الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله تعالى عن كلمة يئس ومشتقاتها "الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ" ﴿المائدة 3﴾ يئس فعل، يئس اي انقطع او ارتد، الآن انقطع طمع الكفار من دينكم أن ترتدوا عنه إلى الشرك بعد أن نصَرْتُكم عليهم، فلا تخافوهم وخافوني، و "وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ" ﴿هود 9﴾ ليئوس: قنوط من رحمة الله، ولئن أعطينا الإنسان مِنَّا نعمة من صحة وأمن وغيرهما، ثم سلبناها منه، إنه لَشديد اليأس من رحمة الله، جَحود بالنعم التي أنعم الله بها عليه، استيأسوا: يئسوا، و اليأس: انتفاء الطمع، و هو القنوط و انقطاع الأمل، و "فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا ۖ قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ ۖ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي ۖ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ" ﴿يوسف 80﴾ اسْتَيْأَسُوا: اسْتَيْـَٔسُ فعل، وا ضمير، استيأسوا منه: يئسوا من إجابة يوسف لهم، فلما يئسوا من إجابته إياهم لِمَا طلبوه انفردوا عن الناس، وأخذوا يتشاورون فيما بينهم، و "يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ" ﴿يوسف 87﴾ ييأس فعل، ييأس: يتبين، يعلم، و اليأس في الأصل القنوط،، قال يعقوب: يا أبنائي عودوا إلى مصر فاستقصوا أخبار يوسف وأخيه، ولا تقطعوا رجاءكم من رحمة الله، إنه لا يقطع الرجاء من رحمة الله إلا الجاحدون لقدرته، الكافرون به، و "حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ" ﴿يوسف 110﴾ استيأس فعل، اْسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ: أيس الرسل من تصديق قومهم، ولا تستعجل أيها الرسول النصر على مكذبيك، فإن الرسل قبلك ما كان يأتيهم النصر عاجلا لحكمة نعلمها، حتى إذا يئس الرسل من قومهم، وأيقنوا أن قومهم قد كذبوهم ولا أمل في إيمانهم، جاءهم نصرنا عند شدة الكرب، و "أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا" ﴿الرعد 31﴾ ييأس فعل، أَفَلَمْ يَيْأَسِ: أفلم يعلم و يتبين.
عن تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: قوله تعالى "وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ" (الطلاق 4) المراد بالارتياب الشك في يأسهن من المحيض أهو لكبر أم لعارض، فالمعنى: واللائي يئسن من المحيض من نسائكم وشككتم في أمر يأسهن أهو لبلوغ سنهن سن اليأس أم لعارض فعدتهن ثلاثة أشهر. وقوله: "يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ" (الممتحنة 13) المراد بالآخرة ثوابها، والمراد بالكفار الكافرون بالله المنكرون للبعث، وقيل: المراد مشركوا مكة واللام للعهد، و "من" في "مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ" (الممتحنة 13)لابتداء الغاية. والجملة بيان لشقائهم الخالد وهلاكهم المؤبد ليحذر المؤمنون من موالاتهم وموادتهم والاختلاط بهم والمعنى: قد يئس اليهود من ثواب الآخرة كما يئس منكرو البعث من الموتى المدفونين في القبور. وقيل: المراد بالكفار الذين يدفنون الموتى ويوارونهم في الأرض من الكفر بمعنى الستر. وقيل: المراد بهم كفار الموتى و "من" بيانية والمعنى: يئسوا من ثواب الآخرة كما يئس الكفار المدفونون في القبور منه لقوله: "إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله" (البقرة 161). قوله تعالى "حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا" (يوسف 110) إلى آخر الآية ذكروا أن يأس واستيئس بمعنى، ولا يبعد أن يقال: إن الاستيئاس هو الاقتراب من اليأس بظهور آثاره لمكان هيئة الاستفعال وهو مما يعد يأسا عرفا وليس باليأس القاطع حقيقة. وقوله "حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ" (يوسف 110) متعلق الغاية بما يتحصل من الآية السابقة والمعنى تلك الرسل الذين كانوا رجالا أمثالك من أهل القرى وتلك قراهم البائدة دعوهم فلم يستجيبوا وأنذروهم بعذاب الله فلم ينتهوا حتى إذا استيئس الرسل من إيمان أولئك الناس، وظن الناس أن الرسل قد كذبوا أي أخبروا بالعذاب كذبا جاء نصرنا فنجيء بذلك من نشاء وهم المؤمنون ولا يرد بأسنا أي شدتنا عن القوم المجرمين. قوله تعالى "فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا" (يوسف 80) إلى آخر الآية قال في المجمع: اليأس قطع الطمع من الأمر يقال يئس ييأس وأيس يأيس لغة، واستفعل مثل استيأس واستأيس. قال: ويئس واستيأس بمعنى مثل سخر واستسخر وعجب واستعجب. والضمير في قوله "فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ" (يوسف 80) ليوسف ويمكن أن يكون لأخيه والمعنى "فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا" أي إخوة يوسف "مِنْهُ" أي من يوسف أن يخلي عن سبيل أخيه ولو بأخذ أحدهم بدلا منه "خَلَصُوا" (يوسف 80) وخرجوا من بين الناس إلى فراغ "نَجِيًّا" يتناجون في أمرهم أيرجعون إلى أبيهم وقد أخذ منهم موثقا من الله أن يعيدوا أخاهم إليه أم يقيمون هناك ولا فائدة في إقامتهم؟ ما ذا يصنعون؟.
وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: الغرور و اليأس: يتداول على ألسنتنا أنّ فلانا أصبح بعيدا عن اللّه، أو أنّه نسي اللّه بعد أن تحسنت أموره. و رأينا أنّ أمثال هؤلاء الأشخاص الذين نسوا اللّه كيف يصابون باليأس الذلة و الهلع عند ما تنزل بهم أبسط الشدائد، بحيث لا نكاد نصدّق بأنّهم سبق و أن كانوا على غير هذه الحال. أجل، هكذا حال هؤلاء الجماعة من ضيقي التفكير و ضعيفي الإيمان، و على العكس من ذلك حال أولياء اللّه، حيث تكون نفوسهم واسعة و أرواحهم وضاءة نيّرة إزاء المؤثرات التي تحيط بهم و لو بلغت في عتوها و ضغطها مبلغا شديدا، إنّهم كالجبال في مقابل الصعوبات و الشدائد، إذا وهبتهم الدنيا فلا يؤثر ذلك فيهم، و إذا أخذت منهم العالم أجمع لا يتأثرون. بما انّ أولاد يعقوب كانوا مطمئنين الى هلاك يوسف و عدم بقاءه، تعجّبوا من توصية أبيهم و تأكيده على ذلك، لكن يعقوب نهاهم عن اليأس و القنوط و وصّاهم بالاعتماد على اللّه سبحانه و الاتّكال عليه بقوله: "وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ" (يوسف 87).
جاء في شبكة المعارف الاسلامية الثقافية عن آية اليوم يئس الذين ومسألة الإمامة: تقع الآية التي نعنيها أوائل سورة المائدة، حيث يقول تعالى: "الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا" (المائدة 3). ينطوي النص على قسمين، يبدأ كل منهما بـ "اليوم" وهما معا جزءا آية واحدة، وليسا آيتين ولا جزءا آيتين والشيء الثابت أن كلا القسمين يرتبطان بفكرة واحدة لا بفكرتين (مسوقان لغرض واحد). سأعرض معنى الآية من خلال القرائن، بعد إشارات نبدؤها بكلمة "يوم" التي دخلت عليها "أل" العهدية لتعني أحيانا (ذلك اليوم) وأحيانا أخرى (هذا اليوم)، وقد استخدمت في المعنيين معا. وحين تستخدم بمعنى "ذلك اليوم" تكون مسبوقة بذكر يوم معين، تأتي للإشارة إليه. ولكن في المعنى الثاني، عندما نقول:"دخل هذا الشخص اليوم" فالمراد هذا اليوم لا ذاك. تشير الآية في قوله تعالى: "اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم.." إلى يأس الكفار. والسؤال:بأي معنى يئس أولئك من دينكم؟ المراد أنهم يئسوا من التفوق عليكم ومحق دينكم، ولأنهم يئسوا من ذلك فقد كفوا عن مواجهتكم بذاك النهج الذي كانوا يواجهون به الإسلام من قبل، فلا تخشوهم. والأمر العجيب الذي يردف به النص، هو قوله: "واخشون". فلأن الحديث عن الدين، فالمراد أن هذا الدين لن يصيبه الضرر من أولئك بعد الآن، وإذا صادف وأن حل به الضرر، فإن ذلك يكون بالضرورة وبمقتضى السياق مني، فما معنى ذلك؟ سنعرض الإجابة بعدئذ. نقرأ في تتمة الآية: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي" (المائدة 3). لقد ذكر النص كلمتين متقاربتين إلى بعضهما جدا، هما: الإكمال والإتمام.
https://telegram.me/buratha