حامد كماش آل حسين
لقد بلغت ألقاب وفضائل أمير المؤمنين علي «عليه السلام» من الكثرة والشهرة حداً لم يتمكن أعدى أعدائه من إنكارها، رغم بذل كل الجهود في ذلك.
• قال الخليل بن أحمد الفراهيدي(1) وقد سُئل عن الإمام علي «عليه السلام»: ((ماذا أقول في رجل أخفى أعداؤه فضائله حسداً، وأخفاها محبوه خوفاً، وظهر من بين ذين وذين ما ملأ الخافقين))(2).
• وقال احمد بن حنبل عن الإمام علي «عليه السلام»: (( لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما جاء في علي))(3).
ونتيجة لعدم إمكانية إخفاء هذه الفضائل حاولوا أن يتقاسموها، وينحلوها الى الآخرين، حتى لا تكون خصوصية للإمام علي «عليه السلام»، وهذا دليل على أن كل فضيلة لوحدها تمثل مقاماً رفيعاً، ومع كل هذه المحاولات بقي الإمام علي «عليه السلام» صاحب الخصوصيات التي لم يشاركه فيها أحد، حيث تميز الإمام علي «عليه السلام» في حياة رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» بعدة ألقاب ومناقب، وقد تكلمنا عن:
1. لقب «أمير المؤمنين».
2. لقب «قائد الغر المحجلين».
3. لقب «يعسوب الدين».
4. لقب «أبو تراب».
5. لقب «إمام المتقين».
6. لقب ومنقبة أنه «وليد الكعبة».
7. لقب ووصفه بـــ«السيد».
8. لقب ووصفه بأنه «قسيم الجنة والنار».
9. منقبه وفضيلة أنه «أول من أسلم».
10. لقب « الصديق».
11. لقب «الفاروق».
12. لقب «سيف الله المسلول».
13. لقب «ساقي الحوض».
14. لقب «ذي النورين»
15. لقب «باب مدينة العلم».
16. لقب «صاحب بيعة الغدير».
17. لقب «حامل لواء الحمد».
18. لقب ومنقبة كونه «سيد الثقلين».
واليوم نتكلم عن منقبة « ان حب الإمام علي إيمان وبغضه نفاق».
منقبة «حبه إيمان وبغضه نفاق»:
هذه المنقبة مما اختص بها الإمام علي «عليه السلام» من دون جميع الصحابة وهي أنه «بحبه يتميز المؤمنين من المنافقين» وهذا ثابت بنص الأحاديث والروايات كما سيثبت.
ومن المعلوم إن المسلمين ابتلوا منذ العهد الأول للإسلام بفئة المنافقين وهم أخطر فئة تحدث عنها القرآن الكريم في مواضع شتى وكذلك نبي الإسلام، ففي القرآن انزل الله سبحانه وتعالى سورة في كتابه المقدس وهي تتحدث عن أحوال المنافقين وعظم خطرهم على الإسلام، ومن هذا الباب كان المسلمون بحاجة الى المزيد من الوعي لكي يتعرفوا بشكل أوضح على مخاطر هذه الظاهرة الفتاكة في الإسلام فلم يدر في خلد أحدهم ان افراداً من الكفار سيتقمصون الشخصية الإسلامية وسيتخذون من الإسلام رداءاً يغطون به سوءاتهم فانزل الله سبحانه وتعالى آيات صدمتهم حقائقها لأنها كشفت عن قدرة المنافقين العجيبة على الخداع وعلى التلبس برداء الدين، فقال سبحانه وتعالى:
(وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم)(4).
فقد وصلوا بالنفاق درجة اخفوا فيها حقيقة كفرهم وأخذوا يزعمون أنهم يدافعون عن الدين بينما هم يشوهونه بأفعالهم وتصرفاتهم التي لا تمت الى الإسلام بأية صلة، وبالتالي فإن معرفة هؤلاء المنافقين كما أنه أفاد الناس سابقاً فإنه سيفيد حالياً العديد من الأشخاص الذين لا يعرفون الكثير عن دين الإسلام وينخدعون بوساوس المنافقين من أمثال داعش والنصرة والقاعدة وكل الجماعات التكفيرية السلفية التي أتخذت القرآن عظين وفهمت الإسلام بالمقلوب على أنه دين دماء وقتل وذبح مع ان كلمة الإسلام هي نفسها تدل على انه دين السلام.
يقول الإمام علي «عليه السلام»:
(ما أضمر أحد شيئاً إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه)(5).
ولو تمعنا في هذا القول نجد أنه يمكن من خلاله فحص الكلمات التي ينطقها الإنسان بدقة ونقوم بتمييزها وفرزها وحصرها لنصل فيما بعد الى نتائج موضوعية تقودنا الى معرفة دقيقة بشخصية الفرد الذي وقع عليه الاختبار الى درجة يمكن تمييز كذبه من صدقه، من خلال الكلمات التي ينطق بها ومطابقتها ببقية الكلمات وكذلك الكلمات التي تخرج فلتة من لسانه وما يرافقها من الحركات التي تظهر على وجهه، فهذه المقولة تعطينا إشارة على:
- «إن الإنسان مهما كان ذكياً مواظباً على ستر عقيدته لا يتمكن من إخفائها في الفترة التي يكون فيها الوعي غائباً والذهن خاملاً، وعند ذلك يبدو على صفحات وجهه وفلتات لسانه ما يكتمه ويخفيه في الأوعية»(6).
وهناك طريقة أكثر وضوحاً في معرفة الحق والباطل وتمييز المؤمنين من المنافقين وهي تتعلق بشخصية الامام علي «عليه السلام»:
وذلك إنه وبحسب أحاديث رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»: (علي مع الحق والحق مع علي يدور حيثما دار)(7)، فهو بذلك يكون الفاروق بين الحق والباطل وهو المعيار لأكتشاف حقيقة الأشياء والأشخاص ومن يريد معرفة ذلك يستطيع بسهولة من خلال وضعهما في ميزان الامام علي «عليه السلام» عند ذلك سيكتشف حقيقة كل شيء.
إضافة الى ذلك فإن حب الامام علي «عليه السلام» وبغضه هما مقياس لتمييز المنافق عن المؤمن فقد روي عن رسول اللَّه «صلى اللَّه عليه وآله وسلم»: (لا يحب علياً منافق ولا يبغضه مؤمن)(8).
لإن هذا الحب هو الضمانة الأكيدة للحفاظ على الإسلام من التزييف وتمييز المنافقين عن المؤمنين الحقيقيين وبالتالي حرمانهم من التلاعب بالدين.
وحديث المحبة هو حديث صحيح معروف في فضل الإمام علي «عليه السلام»، والحديث مروي بطرق وألفاظ مختلفة كلها تشير إلى حقيقة واحدة لا خلاف فيها وهي:
إن حب الإمام علي «عليه السلام» من علامات الايمان وليس أحد ممن آمن بالله تعالى ورسوله «صلى الله عليه وآله وسلم» إلا ويود التحلي بصفات الايمان والتي من أهم مصاديقها مودة من أمر الله تعالى بمودته ومحبة من يحبه الله ورسوله «صلى الله عليه وآله وسلم» وهو الإمام علي «عليه السلام»، وأن بغضه من علامات النفاق ولا يبغضه إلاّ منافق كما هو صريح الحديث المتقدم والأحاديث والروايات اللاحقة.
الاحاديث:
1. (... عن المساور الحميري عن امه، قالت: دخلت على أم سلمة، فسمعتها تقول: كان رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» يقول: لا يحب علياً منافق ولا يبغضه مؤمن»)(9).
2. (... عن أبي ذر، قال: «سمعت رسول الله «صلّى الله عليه وآله وسلم» يقول لعلي: ان الله أخذ ميثاق المؤمنين على حبك، واخذ ميثاق المنافقين على بغضك، ولو ضربت خيشوم المؤمن ما ابغضك، ولو نثرت الدنانير على المنافق ما أحبك، يا علي لا يحبك الاّ مؤمن ولا يبغضك الاّ منافق»)(10).
3. (... عن زر بن حبيش عن علي «عليه السلام» قال: عهد اليّ رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» أن لا يحبني الاّ مؤمن ولا يبغضني الاَّ منافق»)(11).
4. (... روي عن الإمام علي «عليه السلام» قال: لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني، ولو صببت الدنيا بجماتها على المنافق على أن يحبني ما أحبني، وذلك أنه قضي فانقضى على لسان النبي الاَكرم «صلى الله عليه وآله وسلم» أنه قال: «ياعلي، لا يبغضك مؤمن، ولا يحبك منافق»)(12).
5. (... عن أبي ذر: ما كنا نعرف المنافقين الا بتكذيبهم الله ورسوله «صلى الله عليه وآله وسلم» والتخلف عن الصلوات والبغض لعلي بن أبي طالب رضي الله»)(13).
