الدكتور فاضل حسن شريف
تكملة للحلقتين السابقتين قال الله تعالى عن كلمة الروح ومشتقاتها "قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ" ﴿النحل 102﴾ روح اسم، روحُ القُدُسِ: جبريل عليه السلام، قل لهم أيها الرسول: ليس القرآن مختلَقًا مِن عندي، بل نَزَّله جبريل مِن ربك بالصدق والعدل، تثبيتًا للمؤمنين، وهداية من الضلال، وبشارة طيبة لمن أسلموا وخضعوا لله رب العالمين، و "فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا" ﴿مريم 17﴾ رُوحَنَا: رُوحَ اسم، نَا ضمير، رُوحَنَا: جبريل عليه السلام، فجعلت مِن دون أهلها سترًا يسترها عنهم وعن الناس، فأرسلنا إليها الملَك جبريل، فتمثَّل لها في صورة إنسان تام الخَلْق، و "وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ" ﴿الأنبياء 91﴾ مِنْ رُّوحِنَا: وهو جبريل عليه السلام، واذكر أيها الرسول قصة مريم ابنة عمران التي حفظت فرجها من الحرام، ولم تأتِ فاحشة في حياتها، فأرسل الله إليها جبريل عليه السلام، فنفخ في جيب قميصها، فوصلت النفخة إلى رحمها، فخلق الله بذلك النفخ المسيح عيسى عليه السلام، فحملت به من غير زوج، فكانت هي وابنها بذلك علامة على قدرة الله، وعبرة للخلق إلى قيام الساعة، و "ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ۖ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ" ﴿السجدة 9﴾، و "فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ" ﴿ص 72﴾ رُوحِي: رُّوحِ اسم، ى ضمير، اذكر لهم أيها الرسول: حين قال ربك للملائكة: إني خالق بشرًا من طين. فإذا سوَّيت جسده وخلقه ونفخت فيه الروح، فدبت فيه الحياة، فاسجدوا له سجود تحية وإكرام.
عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: أصالة و استقلال الرّوح: يظهر تأريخ العلم و المعرفة الإنسانية أنّ قضية الروح و أسرارها الخاصّة كانت محط توجّه العلماء، حيث حاول كل عالم الوصول إلى محيط الروح السري. و لهذا السبب ذكر العلماء آراء مختلفة و كثيرة حول الروح. و من الممكن أن تكون علومنا و معارفنا اليوم و كذلك في المستقبل قاصرة عن التعرف على جميع أسرار الروح و الإحاطة بتفصيلاتها، بالرغم من أنّ روحنا هي أقرب شيء لدينا من جميع ما حولنا. و بسبب الفوارق التي تفصل بين جوهرة الروح و بين ما نأنس به من عوالم المادة، فإنّنا لن نحيط بأسرار و كنه الروح، أعجوبة الخلق، و المخلوق الذي يتسامى على المادة. و لكن كل هذا لا يمنعنا من رؤية أبعاد الروح بعين العقل، و أن نتعرف على النظم و الأصول العامّة الحاكمة عليها. إنّ أهم أصل يجب أن نعرفه هو قضية أصالة و استقلال الروح، في مقابل آراء المذاهب الوضعية التي تذهب إلى مادية الروح، و أنّها من افرازات الذهن و الخلايا العصبية و لا شيء غير ذلك و سنبحث هذا الموضوع هنا و نتوسع فيه، لأنّ مسألة (بقاء الروح) و قضية (التجرد المطلق أو عالم البرزخ) يعتمدان على هذا الأمر. لا يشك أحد في أنّ الإنسان يختلف عن الحجارة و الخشب، لأنّنا نشعر- بشكل جيّد- بأنّنا نختلف عن الجمادات، بل و حتى عن النباتات، فنحن نفهم و نتصوّر و نصمّم، و نريد، و نحب، و نكره. إلّا أنّ الجمادات و النباتات ليس لها أيّ من هذه الإحساسات، لذلك فثمّة فرق أساسي بيننا و بينها و يتمثل في امتلاكنا للروح الإنسانية. ثمّ إنّه لا الماديون و لا أي مجموعة فكرية مذهبية أخرى تنكر أصل وجود الروح، و لذلك يعتبرون علوما مثل علم النفس (سيكولوجيا)، و علم العلاج النفسي (بسيكاناليزم) من العلوم المفيدة و الواقعية، و هذين العلمين بالرغم من أنّهما يعيشان مراحل طفولتهما بلحاظ بعض العوامل و القضايا، و لكنّهما مع ذلك يدخلان اليوم ضمن المناهج الدراسية في الجامعات، حيث يقوم أساتذة كبار بالبحث و التحقيق فيهما، و كما سنلاحظ، فإنّ النفس و الروح ليستا حقيقتين منفصلتين، بل هما مراحل مختلفة لحقيقة واحدة. و إنّنا هنا سنطلق كلمة النفس عند ما يتعلق الحديث بالارتباط بين الروح و الجسم و التأثير المتبادل لكل منهما على الآخر. أمّا عند ما يكون الحديث عن الظواهر الروحية مع غض النظر عن البدن فإنّنا سنطلق عليها كلمة الروح.
جاء في صحيفة القران المجيد عن سورة الفاتحة للشيخ حسن جليل حردان الانباري: أمر الله يأتي به ملك أسمه الروح: وهو ملك مخصوص بتسديد الأنبياء والأوصياء والأئمة وهداة الدين على طول الزمان وهو جبرائيل أو ملك أعظم منه من الكروبيين أنظر قول الله تعالى "رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاَقِ" (غافر 15). الأمام الحق هو مَن يسدده الله بالروح بأمره وهو يعمل وفق أمر الله، والله أختاره وهداه واعدّه للهداية، وأنعم عليه وعلى الناس بأن عرفه لهم أنه هو الهادي وصاحب الصراط المستقيم قال الله تعالى "يُنَزِّلُ الْمَلاَئِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِي" (النحل 2) فإن الأمام مسدد بالروح كالنبي إلا أن النبي الرسول يختص بشريعة جديدة والنبي ولم يكن رسول يختص بالتبليغ للشريعة السابقة، ولما ختم الله النبوة لكي لا يدعي أحد التشريع بعد النبي جعل له أوصياء وخلفاء وأئمة مسددون بالروح من أمر الله تعالى، وذلك بيّن وواضح ودليله استمرار ليلة القدر على طول الزمان وهو يتنزل على الإمام بأمر الله تعالى "تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ" (القدر 4)، فهذه لإمام الحق والله يسدده بالروح ويلقي عليه ما يراه سبحانه موصل لعباده لسعادة الدنيا والآخرة ولما فيه صلاحهم وما به يمكنهم أن يصلوا للعبودية الحقيقية له تعالى.
قال الإمام علي عليه السلام: ألا أخبركم بالفقيه حق الفقيه؟: من لم يرخص الناس في معاصي الله، ولم يقنطهم من رحمة الله، ولم يؤمنهم من مكر الله، ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى ما سواه. عنه عليه السلام: الفقيه كل الفقيه من لم يقنط الناس من رحمة الله، ولم يؤيسهم من روح الله، ولم يؤمنهم من مكر الله. وعن أبي بصير، قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن أرواح المؤمنين، فقال: (في حجرات في الجنة، يأكلون من طعامها، ويشربون من شرابها، ويقولون: ربنا أقم الساعة لنا، وأنجز لنا ما وعدتنا، وألحق آخرنا بأولنا). وعن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سألته عن أرواح المشركين، فقال: (في النار يعذّبون، يقولون: ربنا لا تقم لنا الساعة، ولا تنجز لنا ما وعدتنا، ولا تلحق آخرنا بأولنا).
https://telegram.me/buratha