الصفحة الإسلامية

اشارات السيد محمد سعيد الحكيم قدس سره عن القرآن الكريم من سورة البقرة (ح 76)


الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في كتاب المحكم في اصول الفقه للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: فليس الأمر والنهي إلا عبارة عن الخطاب بالحث نحو الشئ أو الزجر عنه من دون أن يستلزما إرادته أو كراهته فضلا عن أن يتحدا معهما مفهوما أو خارجا، كما يظهر من بعضهم. نعم الظاهر عدم الاكتفاء فيهما بمطلق الحث والزجر، بل يختصان بما يبتني منهما على فرض المخاطب نفسه بمرتبة من ينبغي متابعته وتنفيذ خطابه، إما لسطان غالب، أو لقوة قاهرة، أو لحق لازم عرفا أو شرعا. لكن لا بمعنى لزوم بلوغه لذلك حقيقة، بل يكفي تخيله ذلك أو ادعاؤه له، لان المعيار على ابتناء الخطاب عليه. ولذا لا يكفي وجوده الواقعي من دون أن يبتني عليه الخطاب. فلو وجب شرعا إطاعة الأب فطب الراجي غافلا عن ذلك لم يصدق على طلبه الامر، كما لا يصدق على زجره النهي، وإن وجبت إطاعته كما أنه لو طلب طلب السلطان القاهر صدق الأمر والنهي وإن لم تجب إطاعته شرعا ولم يخش سلطانه. ومرجعه إلى اعتبار الاستعلاء دون العلو، خلافا لما ذكره غير واحد من العكس. بل يجري ذلك حتى في الأوامر والنواهي الارشادية إذا ابتنت على ادعاء المرشد بلوغة أهلية الارشاد لمعرفته بمرتبة تلزم بمتابعته. أما لو ابتنت على محض معرفته بالواقع المرشد إليه ولو صدفة من دون دعاء لذلك لم يصدق الأمر والنهي. هذا هو الظاهر بحسب المرتكزات العرفية. ومن هنا كان الظاهر أخذ الالزام في مفهوم الأمر والنهي، كما هو المتبادر من إطلاقه، بل الظاهر صحة السلب عن الطلب غير الإلزامي، وإن صح إطلاقه على ما يعمه بنحو من العناية، كما في مقام التقسيم. وقد يشهد بما ذكرنا جملة من الآيات التي تضمنت ترتب استنكار المخالفة والتحذير منها والذم عليها ، بنحو يظهر منها كون هذه الأمور من لوازم المفهوم، كقوله تعالى: "وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ" (البقرة 27). وكذا الروايات الظاهرة في المفروغية عن اقتضاء الامر الالزام، كقوله صلى الله عليه وآله: (لولا أن أشق على أمتي لامرتهم بالسواك عند وضوء كل صلاة) أو : (مع كل صلاة) وما في حديث بريرة: فقال لها النبي صلى الله عليه آله: (لو راجعتيه فإنه أبو ولدك)، فقالت: يا رسول الله أتأمرني؟ قال: (لا إنما أنا شفيع)، فقالت: لا حاجة لي فيه.

جاء في كتاب المحكم في اصول الفقه للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: أن ظاهر الآية الشريفة "وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" (البقرة 124) كون الإمامة مجعولة منه تعالى للشخص ابتداء، لعلمه بأهليته لها، كما هو مذهب الإمامية أعز الله دعوتهم ، لا إمضاء لبيعة الناس بها ، كما هو مذهب العامة ، لعدم صحة النسبة له تعالى في الامضائيات كما سبق عند الكلام في المعاملات من مبحث الصحيح والأعم. ولما هو المعلوم من عدم توقف إمامة إبراهيم عليه السلام على البيعة. وهو المناسب لرفعة مقام الإمامة وجلالتها وأهمية الآثار المترتبة عليها. ودعوى: أن ثبوت ذلك منه تعالى لا ينافي إمضاءه سبحانه لبيعة الناس بالإمامة. مدفوعة : باحتياج الامضاء للدليل. ولا سيما مع ظهور الآية في أن جعل الإمامة لإبراهيم عليه السلام بعد ابتلائه له بالكلمات وإتمامه لهن ، حيث يظهر منه تبعيتها لأهلية الامام التي تظهر باختباره وامتحانه تعالى له. وعليه يلزم تنزيل ما ورد في أحكام الإمامة كالنبوي المشهور بين الفريقين: (من من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية) على ما تضمنته الآية الشريفة. ذكر الرازي في تفسيره أن المراد بالإمامة في الآية الشريفة "وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" (البقرة 124) النبوة لا الخلافة لوجوه: الأول: ظهورها في كون الامام إماما لجميع الناس، وذلك لا يكون إلا الرسول المستقل بالشرع، إذ لو كان تابعا لرسول آخر كان مأموما لذلك الرسول. الثاني: أن اللفظ يدل على أنه إمام في كل شئ ولا يكون كذلك إلا النبي. الثالث: أن إمامة النبوة أعلى مراتب الإمامة، فيجب الحمل عليها ، لذكرها في مقام الامتنان ، فلا بد أن تكون تلك النعمة من أعظم النعم ، ليحسن نسبة الامتنان. قال بعد ذلك: (فوجب حمل هذه الإمامة على النبوة). والكل كما ترى لاندفاع الأول بأن غير النبي من الأئمة إمام لجميع الناس اللذين في عصره ، وذلك هو المنساق من عموم الآية، ولذا لا يقدح في إمامة النبي المستقل بالشريعة عدم إمامته لمن سبق عصره أو تأخر عن شريعته ، فلا يقدح في إمامة الامام عدم إمامته لنبي شريعته غير الموجود حين إمامته، بل هو كسائر من سبق عصرها من الناس. نعم، لو تضمنت الآية أن الامام لا يكون مأموما ولو لغير أهل عصره اتجه قصوره عن الامام التابع لنبي شريعته . لكن الآية لم تتضمن ذلك، بل تضمنت أنه إمام لجميع الناس، كما هو ظاهر الجمع المحلى باللام . وأما الثاني فهو يبتني على مباينهم من اختصاص الإمامة بعد النبي صلى الله عليه وآله بنظم أمر الدنيا، ولا يجري على مبانينا معشر الامامية من عمومها لشؤون الدين والدنيا تبعا لعموم الحاجة فيهما. كما أن الثالث موهون بأن كون النبوة أعلى المراتب لا يقتضي إرادتهما، لعدم اختصاص الامتنان بالمراتب العالية من النعم، فإن كل نعمة مورد للامتنان. بل لا امتنان في الاقتصار على المراتب العالية منها. وإلا لزم الاختصاص بأعلى مراتب النبوة وأشرفها، كالنبوة الخاتمة.

جاء في كتاب اصول العقيدة للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: الإخبارات الغيبية: فمن المعلوم أن القرآن الكريم قد اشتمل على جملة من الإخبارات الغيبية: منها: قوله عزّ وجلّ عن أهل الكتاب: "فَإن آمَنُوا بِمِثلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَد اهتَدَوا وَإن تَوَلَّوا فَإنَّمَا هُم فِي شِقَاقٍ فَسَيَكفِيكَهُم اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ" (البقرة 137)، وأخيراً كفى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أمرهم، ولم يضره كيدهم. ومنها: قوله عزّ من قائل: "يُرِيدُونَ أن يُطفِئُوا نُورَ اللهِ بِأفوَاهِهِم وَيَأبَى اللهُ إلاَّ أن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَو كَرِهَ الكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أرسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكُونَ" (التوبة 22-23).

جاء في كتاب مصباح المنهاج: الإجتهاد و التقليد للسيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم: أن مناسبة الحكم والموضوع تقتضي إلغاء خصوصية الكتمان فإن المنسبق عرفا أن تحريم الكتمان في الاية ليس لملازمته لمعاداة الحق والاهتمام بطمسه والرغبة في ضلال الناس، بل لملازمته لضياع الحق وانطماسه المنافي للغرض من بعث الرسل وبيان الاحكام في الكتب. كما يناسبه قوله تعالى: "من بعد ما بيناه للناس في الكتاب" (البقرة 159)، وقوله سبحانه: "إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فاولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم" (البقرة 160)، لاشعار الاول بعلة الحكم، وظهور الثاني في توقف التوبة على التبيين المشعر أو الظاهر في كون المحرم مجرد عدم البيان، لا خصوصية الكتمان. ولعل ذكر الكتمان لمناسبته لمورد الاية، بناء على نزولها في علماء أهل الكتاب تنبيها لشدة جرمهم، لا بتناء عدم البيان منهم على الكتمان والاهتمام بإخفاء الحق. نعم، لا يبعد انصراف الاية وغيرها من أدلة المقام عما لو كان الجاهل في مقام الاعراض عن الواقع وعدم الاهتمام بمعرفة الحكم، كما تقدم ويأتي، ولا يكفي مجرد عدم كونه في مقام الاستعلام لغفلته ولو تقصيرا. ومما ذكرنا يظهر أن هذه الاية أعم من آية النفر مطلقا لا من وجه. كما أن الظاهر أنها أعم من بقية أدلة المقام التي أشرنا إليها، إلا أن ذلك لا يقتضي تخصيصها بها، لعدم التنافي بينها بعد اتفاقها معها في الاثبات. إذا عرفت هذا ظهر وجه الاستدلال بهذه الادلة على وجوب الاعلام بالخطأ في المقام، لاطلاق آية الكتمان. بل حيث يكون الجاهل في مقام العمل والاهتمام بالواقع فهو يدخل في المتيقن من الاية. كما أنه لو كان المخبر ثقة عند الجاهل كان قوله حجة في حقه، فيدخل في آية النفر. نعم، الادلة المذكورة كما تقتضي وجوب الاعلام من المخبر الاول، كذلك تقتضي وجوبه من غيره ممن يعلم الحكم، ومن ثم استدل بها سيدنا المصنف قدس سره في المقام. لكن ذكر بعض مشايخنا أنه لا مجال للاستدلال بالادلة المذكورة في المقام، لان المراد من وجوب التبليغ فيها بيان الاحكام بنحو يتمكن العامي من الوصول إليه حتى لا يندرس الدين، وذلك بمثل طبع الرسالة العملية والتهيؤ للافتاء، لا بايصال الحكم لكل فرد فرد من المكلفين بتحري أماكنهم وملاحقتهم بأشخاصهم، ليجب تنبيه الجاهل بخطأ البيان الواصل إليه سابقا في المقام، لعدم دلالة الادلة المذكورة على ذلك ولم يلتزم به الائمة عليهم السلام فضلا عن غيرهم، وإنما وجب على‌ لنبي صلى الله عليه وآله بالمقدار الممكن دون بقية المكلفين.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك