الدكتور فاضل حسن شريف
وردت كلمة سفيه ومشتقاتها في القرآن الكريم: السُّفَهَاءُ، سَفِهَ، سَفِيهًا، سَفَهًا، سَفَاهَةٍ، سَفِيهُنَا. جاء في معاني القرآن الكريم: سفه السفة: خفة في البدن، ومنه قيل: زمام سفيه: كثير الاضطراب، وثوب سفيه: رديء النسج، واستعمل في خفة النفس لنقصان العقل، وفي الأمور الدنيوية، والأخروية، فقيل: "سَفِهَ نَفْسَهُ " (البقرة 130)، وأصله سفهت نفسه، فصرف عنه الفعل قال السمين الحلبي: قوله: نفسه في نصبه سبعة أوجه، أحدها وهو المختار أن يكون مفعولا به، لأن ثعلبا والمبرد حكيا أن سفه بكسر الفاء يتعدى بنفسه.
عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَ لا تُشْطِطْ وَ اهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ" (ص 22). تشطط مشتقّة من شطط على وزن فقط، و تعني البعيد جدّا، و لكون الظلم و الطغيان يبعدان الإنسان كثيرا عن الحقّ، فكلمة شطط تعني الابتعاد عن الحقّ، كما تطلق على الكلام البعيد عن الحقيقة. قوله تعالى "وَ أَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً" (الجن 4). و يحتمل أنّ التعبير ب السفيه هنا بمعنى الجنس و الجمع، أي أنّ سفهاءنا قالوا: إنّ للّه زوجة و أطفالا، و اتّخذ لنفسه شريكا و شبيها، و إنّه قد انحرف عن الطريق، و كان يقول شططا، و احتمل بعض المفسّرين أنّ السفيه هنا له معنى انفرادي، و المقصود به هو إبليس الذي نسب إلى اللّه نسب ركيكة، و ذلك بعد مخالفته لأمر اللّه، و اعتراضه على اللّه في السجود لآدم عليه السّلام ظنّا منه أنّ له الفضل على آدم، و أنّ سجوده لآدم بعيد عن الحكمة. و لمّا كان إبليس من الجن، و كان قد بدا منه ذلك، اشمأز منه المؤمنون من الجن و اعتبروا ذلك منه شططا، و إن كان عالما و عابدا، و لأن العالم بلا عمل، و العابد المغرور من المصاديق الواضحة للسفيه. شطط على وزن وسط، و تعني الخروج و الابتعاد عن قول الحقّ، و لهذا تسمّى الأنهار الكبيرة التي ترتفع سواحلها عن الماء ب الشط.
وعن الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي: يرجع بحسب الأصل إلى إلهام إلهي إنما ينجح في عمله ويتم في أثره إذا صلح ونشأ على صحة واستقامة كما أن العقل أيضا إنما يستقيم في عمله إذا استقام الإنسان في تقواه ودينه الفطري، قال تعالى "وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ" (ال عمران 7) وقال تعالى "وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ" (غافر 13) وقال تعالى "وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ" (الانعام 110) وقال تعالى "وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ" (البقرة 130) أي لا يترك مقتضيات الفطرة إلا من فسد عقله فسلك غير سبيله. لا يكون السفيه امام التقى اشارة إلى قوله تعالى "وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ۚ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ" (البقرة 130-131)، فقد سمى الله سبحانه الرغبة عن ملة ابراهيم وهو الظلم سفها ، وقابلها بالاصطفاء، وفصر الاصطفاء بالاسلام، كما يظهر بالتدبر في قوله "إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ " (الاعراف 131) ثم جعل الاسلام والتقوى واحدا أو في مجرى واحد في قوله "اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون" (ال عمران 102)
وفي أصولِ الكافي (1/60): عليٌّ بن إبراهيم عن أبيه عَن محمّدٍ بن عيسى، عن يونس، عن حمّاد، عن عبدِ اللَّهِ بن سنان، عَن أبي الجارودِ قالَ: قالَ أبو جعفرٍ عليه السّلام: إذا حدّثتُكم بشيءٍ فاسألوني مِن كتابِ اللَّه، ثمّ قالَ في بعضِ حديثِه: إنّ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّهُ عليه وآله نهى عن القيلِ والقالِ وفسادِ المالِ وكثرةِ السّؤالِ، فقيلَ له: يا بنَ رسولِ اللَّه، أينَ هذا مِن كتابِ اللَّه؟ قالَ: إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلّ يقولُ : "لا خَيرَ فِي كَثِيرٍ مِن نَجواهُم إِلَّا مَن أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَو مَعرُوفٍ أَو إِصلاحٍ بَينَ النَّاسِ" (النساء 114)، وقالَ "ولا تُؤتُوا السُّفَهاءَ أَموالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُم قِياماً" (النساء 5) وقالَ "لا تَسئَلُوا عَن أَشياءَ إِن تُبدَ لَكُم تَسُؤكُم" (المائدة 101).
جاء في كتاب الفقاهة للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: ما ذكره صاحب المصباح من أن الاصل في البيع مبادلة مال بمال فلا يكون دليلا على ذلك لعدم حجية قوله. وعلى هذا فإذا كان المبيع موردا لغرض المشتري سواء أكان مالا عند العقلاء أم لا واشتراه بأغلى الثمن صدق عليه مفهوم البيع. وهذا بين لا ريب فيه. غاية ما يلزم كون المعاملة على ما ليس بمال عرفا سفهية. ولا دليل على بطلانها بعد ما شملته أدلة صحة البيع. والفاسد شرعا إنما هو معاملة السفيه والدليل على الفساد فيها أن السفيه محجور شرعا عن المعاملات وإذن فلا وجه لاخذ قيد المال في تعريف البيع.
جاء في استفتاءات المرجع السيد علي السيستاني: السؤال: مَن هو السفيه؟ الجواب: السفيه هو الذي ليست له حالة باعثة على حفظ ماله والاعتناء بحاله فيصرفه في غير موقعه ويتلفه بغير محله، وليست معاملاته مبنية على المكايسة والتحفظ عن المغابنة، فلا يبالي بالانخداع فيها، ويعرفه أهل العرف والعقلاء بوجدانهم إذا وجدوه خارجاً عن طورهم ومسلكهم بالنسبة إلى أمواله تحصيلاً وصرفاً.
https://telegram.me/buratha