الصفحة الإسلامية

اشارات قرآنية في كتاب فقه الحضارة للدكتور محمد حسين الصغير (ح 1)


الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في کتاب فقه الحضارة في ضوء فتاوى سماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني للمؤلف محمد حسين علي الصغير عن وباء المخدّرات وأضرار الخمور: من أبرز مظاهر الكوارث البشرية المحدقة بالعالم ، وباء الإدمان على المخدرات الشائعة الاستعمال في بقاع عديدة من العالم تشمل شرق الأرض وغربها، وتستقطب شمال الكون وجنوبه، وهو أمر يفوق حدّ التصور في ردّة فعله، ووبال أمره، ونجم عن استعماله انحراف الشباب والمراهقين انحرافاً خطيراً، وتدهورت الأخلاق إلى أدنى مستوى سحيق، وأميتت الضمائر وانتزعت منها المشاعر النابضة فعادت جماداً لا ينبض بالحركة، وبذرت الأموال تبذيراً طائشاً حتى التصق بالصعيد من كانت له مسكة غنى، فالميوعة والتخنث واللا إدراك، والبذاءة والانحلال كل أولئك مما يتصف به المدمن على المخدّرات، حتى أصبح دون مبالغة جزءاً مشلولاً متعطلاً في كيان الكائن البشري. وهذه المخدّرات متعددة الصفات كتعدد أسمائها ، ومختلفة التأثير كاختلاف مراتبها، ويمكننا من خلال اطلاعنا المتواضع أن نصنفها على الشكل الآتي، مبتدئين بالمعقّد منها ثم البسيط، أو ما هو أشد تأثيراً، وأكثر تركيزاً. 1 ـ الهيروين. 2 ـ المورفين. 3 ـ البتدين. 4 ـ الكوكائين. 5 ـ الأفيون. 6 ـ الحشيشة. إلا أن أخطر أنواع المخدرات هو الميروانا، وهو نوع من المخدرات التي تؤخذ على شكل سجائر أو كيفيات أخرى، وقد أختلف علماء المخدرات بالقات » فمن قائل إنه منشط لا علاقة له بالتخدير ، ومن قائل بأنه من المخدرات. ولقد دأبت الحكومات في العالم على مكافحة المخدرات، فحرّمت زراعتها وعملها واستحلابها وتنقيتها وبيعها وشراءها، وصادرت مئات الصفقات التجارية التي يقدر ثمنها بملايين الدولارات، وأقامت حجراً مفروضاً على المتعاملين معها، وبعض الدول تحكم بالإعدام على من يتّجر فيها. ومع هذا كله، وفوق هذا كله، فإنك تجد الانتشار واسعاً، والإتّجار بالمخدّرات قائماً، والتداول بين الشباب وحتى الصبية بنين وبناتٍ شائعاً، وذلك مما يهدد بكارثة حقيقية تعصف بكوكبة الفتيان والفتيات، علماً بأن المنظمات الدولية تشن حرباً شعواء على المخدرات، ومنظمة الصحة العالمية تحرمها وتدعو إلى صدّ هجومها على معسكرات الشباب، ودور الرعاية الصحية قد نظّمت حملاتها الموفقة ضدها، مضافاً إلى القوانين المحرمة لها والمعاقبة عليها، إلا أنها في انتشار مستطير، وكان سماحة السيد مدّ ظله الزاهر قد أفتى بما يلي: يحرم استعمال المخدرات مع ما يترتب عليه من الضرر البليغ، سواء من جهة إدمانه، أو من جهة أخرى، بل الأحوط لزوماً الاجتناب عنها مطلقاً، إلاّ في حالات الضرورة الطبية ونحوها، فتُستعمل بمقدار ما تدعو إليه الضرورة، والله العالم. وأما أمراض الخمور وأضرارها فحدث عن ذلك ولا حرج فأمراض القلب ، وتصلب الشرايين، وقرحة المعدة، وانتكاسة الجهاز الهضمي، وجملة الأعراض العقلية والنفسية والسلوكية، وتعرض الجينات الوراثية للأخطار، والتأثير على الأجنة والمواليد كل أولئك بعض أضرارها، عدا التضحية بالعقل والمال والوقار، وهكذا. ولقد وقف الإسلام موقفاً حازماً من الخمر وشربه وبيعه وغرسه وعصره وحمله، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ" (المائدة 91-92). وقال الرسول الأعظم صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم (من شرب الخمر بعد ما حرّمها الله على لساني فليس بأهل أن يزوج إذ خطب، ولا يُشفّع إذا شفع ، ولا يصدّق إذا حدّث ، ولا يؤتمن على أمانة). وقال أيضاً في رواية معتبرة (لعن الله الخمر وغارسها وعاصرها، وشاريها، وساقيها، وبايعها، وشاربها، وآكل ثمنها، وحاملها، والمحمولة إليه). وقد عدّها الفقهاء الثامن من الإعيان النجسة. قال سيدنا السيستاني مد ظله (الثامن: الخمر، ويلحق بها كل مسكر مائع بالأصالة على الأحوط الأولى، وأما الجامد كالحشيشة ـ وإن غلى وصار مائعاً بالعرض ـ فهو طاهر لكن الجميع حرام بلا أشكال).

وعن المياه والأنهار والآبار والعيون يقول الدكتور محمد حسين علي الصغير رحمه الله: وهي الأصل في استصلاح الأراضي، واستنزال البركات، ففيها تزدهر البلاد وتعمر الديار، وفيها حياة الناس والحيوان والمزارع، وعليها يقوم سلّم الحضارة فيبلغ ذروته في الإعمار والاستثمار والخيرات، وعليها مدار الحياة البشرية في بلوغ النعم وسدّ متطلبات العيش الرغيد، فلا حياة بلا ماء "وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ" (الانبياء 30) وهو أحد المباحات لكل أحد، وفي ضوء مصادره وتملكه وإباحته ومسلتزماته وتبعاته تنطلق عدة مسائل تحدد الأحكام الشرعية المناطة به. 1 ـ مياه الشطوط والأنهار الكبار كدجلة والفرات وما شاكلهما، وهكذا الصغار التي جرت بنفسها من العيون أو السيول، أو ذوبان الثلوج، وكذا العيون المتفجرة من الجبال أو في أراضي الموات ونحوها، كلها من الأنفال ـ أي أنها مملوكة للإمام عليه‌السلام ـ ولكن من حاز منها شيئاً بآنية أو حوض أو غيرهما، وقصد تملكه ملكه من غير فرق في ذلك بين المسلم والكافر. 2 ـ كل ماء من مطر أو غيره لو أجتمع بنفسه في مكان بلا يد خارجية عليه، فهو من المباحات الأصلية، فمنحازه بإناء أو غيره وقصد تملكه ملكه من دون فرق بين المسلم والكافر في ذلك. 3 ـ مياه الآبار والعيون والقنوات التي جرت بالحفر لا بنفسها ملك الحافر، فلا يجوز لأحد التصرف فيها بدون إذن مالكها. 4 ـ إذا شقّ نهراً من بعض الأنهار الكبار سواء أكان بشقه في أرض مملوكة له، أو بشقه في الموات بقصد إحيائه نهراً، ملك ما يدخل فيه من الماء إذا قصد تملكه. 5 ـ إذا كان النهر لأشخاص متعددين، ملك كل منهم مقدار حصته من النهر، فإن كانت حصة كل منهم من النهر بالسوية اشتركوا في الماء بالسوية، وإن كانت بالتفاوت ملكوا الماء بتلك النسبة، ولا تتبع نسبة استحقاق الماء نسبة استحقاق الأراضي التي تُسقى منه. 6 ـ الماء الجاري في النهر المشترك حكمه حكم سائر الأموال المشتركة فلا يجوز لكل واحد من الشركاء التصرف فيه بدون إذن الباقين. وعليه فإن أباح كل منهم لسائر شركائه أن يقضي حاجته منه في كل وقت وزمان، وبأي مقدار شاء جاز له ذلك. 7 ـ إذا وقع بين الشركاء تعاسر وتشاجر، فإن تراضوا بالتناوب والمهاباة بالأيام أو الساعات فهو، وإلاّ فلا محيص من تقسيمه بينهم بالأجزاء، بأن توضع في فم النهر حديدة مثلاً ذات ثقوب متعددة متساوية، ويجعل لكل منهم من الثقوب بمقدار حصته ، ويوصل كل منهم ما يجري في الثقبة المختصة به إلى ساقيته، فإن كانت حصة أحدهم سدساً، والآخر ثلثاً والثالث نصفاً ، فلصاحب السدس ثقب واحد، ولصاحب الثالث ثقيان، ولصاحب النصف ثلاثة ثقوب، فلامجموع ستة. 8 ـ القسمة بحسب الأجزاء لازمة ليس لأحدهم الرجوع عنها بعد وقوعها ، والظاهر أنها قسمة إجبار، فإذا طلبها أحد الشركاء أجبر الممتنع منهم عليها. وأما القسمة بالمهاباة والتناوب فهي ليست بلازمة، فيجوز لكل منهم الرجوع عنها حتى فيما إذا استوفى تمام نوبته، ولم يستوف ألآخر نوبته، وإن ضمن المستوفي حينئذٍ مقدار ما استوفاه بالمثل.

ويستمر الدكتور الصغير في سرد لأحكام الشرعية المناطة بالمياه: 9 ـ إذا اجتمعت أملاك على ماء عينٍ، أو وادٍ ، أو نهر، أو نحو ذلك من المشتركات كان للجميع حقّ السقي منه ، وليس لأحد منهم إحداث سدّ فوقها ليقبض الماء كله أو ينقصه عن مقدار احتياج الباقين. وعندئذٍ فإن كفى الماء للجميع من دون مراجعة فهو، وإلاّ قدّم الأسبق فالأسبق في الأحياء إن كان عُلم السابق، وإلا قدّم الأعلى فالأعلى والأقرب فالأقرب إلى فوهة العين أو أصل النهر، وكذا الحال في الأنهار المملوكة المنشقة من الشطوط، فإن كفى الماء للجميع وإلا قدّم الأسبق فالأسبق ـ أي: من كان شق نهره أسبق من شق نهر الآخر ـ إن كان هناك سابق ولاحق وعُلِم، وإلا فيقبض الأعلى بمقدار ما يحتاج إليه ثم ما يليه وهكذا. 10 ـ تنقية النهر المشترك وإصلاحه ونحوهما على الجميع بنسبة ملكهم إذا كانوا مقدمين على ذلك باختيارهم ، وإما إذا لم يقدم على ذلك إلا البعض لم يجبر الممتنع ، كما أنه لا يجوز التصرف فيه لغيره إلا بإذنه، وإذا أذن لهم بالتصرف فليس لهم مطالبته بحصته من المؤنة إلا إذا كان إقدامهم بطلبه وتعهده ببذل حصته. 11 ـ إذا كان النهر مشتركاً بين القاصر وغيره، وكان إقدام غير القاصر متوقفاً على مشاركة القاصر، إمّا لعدم اقتداره بدونه أو لغير ذلك، وجب على ولي القاصر ـ مراعاة لمصلحتهـ إشراكه في التنقية والتعمير ونحوهما، وبذل المؤنة من مال القاصر بمقدار حصته. 12 ـ ليس لصاحب النهر تحويل مجراه إلا بإذن صاحب الرحى المنصوبة عليه بإذنه، وكذا غير الرحى أيضاً من الأشجار المغروسة على حافتيه وغيرها. 13 ـ ليس لأحد أن يحمي المرعى ويمنع غيره عن رعي مواشيه إلاّ أن يكون المرعى ملكاً له، فيجوز له أن يحميه حينئذٍ، نعم لولي المسلمين أن يحمي المراعي العامة، ويمنع من الرعي فيها حسب ما تقتضيه المصلحة. إن هذا الاستيعاب الشامل لمسائل المياه والأنهار والآبار والعيون وما استلحق بها من التنقية والإصلاح والإعمار وحماية المراعي لهو بحق تسخيرٌ للموارد البشرية في استثمارها على الوجه الأكمل الذي أراده الله لعباده من أجل إعمار الأرض واستصلاحها بما فيه خير المجتمع الإنساني ، لينهض بحضارته إلى القمة في الحضارات.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك