الصفحة الإسلامية

معاني الروح المختلفة في القرآن الكريم (ح 8)


الدكتور فاضل حسن شريف

وردت خواص لسورة الفاتحة في بعض الروايات، منها: عن الإمام الصادق عليه السلام: (لو قٌرئت الحمد على ميت سبعين مرة ثمّ ردّت فيه الروح ما كان ذلك عجباً). يقول الامام علي زين العابدين عليه السلام (أصبحت مطلوباً بثمان: الله يطالبني بالفرائض، والنبي بالسُنّة، والعيال بالقوت، والنفس بالشهوة، والشيطان باتّباعه، والحافظان بصدق العمل، وملك الموت بالروح، والقبر بالجسد، فأنا بين هذه الخصال مطلوب). عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: و اشتد حزنه يعنى يعقوب حتى تقوس ظهره وأدبرت الدنيا عن يعقوب وولده حتى احتاجوا حاجة شديدة، وفنيت ميرتهم، فعند ذلك قال يعقوب لولده: "اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ" ﴿يوسف 87﴾. علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: الكبائر: القنوط من رحمة الله، واليأس، من روح الله، والامن من مكر الله، وقتل النفس التي حرم الله، وعقوق الوالدين، وأكل مال اليتيم ظلما، وأكل الربا بعد البينة، والتعرب بعد الهجرة، وقذف المحصنة، والفرار من الزحف. في نهج البلاغة قال: ولا تيأس لشر هذه الأمة من روح الله لقوله سبحانه: انه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون. وقال: الفقيه كل الفقيه من لم يقنط الناس من رحمة الله ولم يؤيسهم من روح الله ولم يؤمنهم مكر الله. عن أبي عبد الله عليه السلام إن روح المؤمن لأشد اتصالا بروح الله من اتصال شعاع الشمس بها.

عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: أنّ الحياة و الموت و كلّ شؤون الإنسان هي بيد اللّه سبحانه و تعالى، قالت الآية: "اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها" (الزمر 42) كلمة توفى تعني قبض الشي‌ء بالتمام، كلمة أنفس تعني الأرواح. و كلمة منام لها معنى مصدري و تعني النوم. و بهذا الشكل فإن النوم يعد شقيق الموت لكن بأحد أشكاله الضعيفة، أي أشكال الموت، لأن العلاقة بين الروح و الجسد تصل إلى أدنى درجاتها أثناء النوم، و تقطع الكثير من العلاقات و الوشائج بينهما. و تضيف الآية "فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى‌ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَ يُرْسِلُ الْأُخْرى‌ إِلى‌ أَجَلٍ مُسَمًّى‌" (الزمر 42) نعم‌ "إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ‌" (الزمر 42). من هذه الآية يمكن استنتاج عدة أمور: 1- إنّ الإنسان عبارة عن روح و جسد، و الروح هي جوهر غير مادي، يرتبط بالجسد فيبعث فيه النور و الحياة. 2- عند الموت يقطع اللّه العلاقة بين الروح، و الجسد، و يذهب بالروح إلى عالم الأرواح، و عند النوم يخرج البارئ عزّ و جلّ الروح و الجسد، و لكن ليس بتلك الحالة التي تقطع فيها العلاقات بصورة كاملة. و وفقا لهذا فإنّ الروح لها ثلاث حالات بالنسبة للجسد، و هي: ارتباط كامل (حالة الحياة و اليقظة) و ارتباط ناقص (حالة النوم) و قطع الارتباط بصورة كاملة (حالة الموت). 3- النوم هو أحد الصور الضعيفة للموت، و الموت هو نموذج كامل للنوم. 4- النوم هو أحد دلائل استقلال و أصالة الروح، خاصة عند ما يرافق بالرؤيا الصادقة التي توضح المعنى أكثر. 5- إنّ العلاقة التي تربط بين الروح و الجسد تضعف أثناء النوم، و أحيانا تقطع تماما ممّا يؤدي إلى عدم يقظة النائم إلى الأبد، أي موته. 6- إنّ الإنسان عند ما ينام في كلّ ليلة يشعر و كأنّه وصل إلى أعتاب الموت، و هذا الشعور بحد ذاته درسا يمكن الاعتبار منه، و هو كاف لإيقاظ الإنسان من غفلته. 7- كلّ هذه الأمور تجري بقدرة البارئ عزّ و جلّ، و إن كان قد ورد في بعض الآيات ما يشير إلى أنّ ملك الموت هو الذي يقبض الأرواح، فهذا لا يعني سوى أنّه ينفّذ أوامر البارئ عزّ و جلّ. ورد في حديث عن الإمام الباقر عليه السّلام: (ما من أحد ينام إلّا عرجت نفسه إلى السماء، و بقيت روحه في بدنه، و صار بينهما سبب كشعاع الشمس، فإن أذن اللّه في قبض الأرواح أجابت الروح النفس، و إن أذن اللّه في ردّ الروح أجابت النفس الروح، فهو قوله سبحانه: "اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها" (الزمر 42)). كلمة روح في هذه الرواية تعني الروح الحيوانية و عمل أجهزة الجسم الرئيسية، و كلمة نفس تعني روح الإنسان. و ثمّة مسألة مهمّة اخرى هي مسألة الرؤيا لأنّ الكثيرين يرون في عالم الرؤيا أحلاما حدثت وقائعها أو ستحدث فيما بعد في الواقع، مع اختلافات جزئية أو بدون أيّ اختلاف. التفاسير المادية عاجزة عن توضيح مثل هذه الرؤيا و الأحلام، في حين أن التفاسير الروحية تستطيع بسهولة توضيح هذا الأمر، لأنّه عند ما تنفصل روح الإنسان عن جسده و ترتبط بعالم الأرواح، تدرك حقائق كثيرة لها علاقة بالماضي و المستقبل، و هذه الحالة هي التي تشكل أساس الرؤيا الصادقة.

جاء في كتاب العرفان بين التصوف والقرآن عن العرفان والالهام للدكتور ابو لحية: غيوب المبدأ: ففرق كبير بين أن نعتقد بأن الله تعالى يمد عباده الصالحين بالمدد الروحي الذي يكسبهم علما ومعرفة وتقوى كما جاء في "وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" (الشورى 52). ولهذا يذكر الله تعالى أنه يمكن لكل مؤمن يتواصل مع الله من خلال كلماته أن يكتسب من القوة الروحية الشيء الكثير، قال تعالى: "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لله وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ" (الانفال 24) فالحياة المرادة هنا ليست حياة الأجساد، وإنما هي حياة خاصة بتلك الطاقات الجديدة الموهوبة للإنسان بسبب تفعيله للقرآن الكريم. ومثلك ذلك ما نص عليه قوله تعالى: "أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (الانعام 122) فالآية الكريمة تشير إلى أن غير المؤمن يكون فاقدا للروح التي يتحقق بها الإيمان، ولذلك يكون ميتا من هذه الجهة، فإذا ما آمن عادت إليه الحياة من جديد. وقد أشار إلى هذا المعنى الإمام الصادق، فقال: (إن الله خلق الناس ثلاثة أصناف فالسابقون هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخاصة الله من خلقه، جعل فيهم خمسة أرواح أيدهم بروح القدس، فبه بعثوا أنبياء، وأيدهم بروح الايمان فبه خافوا الله، وأيدهم بروح القوة فبه قووا على طاعة الله، وأيدهم بروح الشهوة فبه اشتهوا طاعة الله وكرهوا معصيته، وجهل فيهم روح المدرج الذي يذهب به الناس ويجيئون). ولا يكتفي الجيلي بكل تلك التفاصيل التي ذكرها، وإنما يضيف إليها تفاصيل أخرى أكثر تعقيدا، ليس له من دليل عليها سوى الإلهام والكشف، يقول: (ثم اعلم أنه لما خلق اللّه هذا الملك مرآة لذاته لا يظهر اللّه تعالى بذاته إلا في هذا الملك وظهوره في جميع المخلوقات إنما هو بصفاته، فهو قطب العالم الدنيوي والأخروي، وقطب أهل الجنة والنار وأهل الكثيب وأهل الأعراف، اقتضت الحقيقة الإلهية في علم اللّه سبحانه أن لا يخلق شيئا إلا ولهذا الملك فيه وجه يدور فلك ذلك المخلوق على وجهه فهو قطبه، لا يتعرف ذلك الملك لأحد من خلق اللّه تعالى إلا إلى الإنسان الكامل، فإذا عرفه الولي علمه أشياء، فإذا تحقق بها صار قطبا يدور عليه رحا الوجود جميعه بحكم النيابة والعارية فاعرفه).

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك