا نبات فيها، وما نشره الله فيها من كل ما دبَّ على وجه الأرض، وما أنعم به عليكم من تقليب الرياح وتوجيهها، والسحاب المسيَّر بين السماء والأرض إن في كل الدلائل السابقة لآياتٍ على وحدانية الله، وجليل نعمه، لقوم يعقلون مواضع الحجج، ويفهمون أدلته سبحانه على وحدانيته، واستحقاقه وحده للعبادة، و "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا" ﴿النساء 1﴾ وَبَثَّ: وَ حرف عطف، بَثَّ فعل، وبث: فرق ونشر، يا أيها الناس خافوا الله والتزموا أوامره، واجتنبوا نواهيه، فهو الذي خلقكم من نفس واحدة هي آدم عليه السلام، وخلق منها زوجها وهي حواء، ونشر منهما في أنحاء الأرض رجالا كثيرًا ونساء كثيرات، وراقبوا الله الذي يَسْأل به بعضكم بعضًا، واحذروا أن تقطعوا أرحامكم. إن الله مراقب لجميع أحوالكم.
جاء في معاني القرآن الكريم: بثث أصل البث: التفريق وإثارة الشيء كبث الريح التراب، وبث النفس ما انطوت عليه من الغم والسر، يقال: بثثته فانبث، ومنه قوله عز وجل: "فَكَانَتْ هَبَاءً مُّنبَثًّا" ﴿الواقعة 6﴾، وقوله عز وجل: "وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ" ﴿البقرة 164﴾ إشارة إلى إيجاده تعالى مالم يكن موجودا وإظهاره إياه. وقوله عز وجل: "كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ" ﴿القارعة 4﴾أي: المهيج بعد ركونه وخفائه.
عن کتاب تفسير غريب القرآن للمؤلف فخر الدين الطريحي النجفي: قوله تبارك وتعالى "وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ" ﴿الغاشية 16﴾ ال "زَرَابِيُّ" الطنافس المحملة واحدها زريبة وال "زَرَابِيُّ" ﴿الغاشية 16﴾ البسط أيضا. و "مَبْثُوثَةٌ" ﴿الغاشية 16﴾ متفرقة في مجالسكم بكثرة و "زَرَابِيُّ" ﴿الغاشية 16﴾ البيت: ألوانه، وقد شبهوا ألوان البسط بها. قوله سبحانه "بث فيها" (البقرة 164) (لقمان 10) فرق "فيها" (البقرة 164) (لقمان 10) ونشر، و "بثي وحزني"(يوسف 86) البث أشد الحزن الذي لا يصبر عليه صاحبه حتى يبثه أي يشكوه، والحزن: أشد الهم، و "مبثوثة" ﴿الغاشية 16﴾ مفرقة في كل مجالسهم. والفراش في قوله تعالى: " كالفراش المبثوث " (القارعة 4) بالفتح شبيه بالبعوض يتهافت في النهار.
جاء في کتاب مجمع البيان في تفسير القرآن للشيخ الطبرسي: قوله تعالى "وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ" ﴿الغاشية 16﴾ و هي البسط الفاخرة و الطنافس المخملة و المبثوثة المبسوطة المنشورة و يجوز أن يكون المعنى أنها مفرقة في المجالس و عن عاصم بن ضمرة عن علي عليه السلام أنه ذكر أهل الجنة فقال يجيئون فيدخلون فإذا أسس بيوتهم من جندل اللؤلؤ و سرر مرفوعة و أكواب موضوعة و نمارق مصفوفة و زرابي مبثوثة و لو لا أن الله تعالى قدرها لهم لالتمعت أبصارهم بما يرون و يعانقون الأزواج و يعقدون على السرر و يقولون الحمد لله الذي هدانا لهذا قال قتادة و لما نعت الله الجنة و ما فيها عجب من ذلك أهل الضلال فأنزل الله سبحانه "أفَلاََ يَنْظُرُونَ إِلَى اَلْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ" (الغاشية 17) و كانت عيشا من عيشهم فيقول أ فلا يتفكرون فيها و ما يخرج الله من ضروعها من بين فرث و دم لبنا خالصا سائغا للشاربين يقول كما صنعت هذا لهم فكذلك أصنع لأهل الجنة في الجنة و قيل معناه أ فلا يعتبرون بنظرهم إلى الإبل و ما ركبه الله عليه من عجيب الخلق.
https://telegram.me/buratha