الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في معاني القرآن الكريم: سقم السقم والسقم: المرض المختص بالبدن والمرض قد يكون في البدن وفي النفس، نحو: "في قلوبهم مرض" (البقرة 10). وقوله تعالى: "إِنِّي سَقِيمٌ" ﴿الصافات 89﴾ فمن التعريض، أو الإشارة إلى ماض، وإما إلى مستقبل، وإما إلى قليل مما هو موجود في الحال، إذ كان الإنسان لا ينفك من خلل يعتريه وإن كان لا يحس به، ويقال: مكان سقيم، إذا كان فيه خوف.
عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: التقية من دين الله، قلت: من دين الله؟ قال: إي والله من دين الله، ولقد قال يوسف: " أيتها العير إنكم لسارقون" (يوسف 70) والله ما كانوا سرقوا شيئا، ولقد قال إبراهيم: "إني سقيم" (الصافات 89) والله ما كان سقيما.
جاء في كتاب قصص الأنبياء للجزائري: ان معنى قوله: "اني سقيم" (الصافات 89) أي سقيم القلب أو الرأي حزنا من اصرار القوم على عبادة الأصنام، ويكون على ذلك معنى نظره في النجوم فكرته في أنها محدثة مخلوقة، فكيف ذهب على العقلاء حتى عبدوها. والذي ورد في الاخبار هو انه عليه السلام أوهمهم بالنظر في النجوم لموافقتهم وقال اني سقيم تورية. وجاء في الأخبار تجويز الكذب والتورية لأجل التقية.
جاء عن الأستاذ السيد علي السبزواري عن بحث التقية: نسبوا الكذب الى نبيين من انبياء الله فلماذا تقولون انها محرمة؟ واذكروا رواية واحدة وهذه الرواية رواها البخاري بسنده عن ابي هريرة (لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات ثنتين منهن في ذات الله عز وجل قوله "إني سقيم" (الصافات 89) وقوله "بل فعله كبيرهم هذا" (الانبياء 63) وقال بينا هو ذات يوم وسارة، إذ أتى على جبار من الجبابرة، فقيل له إن ها هنا رجلا معه امرأة من أحسن الناس فأرسل إليه فسأله عنها فقال من هذه؟ قال أختي، فأتى سارة قال يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك وإن هذا سألني فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني فأرسل إليها فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأُخذ، فقال ادعي الله لي ولا أضرك فدعت الله فأطلق، ثم تناولها الثانية فأخذ مثلها أو أشد، فقال ادعي الله لي ولا أضرك فدعت فأطلق فدعا بعض حجبته، فقال إنكم لم تأتوني بإنسان إنما أتيتموني بشيطان، فأخدمها هاجر فأتته وهو قائم يصلي فأومأ بيده مهيا قالت رد الله كيد الكافر أو الفاجر في نحره وأخدم هاجر قال أبو هريرة تلك أمكم يا بني ماء السماء) أي امكم حفظت نفسها بهذه الكيفية. ولكن الترمذي ينسب هذه الرواية الى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فهذه الرواية صريحة بان ابراهيم كذب ثلاث كذبات. فهذه نسبت الكذب الى ابراهيم عليه السلام في كلامهم. والترمذي روى هذه الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال رسول الله صلى الله عليه واله (لم يكذب ابراهيم في شيء قط الا في ثلاث قوله اني سقيم ولم يكن سقيما وقوله بل فعله كبيرهم ولم يفعله الكبير). وهذه الرواية صريحة في انهم نسبوا الكذب الى ابراهيم عليه السلام ويتناسون هذا ويسمون غير بالكاذبين. مع ان علمائهم متفقون على ان انبياء الله معصومون من الكذب ولذا ارادوا تأويل هذه الرواية.
جاء في موقع بحوث في عالم اللاهوت عن التقية ما لها وما عليها للكاتب مصطفى الهادي: التقية لا تتعلق بالدين وإن انطلقت منه .فنحن نُمارس التقية في كافة مجالات الحياة ولولا التقية لانعدمت الثقة بين الناس ولأصبح اللسان مصدر خطر على صاحبه فيورده المهالك. والتقية هي مساحة للتحرك ضمن حدود التورية المشروعة. وكذلك فإن التقية هي اظهار غير الذي تقصده من دون الحاق ضرر أو وهن. ولذلك فإن التقية واجبة (إلا في الدماء). يعني اذا تعرض شخص لخطر القتل وكان عليك انقاذه فلا معنى للتقية هنا لأنهُ لا فرق بين روحك وروحه امام الله. والتقية ليست نفاقا كما يتصورها الجهلة القاصرون، بل هي من ضروريات الحياة لإدامة العلاقة مع الحفاظ على الخصوصيات ودواما للإلفة والعلاقات وبها تستمر الحياة بين المتضادات. أما النفاق فهو اظهار شيء بخلاف ما تعتقده قاصدا الحاق الخراب و الضرر مبطنا البغض والكراهية. واختصارا فإن التقية اظهار غير ما تعتقده دفعا للضرر وتآلفا للبشر. وقد قرأت في الكتب المقدسة ان الأنبياء كانوا يستخدمون التقية مثلما فعل نبينا إبراهيم عليه السلام لدفع ضرر فرعون عن زوجته التي كانت جميلة جدا. فقال أنها اخته ولم يقل انها زوجته. لانقاذها من براثن هذا الظالم. وكلمة اخته في اللغة الآرامية القديمة تعني رفيقته في السفر لأنه كان مهاجرا من العراق إلى فلسطين عبر مصر. وفي مرة أخرى استخدم نبينا ابراهيم التقية عندما كسر الأصنام وقال لقومه فعله كبيرهم فقال غير الحقيقة التي يُبطنها.وفي مرة ثالثة عندما طلب قومه منه أن يخرج معهم فنظر فى النجوم وقال لهم أني مريض "إنى سقيم" (الصافات 89) وكان قصده البقاء لكسر الأصنام. وقد أوهمهم إبراهيم أنه سقيم الجسم على ما كانوا يعتقدون من تأثير الكواكب فى الأجسام، فقد أتاهم من حيث يؤمنون.
https://telegram.me/buratha