الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله سبحانه وتعالى عن كلمة شيع ومشتقاتها "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ" ﴿الحجر 10﴾ شيع اسم، شيع: أمم، فرق، أو أصحاب الأولين، و كل من تحزب لآخر فهو له شيعة، شِيَعِ الأوَّلينَ: طوائف الأولين، في شيع: فرق، ولقد أرسلنا من قبلك أيها الرسول رسلا في فِرَق الأولين، فما من رسولٍ جاءهم إلا كانوا منه يسخرون، و "قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ" ﴿الأنعام 65﴾ شيعا اسم، شيعاً: فرقاً متفرقة، شيعا: فِرقا مُختلفة الأهواء، يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً: تختلفون أحزاباً و جماعات، قل أيها الرسول: الله عز وجل هو القادر وحده على أن يرسل عليكم عذابًا مِن فوقكم كالرَّجْم أو الطوفان، وما أشبه ذلك، أو من تحت أرجلكم كالزلازل والخسف، أو يخلط أمركم عليكم فتكونوا فرقًا متناحرة يقتل بعضكم بعضًا، و "إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ" ﴿الأنعام 159﴾ وَ كانوا شِيَعاً: طوائف و أحزاب، كانوا شيعا: فرقا و أحزابا في الضّلالة، إن الذين فرقوا دينهم بعد ما كانوا مجتمعين على توحيد الله والعمل بشرعه، فأصبحوا فرقا وأحزابا، إنك أيها الرسول بريء منهم، إنما حكمهم إلى الله تعالى، ثم يخبرهم بأعمالهم، فيجازي من تاب منهم وأحسن بإحسانه، ويعاقب المسيء بإساءته، و "ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَـٰنِ عِتِيًّا" ﴿مريم 69﴾ شيعة اسم، ثم لننزعن من كل شيعة: فرقة منهم، ثم لنأخذنَّ مِن كل طائفة أشدَّهم تمردًا وعصيانًا لله، فنبدأ بعذابهم، و "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" ﴿النور 19﴾ تشيع فعل، أَنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ: أن يظهر الكلام القبيح وينتشر، إن الذين يحبون شيوع الفاحشة في المسلمين من قَذْف بالزنى أو أي قول سيِّئ لهم عذاب أليم في الدنيا بإقامة الحد عليهم، وغيره من البلايا الدنيوية، ولهم في الآخرة عذاب النار إن لم يتوبوا، والله وحده يعلم كذبهم، ويعلم مصالح عباده، وعواقب الأمور، وأنتم لا تعلمون ذلك، و "إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ" ﴿القصص 4﴾ شِيَعًا: فرقا وأصنافا للخدمة، وجعل أهلها شيعاً: فرقاً في خدمته، إن فرعون تكبر وطغى في الأرض، وجعل أهلها طوائف متفرقة، يستضعف طائفة منهم، وهم بنو إسرائيل، يذبِّح أبناءهم، ويستعبد نساءهم، إنه كان من المفسدين في الأرض.
جاء في موقع الحكيم عن السنة والشيعة للسيد محمد سعيد الحكيم: السؤال: علمائنا الأفاضل، أتقدم لسماحتكم بعد أن ملأت الحيرة قلبي، سؤالي بسيط، لكني أعلم أنه متشعِّب: ما الفرق بين السُّنة والشيعة ؟ ولماذا اختلفوا؟ وما وجه الاختلاف في العقائد والعبادات ؟ حفظكم الله، وجعلكم ذخراً للأمة وسنداً لها . الجواب: الشيعة هم أتباع الإمام علي عليه السلام وآل البيت عليهم السلام من بعده، والذين يرونهم أحقّ بالخلافة، ويدينون بولايتهم، اعتماداً على مجموعة من الآيات الكريمة مثل آية التطهير: "إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً" (الاحزاب 33)، ومجموعة من النصوص النبوية ، مثل حديث الغدير، حيث أن النبي صلى الله عليه وآله قال في حق الإمام علي عليه السلام: (مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللَّهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه)، في قضية مفصَّلة، حتى أن حسَّان بن ثابت قال أبياتاً منها: فقالَ له قُم يا عليّ فإنني رضيتُك من بعدي إماماً وهادياً فمن كنتُ مولاهُ فهذا وليُّهُ فكونوا له أنصار صِدقِ موالياً. وكذلك حديث الثقلين : (إني تارك فيكم خَليفتين، كتابَ الله وأهلَ بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عَليَّ الحوض) كما جاء في مسند أحمد 5/182، وحديث السفينة، وهو قوله صلى الله عليه وآله: (مَثَل أهل بيتي فيكمَ مثل سفينة نوح، من ركبها نَجا، ومن تخلَّف عنها هَلَك) كما جاء في المستدرك على الصحيحين، و: ميزان الاعتدال، وغيرهما. وحديث الأئمة الاثني عشر عليهم السلام، فقد روى البخاري عن جابر بن سمرة، أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : (يكون بعدي اثنا عشر أميراً)، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: (كلُّهم من قريش) كما جاء في البخاري، كتاب الأحكام، و: مسلم 4/482. وهناك مجموعة أخرى من الآيات الكريمة والنصوص، والأدلة الأخرى التي يستشهد بها شيعة آل البيت عليهم السلام. أما السنّة فهم أتباع مدرسة الخلفاء، وقد يطلق عليهم أبناء السنة والجماعة، أما لفظة الجماعة فقد أُطلقت عليهم بعد سيطرة معاوية بن أبي سفيان على مقاليد الحكم، بعد استشهاد الإمام علي عليه السلام، وصُلحه مع الإمام الحسن السبط عليه السلام، حيث اجتمعوا على أمارة معاوية، فسمّي ذاك العام بعام الجماعة. وأما لفظة السُّنَّة فقد جاءت في أعقاب الخلاف، في مسألة خلق القرآن في أيام العباسيين، حيث أطلقه أنصار أبي الحسن الأشعري على أنفسهم، ثم غلب على كل أتباع مدرسة الخلفاء. ويتفق الشيعة والسنّة بشكل عام في أصول الإسلام: التوحيد والنبوة والمَعاد، ويختلفون في موضوع الإمامة وتحديد الأئمة ، أما من الناحية الفقهية فليس هناك خلاف جوهري، بل قد تتفق اجتهادات الفقهاء من الطرفين وقد تختلف، كما قد تختلف اجتهادات فقهاء المذاهب الأربعة، بل اجتهادات فقهاء المذهب الواحد كما جاء في الفقه على المذاهب الخمسة.
جاء في الموسوعة الإلكترونية لمدرسة أهل البيت عليهم السلام التابعة للمجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام عن معنى الشيعة: التشيع لغة يطلق، ويراد منه معنيان: المعنى الأول: الشيعة هم القوم المشايعون لغيرهم الذاهبون على أثرهم كما في قوله تعالى: "وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ" (الصافات 83)، فكل من وافق غيره في طريقته فهو من شيعته تقدم أو تأخر قال تعالى: "وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ" (سبأ 54).
المعنى الثاني: التبعية والحب للآخرين كما ورد في قوله تعالى في سورة القصص: "فَاسْتَغاثَهُ الَّذي مِنْ شيعَتِهِ عَلَى الَّذي مِنْ عَدُوِّه" (القصص 15).
وقد أطلقت مفردة التشيع اصطلاحاً في الكتب والمصادر الإسلامية على ثلاث معان هي: الأول: المحب لأهل بيت النبوة عليهم السلام، فمن أحب علياً عليه السلام وأبناءه دخل في التشيع انطلاقاً من قوله تعالى: "قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيهِ أَجْراً إِلاَّ اَلْمَوَدَّةَ فِي اَلْقُرْبى" (الشورى 23)، والشيعة على هذا التعريف يدخل جميع المسلمين إلاّ النواصب. الثاني: الشيعي من يؤمن بتفضيل علي بن أبي طالب عليه السلام على عثمان خاصة أو على سائر الخلفاء والصحابة، ولكن مع ذلك يؤمن بأنّه عليه السلام الخليفة الرابع، ولا يؤمن بالنص عليه ولا استخلافه من قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم. الثالث: الشيعة هم الذين شايعوا علياً عليه السلام على الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصاً ووصية، واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده من نسل فاطمة عليها السلام وإن خرجت فبظلم يكون من غيره أو بتقية من الإمام. وقالوا: ليست الإمامة قضية مصلحة تناط باختيار العامة وينتصب الإمام بنصبهم، بل هي قضية أصولية وهي ركن الدين لا يجوز للرسل عليهم السلام إغفاله وإهماله ولا تفويضه إلى العامة وإرساله. ويجمعهم القول بوجوب التعيين والتنصيص. وقد أطلق خصوم الشيعة لقب الرافضة على هذا الصنف من الشيعة.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: شيع جمع شيعة، و يطلق على المجموعة و الفرقة التي تمتلك نهجا مشتركا. يقول الراغب الأصفهاني في كتاب المفردات باب شيع: الشياع الانتشار و التقوية، يقال شاع الخبر أي كثر و قوى، و شاع القوم انتشروا و كثروا، و شيعت النّار بالحطب قويتها، و الشيعة: من يتقوى بهم الإنسان. أمّا العلّامة الطبرسي في مجمع البيان فيعتبر أنّ أصلها من المشايعة، و هي المتابعة، يقال شايع فلان فلانا على أمره أي تابعه عليه، و منه شيعة علي عليه السّلام و هم الذين تابعوه على أمره و دانوا بإمامته، و في حديث أم سلمة عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: (شيعة علي هم الفائزون يوم القيامة) إشارة لهذا المعنى. و علي أية حال فالشياع بمعنى الانتشار و التقوية، أو المشايعة بمعنى المتابعة، كلاهما دليل على وجود نوع من الاتحاد و الارتباط الفكري و الديني في مفهوم الشيعة و التشيع. و إطلاق لفظ شيع على الأقوام السابقة يدل على أنّهم في قبال دعوة الأنبياء عليهم السلام كانوا متحدين في توجههم و متآزرين متعاضدين في عملهم. فإن كان لأهل الضلال هذا الاتحاد و التنسيق أ فلا ينبغي لأتباع الحق أن يسيروا على نور هدية متكاتفين و متآزرين؟ قوله تعالى "وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ" (القمر 51). أشياع جمع شيعة و تطلق على الأتباع الذين ينشرون و يشيعون ما يرتبط بالشخص المتّبع في كلّ الحالات و يسندونه و يناصرونه، و إذا استعملت بمعنى تابع فإنّها تكون بنفس القصد. و من الطبيعي فإنّ الأقوام السابقة لم يكونوا أتباعا و شيعة لمشركي مكّة و أمثالهم، بل العكس هو الصحيح، و لكن بما أنّ المؤيّدين لشخص ما يشبّهونه في سلوكه، لذا فإنّ هذا المصطلح يطلق على الشبيه و المماثل أيضا. و يجدر بنا القول بأنّ هذه الطائفة من مشركي مكّة كانوا يستعينون و يستفيدون من الخطّ الفكري الذي كانت الأقوام السابقة عليه، و لهذا السبب فإنّ كلمة أشياع أطلقت على الأقوام السابقة. و على كلّ حال، فإنّ الآية الكريمة تؤكّد هذه الحقيقة مرّة اخرى، و هي أنّ أعمال مشركي قريش و ممارساتهم هي نفس أعمال و ممارسات و عقائد الأقوام السابقة، لذا فلا يوجد دليل على أنّ مصيركم سوف يكون أفضل من مصيرهم، فاتّعظوا وعوا. قوله تعالى "أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً" (الانعام 65) "شِيَعاً" جمع شيعة بمعنى الجماعة.
https://telegram.me/buratha