6. (... روى مسلم في الصحيح، ان علياً «عليه السلام» قال: والذي فلق الحبة، وبرء النسمة انه لعهد النبي الأمي إلي انه لا يحبني الاّ مؤمن ولا يبغضني الاّ منافق»)(14).
7. (... كان أبو الدرداء يقول: «ما كنا نعرف المنافقين معشر الأنصار، الاَّ ببغضهم عليّ بن أبي طالب»)(15).
8. (... عن النبي «صلى الله عليه وآله وسلم»: (من لم يعرف حق عترتي من الأنصار والعرب فهو لإحدى الثلاث: إما منافق، وإما ولد زنية، وإما امرء حملت به أمه في غير طهر»)(16).
خصائص حب الإمام علي وأهل البيت «عليهم السلام»:
1. أنه علامة على طيب الولادة:
• روي عن رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» في علي «عليه السلام»: يا أيها الناس، امتحنوا أولادكم بحبه، فإن علياً لا يدعو إلى ضلالة ولا يبعد عن هدى، فمن أحبه فهو منكم، ومن أبغضه فليس منكم.(17)
• روي عن الإمام علي «عليه السلام» قال: قال النبي «صلى الله عليه وآله وسلم»: يا أبا ذر، من أحبنا أهل البيت فليحمد الله على أول النعم.
قال: يا رسول الله، وما أول النعم ؟
قال: طيب الولادة، إنه لا يحبنا إلا من طاب مولده.(18)
• روي عن الإمام علي «عليه السلام»: لا يحبني كافر ولا ولد زنا.(19)
• روى ابن الجزري بأسناده عن عبادة بن الصامت، قال: ((«كنا نبور أولادنا بحب علي بن أبي طالب، فإذا رأينا احدهم لا يحب علي بن أبي طالب علمنا انه ليس منا وانه لغير رشده»، قوله لغير رشده: «وهو بكسر الراء واسكان الشين المعجمة» اي ولد زنا، وهذا مشهور من قديم والى اليوم انه ما يبغض علياً «عليه السلام» إلا ولد الزنا.
«وروينا» ذلك أيضاً عن أبي سعيد الخدري ولفظه: «كنا معشر الأنصار نبور أولادنا بحبّهم علياً «عليه السلام» فإذا ولد فينا مولود فلم يحبه عرفنا انّه ليس منا.
قوله: نُبور، بالنون والباء الموحدة وبالراء، اي نختبر ونمتحن))(20).
• شاهد:
ذكر عيسى بن أبي دلف أن أخاه دلف وبه كان يكنى أبوه أبا دلف، كان ينتقص علي بن أبي طالب «عليه السلام»، ويضع منه ومن شيعته، وينسبهم إلى الجهل، وأنه قال يوماً وهو في مجلس أبيه، ولم يكن أبوه حاضراً: إنهم يزعمون أنه لا ينتقص علياً أحد إلا كان لغير رشدة، وأنتم تعلمون غيرة الأمير - يعني أباه- وأنه لا يتهيأ الطعن على أحد من حرمه، وأنا ابغض علياً! قال: فما كان بأوشك من أن خرج أبو دلف، فلما رأيناه قمنا له، فقال: قد سمعت ما قاله دلف، والحديث لا يكذب، والخبر الوارد في هذا المعنى لا يختلف، هو والله لزنية وحيضة، وذلك أني كنت عليلاً فبعثت إلي اختي جارية لها كنت بها معجباً، فلم أتمالك أن وقعت عليها وكانت حائضاً فعلقت به، فلما ظهر حملها وهبتها لي.
فبلغ من عداوة دلف هذا لأبيه ونصبه ومخالفته له لأن الغالب على أبيه التشيع والميل إلى علي أن شنع عليه بعد وفاته(21).
2. علامة حبهم طهارة القلب:
• روي عن الإمام الباقر «عليه السلام» قال: لا يحبنا عبد ويتولانا حتى يطهر الله قلبه، ولا يطهر الله قلب عبد حتى يسلم لنا ويكون سلماً لنا، فإذا كان سلماً لنا سلمه الله من شديد الحساب، وآمنه من فزع يوم القيامة الأكبر(22).
• روي عن الإمام الصادق «عليه السلام»: لا يحبنا عبد إلا كان معنا يوم القيامة، فاستظل بظلنا ورافقنا في منازلنا، والله والله، لا يحبنا عبد حتى يطهر الله قلبه، ولا يطهر قلبه حتى يسلم لنا، وإذا سلم لنا سلمه الله من سوء الحساب يوم القيامة، وأمن من الفزع الأكبر، إنما يغتبط أهل هذا الأمر إذا انتهت نفس أحدهم إلى هذه وأومأ بيده إلى حلقه.(23)
3. حبهم شرط التوحيد:
• روي عن الإمام علي «عليه السلام»: إن لـ«لا إله إلا الله» شروطاً، وإني وذريتي من شروطها.(24)
• روى إسحاق بن راهويه: لما وافى أبو الحسن الرضا «عليه السلام» بنيسابور وأراد أن يخرج منها إلى المأمون اجتمع إليه أصحاب الحديث، فقالوا له: يا أبن رسول الله، ترحل عنا ولا تحدثنا بحديث فنستفيده منك، وكان قد قعد في العمارية، فأطلع رأسه وقال: سمعت أبي موسى بن جعفر يقول: سمعت أبي جعفر بن محمد يقول: سمعت أبي محمد بن علي يقول: سمعت أبي علي بن الحسين يقول: سمعت أبي الحسين بن علي بن أبي طالب يقول: سمعت أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول: سمعت رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» يقول: سمعت جبرئيل يقول: سمعت الله جل جلاله يقول: لا إله إلا الله حصني، فمن دخل حصني أمن من عذابي، قال: فلما مرت الراحلة نادانا: بشروطها، وأنا من شروطها.(25)
4. ان حبهم آية الإيمان:
• روي عن رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»: من أبغض علياً فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله، لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا كافر أو منافق.(26)
• روي عن رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»: لا يتم الإيمان إلا بمحبتنا أهل البيت.(27)
• روي عن ام سلمة: سمعت رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» يقول لعلي «عليه السلام»: لا يبغضك مؤمن، ولا يحبك منافق.(28)
5. ان حبهم أول ما يسأل عنه يوم القيامة:
• روي عن رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»: أول ما يسأل عنه العبد حبنا أهل البيت.(29)
• روي عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن ماله فيما أنفقه ومن أين كسبه، وعن حبنا أهل البيت.(30)
• روى أبو برزة: قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربعة: عن جسده فيما أبلاه، وعمره فيما أفناه، وماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن حب أهل البيت، فقيل: يا رسول الله، فما علامة حبكم ؟ فضرب «صلى الله عليه وآله وسلم» بيده على منكب علي.(31)
فائدة وكلمة مهمة:
لقد عرفنا من خلال الأحاديث والروايات السابقة «ان حب الإمام علي إيمان وبغضه نفاق» ونستفاد من ذلك إنه من كان مؤمناً بالإمام علي «عليه السلام» فهذا من دلائل الايمان الحقيقي بالله وذلك لأننا عرفنا الله سبحانه وتعالى برسول الله «صلى الله عليه وآله» وأهل بيته «عليه السلام»، أما بغض الإمام علي «عليه السلام» فهو نفاق لذلك يعتبر الإمام علي «عليه السلام» الميزان والمميز بين المؤمنين والمنافقين، وفي ذلك يقول الشيخ محمد كوزل الآمدي في كتابه علي ميزان الحق:
((... فلو أطعنا الله ورسوله وجعلنا هذا الحديث ميزاناً لأنفسنا، كما جعله الله تعالى على لسان نبيه «صلى الله عليه وآله»، وطبقه المخلصون من أصحابه فسنستطيع أن نصل إلى هدفنا الحقيقي على ضوئه، فليفحص طالب الحقيقة في مطاوي التاريخ عن الذين كانوا مبغضين لعلي «عليه السلام»، فيحذر منهم ويترك سنتهم وسيرتهم، ويطرح ما ورد عنهم، لأن الله عز وجل قضى بأن هؤلاء من المنافقين، وليتتبع في ثنايا التاريخ الذين كانوا محبين لعلي «عليه السلام»، فيقتدي بِهم ويتبع سبيلهم ويعتمد عليهم ويثق بما روي عنهم، لأن الله تعالى حكم على لسان نبيه «صلى الله عليه وآله» أن هؤلاء هم المؤمنون، وقال في كتابه الكريم: « ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً»(32)، فلو سلك طالب الحقيقة هذا السبيل لفهم أن جميع ما رُوي عن النبي «صلى الله عليه وآله» مما أدخل المسلمين في اللبس والحيرة كان من افترءات واختراعات تلك الطائفة التي أَمرنا الله أن نحذرهم على ديننا، ومع الأسف قد شحن أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد أسفارهم من روايات هؤلاء.
• ثم إن أوحى إليك شياطين الإنس أو الجن: أن بعض مبغضي علي «عليه السلام» كانوا جاهلين: فقل: إن الله لم يستثن حالة الجهل عن الحكم، بل حكم بنفاقهم على الإطلاق سواء كانوا عالمين أو جاهلين، هذا لو سُلِّم جهلهم، ولكنك إذا تابعت الوقائع التاريخية بدقة ستجد أن الأكثرية من أعدائه كانوا عالمين بحقيقة الأمر، وستعلم أن جهل الأقلية منهم ما كان عن قصور.
• وإن وسوس في صدرك الشياطين: بأن بغضهم له «عليه السلام» كان عن اجتهاد: فأجبهم قائلاً: نحن نقبل الاجتهاد إذا كان وفق النصوص الشرعية وكان المراد به الوصول إلى الحقائق الدينية، وأما إذا كان اجتهاداً في مقابل النصوص ولهدف الوصول إلى الدنيا والرئاسة أو التقرب إلى السلاطين فليس باجتهاد، بل هو عين النفاق والإلحاد.
• فإن قيل: قد رُوي في حق بعض آخر من الصحابة مثل ما أَوردت في حق علي «عليه السلام»، فهذا الميزان غير مختص به، نعم، قد وردت أخبار في حق بعض آخر من الصحابة، إلا أننا قد أشرنا إلى أن الأُمة لم تتفق على ثبوت تلك الأخبار، كما اتفقت على ثبوت ما ورد في حق علي «عليه السلام»، وأن الشيعة يدعون أن هذه الأخبار أموية الأصل، اخترعوها على ألسنة مرتزقتهم للغض من تأثير ما ورد في حق علي «عليه السلام»، فتخطر في ذهن المرء هذه الشبهة عند الوقوف على فضائل علي «عليه السلام».
وهناك صنفين آخرين من المنافقين، نستطيع أن نطلع على واقعهم وأحوالهم بمراعاة هذا الميزان أيضاً:
• الصنف الأول: الحشد الهائل من المنافقين الذين يتسللون إلى صفوف المسلمين، فيجيئون من أماكن مجهولة ويزعمون أنهم هاجروا من البلدة الفلانية ويتظاهرون بأنهم منتحلون لنحلة الإسلام، وبعد مضي السنوات والقرون ونسيان المسلمين لنسبهم وهويتهم المجهولة يقومون بالانتساب إلى قومية من قوميات المسلمين أو عشيرة من عشائرهم من دون أن يعلم أبناء تلك القومية أو العشيرة بواقع الأمر، وبعد الاستقرار يشرعون في عملية هدم الإسلام من الداخل، ويؤيدون كل صيحة أو عمل أو حركة مخالفة للإسلام ويتجسسون لصالح أعداء الدين، وأحياناً يصل البعض منهم في العلوم الدينية إلى درجة أن يطلق عليهم عنوان «الشيخ» أو «العلامة» أو «الملا» أو «الأستاذ» أو ما شاكل ذلك وينخدع المسلمون بأصحاب هذه العناوين أكثر من غيرهم فيحسبونهم من علماء الإسلام ولا يعلمون بأنهم هم الأعداء الواقعيون له.
• الصنف الثاني: بعض علماء الدين من أبناء هذه الأمة الذين صاروا مصاديق واقعية: لقول النبي «صلى الله عليه وآله»: «من ازداد علماً ولم يزدد في الدنيا زهداً لم يزدد من الله إلاّ بعداً»، ولقولـه «صلى الله عليه وآله»: «ما ازداد أحد من السلطان قرباً إلاّ ازداد من الله بعداً»(33)، والذين أنبت حب الجاه والمال في قلوبهم النفاقَ «كما ينبت المطر البقل» من دون أن يشعروا بذلك.
ولكن معرفة هذين الصنفين شاقة وصعبة جداً وذلك لأنهم لا يظهرون بغضهم وعداوتهم لعلي «عليه السلام» مباشرة بل يدعون محـبته إلا أننا نستطيع أن نعرفهم بمعرفة أسلوبهم الخاص لعداوة علي «عليه السلام» وهو أنهم يقدمون على ذلك بالتشكيك والتأويل في فضائله وإلقاء التّهم على راويها)).(34)
شبهات وردود:
نص الشبهة: قال الذهبيّ بعد روايته للحديث من طريق شعبة:
((فمعناه أن حب علي من الإيمان، وبغضه من النفاق، فالإيمان ذو شعب، وكذلك النفاق يتشعب، فلا يقول عاقل: إن مجرد حبه يصير الرجل به مؤمناً مطلقاً، ولا بمجرد بغضه يصير به الموحد منافقاً خالصاً، فمن أحبه وأبغض أبا بكر كان في منزلة من أبغضه وأحب أبا بكر، فبغضهما ضلال ونفاق، وحبهما هدى وإيمان)).(35)
الجواب:
يقول الشيخ محمد الآمدي عند رده على كلام الذهبي:
هكذا يريد الذهبي أن ينتقص درجة الحديث، فيقيد إطلاق كلام النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» من قبل نفسه من دون أن يكون هناك مقيد لا من الكتاب ولا من السنة.
نعم لابد وأن يفعل الذهبي ذلك لأن الحديث بإطلاقه شامل لكل من كان يبغض عليّاً، ويتظاهر أنه من أهل التوحيد، من دون أن يعلم أن الله عز وجل علق حقيقة التوحيد بحب بعض أوليائه بصورة مطلقة، ومن دون أن يعرف أن المرء لا يحصل على الحب الحقيقي إلاّ باتباع النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» والسير على نهج عترته «عليهم السلام»، وأما المقارنة اّتي اصطنعها الذهبي من عنده فهي علامة شدة تحسره على عدم ورود الحديث في فضل أبي بكر كوروده في فضل علي «عليه السلام» فحاول إشراك أبي بكر في تلك الفضيلة بالرغم من عدم وجود دليل على ذلك، نعم قد قوبل هذا الحديث - كجميع ما ورد في فضل عليّ «عليه السلام» - بالمثل حيث روى والخطيب وابن عساكر عن جابر: «لا يحب أبا بكر وعمر إلاّ مؤمن، ولا يبغضهما إلا منافق»(36).
إلا أن الظاهر من الذهبي أنه يستحي من أن يقابل ذلك الحديث القوي في الإسناد والمشهور بين أئمة الحديث بهذه الرواية التي لم يحكم بصحتها أو حسنها أحد من الثقات، ولم ترد في كتاب معتبر، مع أن الدواعي كانت متوفرة لنقلها وروايتها بصورة متواترة لو كانت صادرة عن النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» حقاً، مما لم يتوفر ذلك بالنسبة إلى فضائل عليّ «عليه السلام» بسبب منع السلطة الحاكمة الرواة من نقل فضائله، واتهامهم من قبل علماء القصور، وهذا بخلافه بالنسبة لما يتعلق بفضائل غيره من الخلفاء الثلاثة، فعلى العكس من ذلك كانت السلطة تحث على نشرها وتعطي الجوائز على روايتها بزعم أنهم يرغمون بذلك أنوف بني هاشم وقال الذهبي:
«وقد جعلت طرق حديث الطير في جزء، وطرق حديث من كنت مولاه، وهو أصح وأصح منهما ما أخرجه مسلم عن علي، قال: إنه لعهد النبي الأمّي «صلى الله عليه وآله» إلي أنه لا يحبك إلاّ مؤمن، ولا يبغضك إلاّ منافق، وهذا أشكل الثلاثة فقد أحبه قوم لاخلاق لهم، وأبغضه بجهل قوم من النواصب فالله أعلم»(37).
فيبدو من كلامه أنه فزع من هذا الحديث وارتعد بشدة، حتى كان سبباً لأن يفتقد شعوره، بحيث لا يدري ما يقول، فهل أراد بكلامه أن ينكر قول النبي «صلى الله عليه وآله وسلم»، وأنّه مخالف للواقع بنظره؟.
أو أراد أن ينكر صحة الحديث، ولكن علو درجة السند وقوته حيرت الذهبي فلم يجد من بين رجاله من يجعله هدفاً لسهامه المسمومة.
ثم إذا ضممنا كلماته الأخرى إلى كلامه هذا، نفهم أن الذهبي كان متيقناً بصدور هذا الحديث عن النبيّ «صلى الله عليه وآله وسلم» لأنك لاحظت أنه اعترف بأن هذا الحديث أصح من حديث «من كنت مولاه» وقد قال بالنسبة لهذا: إنه متواتر، أتيقن أن رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» قاله.(38)
فإذا كان الذهبي متيقناً بصدور هذا الحديث عن النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» فيكون متيقناً بصدور ذاك بطريق أولى.
وقد غاب عن الذهبي أن الحب عمل قلبي لا يعلم إلاّ بآثاره، وأن حب علي «عليه السلام» واللاأخلاقية ضدان لا يجتمعان، بل نقيضان لا يوجدان معاً فإذا ثبت أن أحداً كان محباً لعلي «عليه السلام»، فلا يمكن أن يكون ممن لا خلاق له، وإِن أنكره الذهبي، وإن ثبت أَن لاخلاق لآخر ، فلا يمكن أن يكون محباً لعلي وإن أظهر محبته.
وقد نسي الذهبي أن مشركي قريش كانوا جاهلين بحقية النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» حتى قال رسولهم - سهيل بن عمرو - يوم الحديبية: لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ومع ذلك لم يسلب جهلهم هذا وصف الشرك عنهم، ولم يغير من الواقع شيئاً فكذلك كان الأمر بالنسبة إلى أعداء علي «عليه السلام» ومبغضيه فإن الله تعالى قد وصفهم بالنفاق سواء كانوا عالمين بحقيته أو جاهلين فجهلهم لا يغير من الواقع شيئاً ولا يسلب عنهم وصفَ النفاق، هذا قضاء الله تعالى قضاه فانقضى وأبرزه على لسان رسوله الذي لا ينطق عن الهوى سواء رضي الذهبي بذلك أم سخط، ثم لو ماشينا الذهبي وقلنا بجهل هؤلاء فلا نقول بجهل الذهبي نفسه في مواقفه تجاه أمير المؤمنين «عليه السلام» بل هو عالم بما يعمل وتلك المواقف هي التي حملته على الذعر والانزعاج من الحديث...».(39)
الشواهد الشعرية:
1. السيد الحميري:
إنــــا نــــدين بحــــب آل محــــمــــد
... ديــــناً ومــــن يحــــبهم يستــــوجب
منــــا الــــــــمودة والـــولاء ومن يرد
... بــــدلاً بــــآل محــــمد لا يحــــبــــب
ومتى يمت يرد الجحيم ولا يرد
... حوض الرسول وإن يرده يضرب
2. أبي الحسن بن جبير:
أحــب النبي المصطفى وابن عمه
... عـــليا وسبطــــيه وفاطـــــمة الزهرا
هـم أهل بيت أذهب الرجس عنهم
... وأطــلعهم افق الهدى أنجما زهرا
3. العبدي:
لا زلـت في حبـكم أوالي
... عمري وفي بغضكم أعادي
ومــــا تــــزودت غـــير حبي
... إيــــاكم وهــــو خــــــــيــــر زاد
4. البشنوي الكردي:
يا ناصبي بكل جـــهدك فاجهد
... إنــــــي عــــــلقت بحـب آل محمد
الطيبين الطاهرين ذوي الهــدى
... طــــــابوا وطاب وليهـم في المولد
5. الشيخ الفنجكردي النيسابوري:
إذا ذكـــرت الغـــر من هاشم
... تنافرت عنك الكلاب الشارده
فــــقل لمـن لامــك في حبه:
... خانــتك في مولـــــــــودك الوالده
6. الصاحب بن عباد:
فمهـــــما رأيـــــــــت محـــباً لـه
... فثـــــم العـــــلاء وثــــــــــــــم الفخار
ومهـــــما رأيــــــــت بغـيضاً له
... ففي أصلـــــه نســــــــــب مستعار
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآل محمد ...
الهوامش:
(1). هو الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري الازدي «100هـ ــــ170هـ» 718م ــــ 786م» اللغوي والنحوي الشهير صاحب العروض، وصاحب أول وأقدم قاموس للغة العربية باسم كتاب العين، توفي في حكم هارون العباسي.
(2). تنقيح المقال ج1 ص403، سيرة الأئمة الاثني عشر لهاشم الحسني ج1ص145 ، الإمامة في ضوء الكتاب والسنة لمهدي السماوي ص229 ، وفي الكنى والألقاب للقمي ج2 ص349 نسبه للشافعي ، وفي المناقب للخوارزمي ص8: عن بعض الفضلاء ولم يسميه.
(3). فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي للمغربي ص20، الصواعق المحرقة لأبن حجر ص118، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص149، الرياض النضرة لمحب الدين الطبري ج2 ص282.
(4). سورة التوبة: الآية / 101.
(5). نهج البلاغة: الحكمة ٢٦ ، المائة كلمة للجاحظ رقم96 ، المناقب للخوارزمي ص٣٧٦ ، دستور معالم الحكم ص٢٥.
(6). بحوث في الملل والنحل للشيخ جعفر السبحاني ج4 ص334.
(7). إعلام الورى ج١ ص٣١٦، الفضائل لابن شاذان ص١٢٣، صحيح الترمذي ج3 ص166، تاريخ بغداد ج14 ص312
(8). سنن الترمذي ج٥ ص٢٩٩ ، كفاية الطالب للكنجي ص٦٩ ، فضائل الصحابة لأبن حنبل ج1 ص179.
(9). سنن الترمذي ج٥ ص٢٩٩ ، كفاية الطالب للكنجي ص٦٩ ، فضائل الصحابة لأبن حنبل ج1 ص179.
(10). ترجمة الإمام علّي بن أبي طالب «عليه السلام» من تاريخ مدينة دمشق ج2 ص204.
(11). سنن النّسائي ج8 ص117 ، مسند احمد ج1 ص84 ، كفاية الطالب للكنجي ص68 ، مسند الحميدي ج1 ص31 ، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج2 ص255 وج14 ص426 ، كنز العمال للمتقي الهندي ج13 ص120، أسنى المطالب للجزري ص7 ، مطالب السؤل لمحمّد بن طلحة ص44 ، تذكرة الخواص لسبط بن الجوزي ص28.
(12). نهج البلاغة: الحكمة 45 ، ومجمع البيان للطبرسي ج3 ص532 ، الكافي للكليني ج8 ص224 وغيرهم.
(13). المستدرك على الصحيحين ج3 ص129 ، سنن الترمذي ج5 ص298 ، أسد الغابة للجزري ج4 ص30 وغيرهم.
(14). صحيح مسلم كتاب الإيمان باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي من الإيمان ... حديث (78).
(15). تذكرة الخواص ص28 ، مناقب الخوارزمي ص238.
(16). ينابيع المودة، ج 2: ص 70 و 129.
(17). تاريخ دمشق ترجمة الإمام علي «عليه السلام» لإبن كثير ج2 ص225.
(18). أمالي الطوسي ص455، معاني الأخبار ص161، أمالي الصدوق ص383، علل الشرائع ص141.
(19). شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج4 ص110، شرح الأخبار ج1 ص152، المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص208.
(20). أسنى المطالب لأبن الجزري ص8.
(21). مروج الذهب للمسعودي ج4 ص62 ، كشف اليقين ص476.
(22). الكافي للكليني ج1 ص194.
(23). دعائم الاسلام ج1 ص73، شرح الأخبار ج3 ص471.
(24). غرر الحكم: 3479.
(25). التوحيد ص25، أمالي الصدوق ص195، ثواب الأعمال ص21، بشارة المصطفى ص269، روضة الواعظين ص51
(26). تاريخ دمشق «ترجمة الإمام علي «عليه السلام»» ج2 ص188.
(27). كفاية الأثر ص110.
(28). مسند احمد ج10 ص176، البداية والنهاية ج7 ص355، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج4 ص83.
(29). عيون أخبار الرضا عليه السلام» ج٢ ص٦٢.
(30). المعجم الكبير ج11 ص84، المناقب لابن المغازلي ص120، فرائد السمطين ج2 ص301، الخصال ص253، تحف العقول ص56، أمالي الطوسي ص593، روضة الواعظين ص546.
(31). المعجم الأوسط ج2 ص348، المناقب للخوارزميّ ص77.
(32). سورة النساء: الآية / 115 .
(33). فردوس الأخبار ج3 ص602، حلية الأولياء ج3ص274، كشف الخفاء ج2 ص309.
(34). علي «عليه السلام» ميزان الحق لمحمد الآمدي، نهاية الفصل الاول.
(35). سير أعلام النبلاء للذهبي ج12 ص509.
(36). كنز العمال للمتقي الهندي ج11 ص572.
(37). سير أعلام النبلاء للذهبي ج17 ص169.
(38). سير أعلام النبلاء للذهبي ج8 ص335 م ، البداية والنهاية : 5 / 233
(39). علي «عليه السلام» ميزان الحق لمحمد الآمدي الفصل الاول.
https://telegram.me/buratha