الدكتور فاضل حسن شريف
قوله تعالى "فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا" (مريم 17) عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام في تفسيرها (هو جبرئيل والقدس الطاهر). قال الله سبحانه "قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ" (النحل 102). قوله تعالى "وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا" (الشورى 52) عن أبي بصير، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال (خلق من خلق الله أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يخبره ويسدّده وهو مع الأئمّة من بعده). قال الله تعالى عن روح الله "يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ" ﴿يوسف 87﴾ روح الله: رحمة الله، رَوح الله: رجاء الله و رحمته و إحسانه، روح الله: رحمته و فرجه و تنفيسه، وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ: لا تقطعوا رجاءكم من رحمة الله، قال يعقوب: يا أبنائي عودوا إلى مصر فاستقصوا أخبار يوسف وأخيه، ولا تقطعوا رجاءكم من رحمة الله، إنه لا يقطع الرجاء من رحمة الله إلا الجاحدون لقدرته، الكافرون به.
جاء في شبكة رافد: الآيات القرآنيّة الدالّة على أنّ أرواح الشهداء والصدّيقين لا تموت بموت البدن ولا تفنى بفنائه وتبدد أجزائه، بل تبقى في عيش هنيء ونعيم مقيم ، كقوله تعالى "وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ" (البقرة 154)، وقوله تعالى "وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ" (ال عمران 169) وقوله تعالى "يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي" (الفجر 27-30) فثبت أن الإنسان قد يكون حيّاً بينما جسده في التراب، وذلك يلزم كون حقيقة الإنسان غير هذا البدن. الآيات الدالّة على أن الكفّار يعذّبون في النار بينما أجسادهم في القبور، كقوله تعالى "وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ" (غافر 45-46)، وقوله تعالى "مِّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللهِ أَنصَارًا" (نوح 25) فهم أحياء يعذّبون بعد موت أجسادهم، وذلك يستلزم كون حقيقة الإنسان شيئاً غير هذا الجسد. الآيات التي ذكرت مراتب الخلقة الجسمانيّة، كقوله تعالى "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا" (المؤمنون 12-14) فأفادت أن الإنسان لم يكن إلّا جسماً تتوارد عليه صور مختلفة متبدّلة، ثمّ إنّه تعالى لما أراد أن يذكر نفخ الروح قال "ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ" (المؤمنون 14) أيّ أنشأ هذا الجسم الجامد الخامد خلقاً آخر ذا شعور وإرادة وفكر وتصرف وتدبير إلى غير ذلك من الخواصّ والأفعال التي لا تصدر من الأجسام والجسمانيّات، وهو تصريح بأنّ ما يتعلّق بالروح جنس مغاير لما سبق ذكره من الصور الجسميّة المتبدّلة الواقعة في الأحوال الجسمانيّة، وذلك يدلّ على أنّ الروح شيء مغاير للبدن. وكذلك قوله تعالى في خلق الإنسان "وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ" (السجدة 7-9) وقوله تعالى في خلق آدم عليه السلام "فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي" (الحجر 29) فلمّا ميّز تعالى بين التسوية وهي خلق الأعضاء والأبعاض الجسميّة وبين نفخ الروح، دلّ ذلك على أنّ جوهر الروح شيء مغاير لجوهر الجسد. الآيات التي ميّزت بين ما هو مادي مضمحلّ من الإنسان ، وبين ما هو حقيقة باقية يتوفّاها الله إليه، كقوله تعالى "اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى" (الزمر 42) وهي تدلّ على أن الإنسان روح وبدن، وأن الروح هي التي تسيّر البدن وتدبّره بأمر الله تعالى، والموت عبارة عن قطع العلاقة بين الروح والبدن، وأنها بعد ذلك تذهب إلى خالقها. فهو تعالى يقبض النفس عند موت الجسد وعند منامه، فتبقى التي قضى عليها الموت عند بارئها إلى يوم القيامة، ويردّ الاُخرى إلى الجسد حتى يحين أمدها المعيّن. أما علاقة الجسم والأعضاء بهذه الروح فهي علاقة أدوات وآلات لظهور حركتها وإبراز آثارها وأفعالها، مع أنعكاس أثر كل منهما على الآخر ، فالخوف والرهبة والسرور والابتهاج تنعكس آثارها على أعضاء الجسم من حيث التقلص وتغيّر اللون وغيرهما، كما أن ضعف الأدوات أو تلفها يؤثر على النشاط الفكري والعقلي، وتستمر العلاقة بين الروح وأدواتها المادية في يوم النشور حيث تعاد الروح إلى البدن، وتكون الجوارح شاهدة على فعل الروح، كما دلّ عليه صريح القرآن الكريم في عدة آيات، منها قوله تعالى "يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (النور 24).
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: يقول سبحانه "فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَ رَيْحانٌ وَ جَنَّةُ نَعِيمٍ" (الواقعة 88-89) "روح": على وزن قول كما ذكر ذلك أئمّة اللغة في الأصل بمعنى التنفّس. "الريحان": بمعنى النبات أو الشيء ذي العطر، ثمّ اصطلح على كلّ شيء باعث للحياة و الراحة، كما أنّ الريحان يطلق على كلّ نعمة و رزق كريم. و بناء على هذا فإنّ الروح و الريحان الإلهيين يشملان كلّ وسائل الراحة و الطمأنينة للإنسان، و كلّ نعمة و بركة إلهيّة. و بتعبير آخر: يمكن القول أنّ الروح إشارة إلى كلّ الأمور التي تخلّص الإنسان من الصعوبات ليتنفّس براحة، و أمّا الريحان فإنّه إشارة إلى الهبات و النعم التي تعود إلى الإنسان بعد إزالة العوائق. و قد ذكر المفسّرون الإسلاميون تفاسير متعدّدة لهذين المصطلحين قد تصل إلى عشرة تفاسير: فقالوا: "الروح" بمعنى الرحمة، و "الريحان" يشمل كلّ فضيلة و شرف. و قالوا: إنّ الروح هي النجاة من نار جهنّم، و الريحان دخول الجنّة. و ذكروا أيضا أنّ الروح بمعنى الهدوء في القبر، و الريحان دخول الجنّة. و فسّر آخرون الروح بمعنى كشف الكروب، و الريحان بمعنى غفران الذنوب. و قال آخرون: الروح بمعنى النظر إلى وجه اللّه سبحانه، و الريحان الاستماع إلى كلام اللّه. و ما إلى ذلك. و يمكن القول أنّ جميع هذه التفاسير مصاديق لهذا المفهوم الكلّي و الجامع، و الذي ذكر في تفسير الآية أعلاه. و الجدير بالملاحظة أنّ الحديث عن "جنّة النعيم" (الواقعة 89) جاء بعد ذكر الروح و الريحان و قد يستفاد من هذا أنّ الروح و الريحان يكون من نصيب المؤمنين في الاحتضار و القبر و البرزخ، و أمّا الجنّة ففي الآخرة، كما نقرأ في حديث للإمام الصادق عليه السّلام في تفسيره لهذه الآية حيث قال: ("فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَ رَيْحانٌ" (الواقعة 88-89) يعني في قبره "وَ جَنَّةُ نَعِيمٍ" (الواقعة 89) يعني في الآخرة). قوله تعالى "تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ" (القدر 4) و "تنزل" فعل مضارع يدل على الاستمرار و الأصل تتنزل ممّا يدل على أنّ ليلة القدر لم تكن خاصّة بزمن النّبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و بنزول القرآن، بل هي ليلة تتكرر في كل عام باستمرار. و ما المقصود ب "الروح"؟ قيل: إنّه جبرائيل الأمين، و يسمىّ أيضا الروح الأمين. و قيل: إنّ الروح بمعنى الوحي بقرينة قوله تعالى: "وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا" (الشورى 52). و للروح تفسير آخر يبدو أنّه أقرب، هو أنّ الروح مخلوق عظيم يفوق الملائكة. و روي أنّ الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن الروح و هل هو جبرائيل، قال: (جبرائيل من الملائكة، و الروح أعظم من الملائكة، أليس أنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: تنزل الملائكة و الروح). فالإثنان متفاوتان بقرينة المقابلة. و ذكرت تفاسير اخرى للروح هنا نعرض عنها لافتقادها الدليل.
https://telegram.me/buratha