الصفحة الإسلامية

اشارات قرآنية في كتاب نظرات معاصرة في القرآن الكريم للدكتور محمد حسين الصغير (ح 9)


الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في كتاب نظرات معاصرة في القرآن الكريم للدكتور محمد حسين علي الصغير عن حكم السرقة: لقد حدد القرآن حكم السرقة ؛ واعتبرها من الجرائم التي يعاقب عليها بقطع اليد بنص قوله تعالى "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" ألمائدة 38). هذا الحكم له حدود وله قيود في تعيّن مبلغ السرقة، وهوية السارق، ومكان القطع، وللفقهاء فيه كلام طويل، وكذلك الحال في نوعية السرقة غصباً أو سلباً أو أغار سراً أو علانية ، لكن المهم هو وقع الحكم على الاسماع وشدته لدى التنفيذ ، وهذا ما دفع بحملة من الأوربيين والمستشرقين إلى تصوير الاسلام بأنه دين وحشي، وليس الأمر كذلك ، لأن الظروف المعيشية التي سخرها الله لعباده، هي أكبر وأكثر من ظروف الاعتداء على أموال الآخرين، ولأن الامانة سر من أسرار الخليقة، يعود الانسان بدونها متردياً للحضيض الاوهد، ويحضرني في ردّ هذه الشبهة، ما أبانه أبو العلاء المعري، متسائلاً عن حكمة قطع اليد بقوله: يد بخمس مئين عسجد فديت * ما بالها قطعت في ربع دينار، فأجابه السيد المرتضى علم الهدى (ت : 436 ه‌): عز الامانة أغلاها وأرخصها * ذل الخيانة فأنظر حكمة الباري.

وعن جريمة الزنا يقول الدكتور قصير رحمه الله: الزنا ، وهو جريمة يقاربها من لا عائلة له يحافظ على شرفها، ولا زوجة يصون حرمتها، ولا بنت يغار عليها، ولا أخت يثأر لكرامتها لأن الزنا دين كما يقول العرب (كما تدين تدان)، وقد جعل الله سبحانه وتعالى في الزواج غنى عن هذه الجريمة الخلقية في أمراضها وأضرارها ونتائجها. قال تعالى "وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً" (الاسراء 32). وقد عالج القرآن هذه الظاهرة عملياً بالطرق الشرعية المسنونة، وشدد عليها عقاباً في البكر فقال تعالى "الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ المُؤْمِنِينَ" (النور 2). ثم هز القرآن الكريم الحمية والغيرة والكرامة، وأنه ليربأ بالنفس الانسانية عن هذا المسلك الوخيم فقال تعالى "الزَّانِي لا يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى المُؤْمِنِينَ" (النور 3). لهذا كان قذف المحصنات والتشهير بالنساء البريئات من المحرمات التي يعاقب عليها الله تعالى، وانظر إلى قوله "وَالَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" (النور 4). ولنبتعد قليلاً عن هذا المناخ إلى عظمة قوله تعالى في صد هذا المناخ "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الروم 21). اثرى الهدوء النفسي والاطمئنان الروحي مهيئاً بالزنا وبالمحرمات الاخرى كاللواط والسحاق والعادة السرية، إنها لموبقات حقاً. "وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا" (طه 131). ألا تنظر إلى قوله تعالى وهو يرغب بنعيم الجنة في ملذاتها الحسية "وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" (البقرة 25). وإلى قوله تعالى "وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ" (ال عمران 15). إنني أدعو الشباب المثقف إلى الزواج بسن مبكرة من أجل مكافحة جريمة الزنا، فالزواج المبكر سنّة سار عليها سلفنا الصالح، وأدعو الآباء والامهات إلى التخفيف من غلاء المهور وشروط الزواج، فالمسلم كفء المسلمة، قال تعالى "وَأَنكِحُوا الأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" (النور 32). والزواج حاجة يحتاج إليها الشباب بخاصة كالاحتياج إلى الاكل والشرب بالضبط ، ولا حياء في الدين.

ويقول الاستاذ محمد حسين الصغير عن كبائر المحرمات: وهي عبارة عن المحرمات التي ذكرها الكتاب العزيز ونص عليها علماء التشريع الاسلامي مما يعتبر الوقوع فيها منافياً لعدالة المسلم ووصفه بالفسق حيناً، وبالكفر حيناً آخر، ولنا في صدد عدها، فمنها: عقوق الوالدين، أكل مال اليتيم، أكل الربا، شهادة الزور ، كتمان الشهادة ، شرب الخمر ، ترك ما فرض الله تعمداً ، ما تقدم من قتل النفس المحترمة والزنا والسرقة ، قطيعة الرحم ، الكذب ، أكل الميتة والدم ، ولحم الخنزير ، وما أهل به لغير الله ، والقمار ، وأكل السحت ، والرشوة ، والبخس في المكيال والميزان ، والغيبة ، والنميمة والبهتان ، وغش المسلمين ، وأمثال ذلك مما يعتبره القرآن جريمة يعاقب عليها في الدنيا أو الاخرة ، وهنا نلقي نظرة فاحصة لسبيل مكافحة الجرائم بتلميح موجز يتعلق بإصلاح المجتمع والنفس الانسانية والعودة بها إلى الفطرة الخالصة النقية من كل وضر وشائبة وذلك أننا في كثير من الدول النامية نعيش أزمة أخلاقية تأثرت بمفاهيم الغرب غير الدقيقة ، هذه المفاهيم هي التي تؤدي إلى الجريمة ، فالخروج عن التقاليد العربية الاصيلة ، والابتعاد عن واقع الرسالة الاسلامية المقدسة ، والتهور ضد الاعراف الانسانية النبيلة كل أولئك مما يوقع في هذه الجرائم آنفة الذكر ، الولد مثلاً لا يعرف قيمة والديه والطالب لا يقدر جهود مربيه ، والصديق يعامل صديقه بالاثرة لا الايثار والاخ يضرب صفحاً عن أخيه ، والجار يطوي كشحاً عن جاره ، والكذب والبهتان والنميمة ديدن الكثيرين ، وأفضل الناس من شغلته عيوبه عن عيوب الآخرين فلسنا معصومين ، والتفاهم في لغة المحبة والاخوة الصادقة عاد ضرباً من الهذيان ، وحب لأخيك ما تحب لنفسك ليست من أخلاقنا ، والكلمة الطيبة صدقة نسخت من معجمات الحديث الشريف و "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ" (المائدة 2) كأنها ليست من كتاب الله. وقوله تعالى "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ" (فصلت 34) لا نجد مفهوماً لها في تعاملنا مع الناس. وقوله تعالى "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" (ال عمران 159)، كأنه ليس من أخلاق رسولنا العربي الامين. حتى عاد التواضع ضعة واللين ضعفاً، والاخلاق تملقاً، والحديث ثرثرة والادب عدم اتزان. أن درء المفاهيم الخاطئة، وهذه المتخلفات الذهينية، هو الذي أن نحارب الجريمة، ونكافح انتشارها والا فنحن في عداد المجرمين "إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ المُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42)" (المدثر 39-42). قال الزمخشري (ت: 538 ه‌) (ما سلككم في سقر ليس ببيان للتساؤل عنهم، وإنما حكاية قول المسؤولين عنهم، لأن المسؤولين يلقون إلى السائلين ما جرى بينهم وبين المجرمين، فيقولون، إلا أن الكلام جيء به على الحذف والاختصار كما هو نهج التنزيل في غرابة نظمه). وإذا لم يكافح كل منا الجريمة من موقعه، والانانية الذاتية في داخله ، والقوقعة على النفس، كان ما قدمناه كلاماً فارغاً لا يسمن ولا يغني من جوع.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك